...كانت آنِي محظوظةً....
...والأغرب من ذلك، أنَّ مُعظمَ ما تقوله يتحقَّق ويُصبح حقيقةً واقعة....
...ولهذا، كان النَّاس من حولها يُوجِّهون إليها طلباتٍ سخيفةً في كثيرٍ من الأحيان....
...[سيِّدتي، هل يمكنكِ أن تقولي: (كارلا لن تسلكَ إلَّا طريقًا مملوءًا بالثَّراء حتَّى نهاية حياتها)؟]...
...[سيِّدتي دْسِف، قولي لي: (ستقابلين رجلًا وسيمًا وجنونَه فيكِ، ويكون طيِّبًا معكِ وحدكِ، وتعيشان في سعادةٍ أبديَّة!)]...
...[سيِّدة آنِي، من فضلكِ، قولي إنِّي سأربح الجائزة الكبرى في اليانصيب…]...
...آه، لقد سئمت من كلِّ هذا....
...فكلَّما تكرَّر هذا الموقف، كانت تذرف الدُّموع بدلًا من أن تُجيب، لكنَّ الشُّكوك حولها لم تتوقَّف....
...[آنِي، هل أنْتِ حقًّا محظوظة؟ كوني صريحةً، وقولي الحقيقة. بفضل كلماتكِ، تمَّ تجنيس المصمِّمة سانِيل إلى بوركاوس!]...
...كانت سانيل مصمِّمةً ذات أنفٍ عالٍ كعلوّ سقف الكاتدرائيَّة الشاهقة في العاصمة....
...وعلى مدار الوقت، كانت الدُّول المجاورة تُغرِيها بكلِّ العروض لكي تأخذها، لكنَّ بوركاوس كانت حصنًا منيعًا لم يستطع أحدٌ اختراقه....
...فهي عبقريَّةٌ متكبِّرة، رفضت كلَّ العروض السَّخيَّة من بوركاوس، وطنِ آنِي، ومن خصمه القديم، هاركنون. ...
...وكما هو الحال مع أغلب الفنَّانين الموهوبين، فقد حاولت سانِيل أن تبقى على الحِياد....
...غير أنَّ آنِي قالت ذات مرَّة: «سيكون شرفًا لنا إن تأتي سانيل د. زاينر إلى إمبراطوريَّة بوركاوس…»...
...وبعد أن قالتها، لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتَّى أصبحت سانيل مواطنةً بوركاوسيَّة....
...وعندها، قال جيرانُ آنِي بحماسةٍ إنَّ الملكة "سيلفاس" قد حقَّقت أمنيتها....
...وعلى أيِّ حال، فإنَّ تجنيس سانيل قد قلب القارَّة رأسًا على عقب....
...وحينما سألها الصَّحفيُّون إن كان السَّبب هو المال، أجابت سانيل صراحةٍ واختصار:...
...[الحُبٌّ الصادقٌ من رجلٍ هو السبب.]...
...ومن ثمَّ بدأت التَّكهُّنات تنتشر بين النَّاس بأنَّ سانيل قد وقعت في حبّ أحد مواطني بوركاوس....
...ولكن، ما أهميَّة ذلك؟ فآني لم تكن سوى إحدى أكبر معجباتها، وكانت تقضي لياليها تكتب لها رسائل المُعجبين....
...وبدعمٍ كاملٍ من العائلة الإمبراطوريَّة، بدأت سانِيل تمارس نشاطاتها داخل الإمبراطوريَّة....
...فبفضل ذوقها الجماليّ الرَّاقي، وابتكارها الفريد، بدأت تُصمِّم الحقائب، والأحذية، والملابس، والإكسسوارات المُتنوِّعة....
...واشتهرت المصمِّمة "سانِيل"، التي نالت لقب "نور بوركاوس"، كالبلُّورة الأرجوانيَّة الثَّمينة....
...وبعد ذلك، أقامت حفلة خصمٍ خاصَّة لمواطني بوركاوس، قائلةً إنَّها تُريد أن تُعبِّر عن امتنانها لوطنها، وخفَّضت أسعار منتجاتها إلى النِّصف....
...كان حزام الفستان المُفضَّل لدى آنِي من تصميم سانِيل....
...حزامٌ يُحيط بصدرها، مصنوعٌ من الحرير الكريميِّ الملوَّن، ومزيَّنٌ بمكعَّباتٍ فضِّيَّةٍ جميلة....
...ثــمّ…...
...[سيِّدة آني! كعكة الليمون في مخبز العاصمة عليه خصم! اشتري واحدة، وخذي أُخرى مجّانًا!]...
...رائــع!...
...ألقت آنِي بالكتاب الذي كانت تقرؤه، وأسرعت إلى داخل العربة السَّوداء...
...ذلك المخبز الضَّخم، الذي لم يُقِم بأي خصمًا واحدًا منذ خمسين عامًا، قد أطلق خصمًا على منتجٍ واحدٍ أخيرًا....
...وهل هناك أعظم من "كعكة الليمون السِّحريّة" الذي يُوقظكِ من أعماق النَّوم؟...
...وعلى الرّغم من أنّ آني كانت تمتنع عن دفع ثمنٍ باهظٍ كهذا، حتّى وإن كانت تقدر عليه، فإنَّ خبر الخصم هذا جعل شفتيها ترتفعان في ابتسامة....
...فقط لمجرَّد التَّفكير بذلك الطَّعم الحامض الرَّائع، سال لُعابها....
...في العربة أثناء الطَّريق إلى العاصمة، كانت خادمتها كارلا تتحدَّث بحماسٍ مستمرّ:...
...[سيِّدتي، ألستِ أنتِ من قلتِ سابقًا إنَّكِ تُريدين خصمًا هنا؟ يا إلهي! لقد تحقَّقت أُمنيتكِ مجدَّدًا! هذا مذهلٌ!]...
...[نعم.]...
...أومأت آني برأسها، ووجهها متورِّدٌ من الحماس....
...في العادة، كانت ستُجيب بجديَّةٍ وتقول إنَّه مجرَّدُ صُدفة، لكنَّ توقها الجنونيّ لكعكة الليمون جعلها لا تُفكِّر بوضوح....
...ومنذ تلك اللحظة، كان على مطبخ عائلة "دْسِف" أن يُحضِّر طبق كعك ليمون ثلاث مرَّاتٍ على الأقلِّ في الأسبوع....
...فما تقوله آنِي يتحقَّق، مهما كان بسيطًا....
...على سبيل المثال، حين قالت: «خبز أنبِرتِر هو خبزٌ سحريّ! ينبغي أن نُكرِّم من صنعه!»...
...وفعلًا، فاز الطَّاهِي الذي صنعه بجائزةٍ كُبرى وثلاث نُجوم من الإمبراطوريَّة....
...حين علمت آني بالأمر، ابتسمت وقالت بسعادة: «إنَّه شخصٌ يستحقُّ ذلك.»...
...وكان هناك مشروعٌ صغيرٌ بدأته آني حين كانت أوضاع العائلة الماليَّة متدهورة، لكن رجل أعمالٍ ذكيًّا استثمر فيه، وسدَّد كلَّ ديون العائلة دفعةً واحدة....
...وليس هذا فحسب، بل حين قالت آنِي إنَّها تتمنَّى الحصول على الملابس والأحذية والحقائب مجَّانًا من المتجر