تعال هنا، ايها الطاغية
...كانت آنِي محظوظةً....
...والأغرب من ذلك، أنَّ مُعظمَ ما تقوله يتحقَّق ويُصبح حقيقةً واقعة....
...ولهذا، كان النَّاس من حولها يُوجِّهون إليها طلباتٍ سخيفةً في كثيرٍ من الأحيان....
...[سيِّدتي، هل يمكنكِ أن تقولي: (كارلا لن تسلكَ إلَّا طريقًا مملوءًا بالثَّراء حتَّى نهاية حياتها)؟]...
...[سيِّدتي دْسِف، قولي لي: (ستقابلين رجلًا وسيمًا وجنونَه فيكِ، ويكون طيِّبًا معكِ وحدكِ، وتعيشان في سعادةٍ أبديَّة!)]...
...[سيِّدة آنِي، من فضلكِ، قولي إنِّي سأربح الجائزة الكبرى في اليانصيب…]...
...آه، لقد سئمت من كلِّ هذا....
...فكلَّما تكرَّر هذا الموقف، كانت تذرف الدُّموع بدلًا من أن تُجيب، لكنَّ الشُّكوك حولها لم تتوقَّف....
...[آنِي، هل أنْتِ حقًّا محظوظة؟ كوني صريحةً، وقولي الحقيقة. بفضل كلماتكِ، تمَّ تجنيس المصمِّمة سانِيل إلى بوركاوس!]...
...كانت سانيل مصمِّمةً ذات أنفٍ عالٍ كعلوّ سقف الكاتدرائيَّة الشاهقة في العاصمة....
...وعلى مدار الوقت، كانت الدُّول المجاورة تُغرِيها بكلِّ العروض لكي تأخذها، لكنَّ بوركاوس كانت حصنًا منيعًا لم يستطع أحدٌ اختراقه....
...فهي عبقريَّةٌ متكبِّرة، رفضت كلَّ العروض السَّخيَّة من بوركاوس، وطنِ آنِي، ومن خصمه القديم، هاركنون. ...
...وكما هو الحال مع أغلب الفنَّانين الموهوبين، فقد حاولت سانِيل أن تبقى على الحِياد....
...غير أنَّ آنِي قالت ذات مرَّة: «سيكون شرفًا لنا إن تأتي سانيل د. زاينر إلى إمبراطوريَّة بوركاوس…»...
...وبعد أن قالتها، لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتَّى أصبحت سانيل مواطنةً بوركاوسيَّة....
...وعندها، قال جيرانُ آنِي بحماسةٍ إنَّ الملكة "سيلفاس" قد حقَّقت أمنيتها....
...وعلى أيِّ حال، فإنَّ تجنيس سانيل قد قلب القارَّة رأسًا على عقب....
...وحينما سألها الصَّحفيُّون إن كان السَّبب هو المال، أجابت سانيل صراحةٍ واختصار:...
...[الحُبٌّ الصادقٌ من رجلٍ هو السبب.]...
...ومن ثمَّ بدأت التَّكهُّنات تنتشر بين النَّاس بأنَّ سانيل قد وقعت في حبّ أحد مواطني بوركاوس....
...ولكن، ما أهميَّة ذلك؟ فآني لم تكن سوى إحدى أكبر معجباتها، وكانت تقضي لياليها تكتب لها رسائل المُعجبين....
...وبدعمٍ كاملٍ من العائلة الإمبراطوريَّة، بدأت سانِيل تمارس نشاطاتها داخل الإمبراطوريَّة....
...فبفضل ذوقها الجماليّ الرَّاقي، وابتكارها الفريد، بدأت تُصمِّم الحقائب، والأحذية، والملابس، والإكسسوارات المُتنوِّعة....
...واشتهرت المصمِّمة "سانِيل"، التي نالت لقب "نور بوركاوس"، كالبلُّورة الأرجوانيَّة الثَّمينة....
...وبعد ذلك، أقامت حفلة خصمٍ خاصَّة لمواطني بوركاوس، قائلةً إنَّها تُريد أن تُعبِّر عن امتنانها لوطنها، وخفَّضت أسعار منتجاتها إلى النِّصف....
...كان حزام الفستان المُفضَّل لدى آنِي من تصميم سانِيل....
...حزامٌ يُحيط بصدرها، مصنوعٌ من الحرير الكريميِّ الملوَّن، ومزيَّنٌ بمكعَّباتٍ فضِّيَّةٍ جميلة....
...ثــمّ…...
...[سيِّدة آني! كعكة الليمون في مخبز العاصمة عليه خصم! اشتري واحدة، وخذي أُخرى مجّانًا!]...
...رائــع!...
...ألقت آنِي بالكتاب الذي كانت تقرؤه، وأسرعت إلى داخل العربة السَّوداء...
...ذلك المخبز الضَّخم، الذي لم يُقِم بأي خصمًا واحدًا منذ خمسين عامًا، قد أطلق خصمًا على منتجٍ واحدٍ أخيرًا....
...وهل هناك أعظم من "كعكة الليمون السِّحريّة" الذي يُوقظكِ من أعماق النَّوم؟...
...وعلى الرّغم من أنّ آني كانت تمتنع عن دفع ثمنٍ باهظٍ كهذا، حتّى وإن كانت تقدر عليه، فإنَّ خبر الخصم هذا جعل شفتيها ترتفعان في ابتسامة....
...فقط لمجرَّد التَّفكير بذلك الطَّعم الحامض الرَّائع، سال لُعابها....
...في العربة أثناء الطَّريق إلى العاصمة، كانت خادمتها كارلا تتحدَّث بحماسٍ مستمرّ:...
...[سيِّدتي، ألستِ أنتِ من قلتِ سابقًا إنَّكِ تُريدين خصمًا هنا؟ يا إلهي! لقد تحقَّقت أُمنيتكِ مجدَّدًا! هذا مذهلٌ!]...
...[نعم.]...
...أومأت آني برأسها، ووجهها متورِّدٌ من الحماس....
...في العادة، كانت ستُجيب بجديَّةٍ وتقول إنَّه مجرَّدُ صُدفة، لكنَّ توقها الجنونيّ لكعكة الليمون جعلها لا تُفكِّر بوضوح....
...ومنذ تلك اللحظة، كان على مطبخ عائلة "دْسِف" أن يُحضِّر طبق كعك ليمون ثلاث مرَّاتٍ على الأقلِّ في الأسبوع....
...فما تقوله آنِي يتحقَّق، مهما كان بسيطًا....
...على سبيل المثال، حين قالت: «خبز أنبِرتِر هو خبزٌ سحريّ! ينبغي أن نُكرِّم من صنعه!»...
...وفعلًا، فاز الطَّاهِي الذي صنعه بجائزةٍ كُبرى وثلاث نُجوم من الإمبراطوريَّة....
...حين علمت آني بالأمر، ابتسمت وقالت بسعادة: «إنَّه شخصٌ يستحقُّ ذلك.»...
...وكان هناك مشروعٌ صغيرٌ بدأته آني حين كانت أوضاع العائلة الماليَّة متدهورة، لكن رجل أعمالٍ ذكيًّا استثمر فيه، وسدَّد كلَّ ديون العائلة دفعةً واحدة....
...وليس هذا فحسب، بل حين قالت آنِي إنَّها تتمنَّى الحصول على الملابس والأحذية والحقائب مجَّانًا من المتجر الذي تُفضِّله، تحقَّق ذلك أيضًا....
...فقد باتت تتلقّى الملابس والإكسسوارات مجّانًا لأكثر من عامٍ كامل، مقابل أن تُبدي رأيها في ملاءمتها فقط....
...على أيِّ حال، فإنَّ حظّ آنِي في هذه الأيَّام عجيبٌ جدًّا....
...لقد مرَّ نحو سبع سنواتٍ منذ أن بدأت....
...ففي البداية، عاشت حياةً مملَّة، لكنّها انقلبت فجأةً إلى طريقٍ لا ينتهي من النجاحات والتَّألُّق....
...إنَّه أمرٌ مُرهق، لكنَّه مُمتع....
...نعم، آني محظوظةٌ حقًّا. وهذا أمرٌ جيِّد....
...ما عدا أمرٍ واحد....
...الــرِّجــال....
...فحظُّ آنِي مع الرِّجال سيِّئٌ للغاية. خطيبها الذي قضَت معه ستَّ سنواتٍ تخلَّى عنها....
...وحين انتقلت إلى بلدٍ آخر، لم يكن هناك رجلٌ واحدٌ شخصيَّتةٍ سليمةٍ من بين أولئك الذين اصطفُّوا للزَّواج منها....
...لقد بدأت تفقد عقلها....
...لم تستطع أن تفهم كيف يمكن أن تُعتَبر فاشلةً فقط لأنَّها لم تواعد أو تتزوَّج....
...أليس من الأجدر بالنَّاس أن يُعطوا الأولويَّة للإرادة الحُرَّة بدلًا من اختيار الزَّوج؟...
...لكن، مهما حاولت إقناعهم، كانت عائلتها تُجبرها على الخضوع لهذا الواقع....
...ولمّا ضاقت بها الحال، قرَّرت آنِي أن تُنهي هذا الأمر بحدِّ السَّيف....
...«لـن أتـزوَّج أبــدًا.»...
Comments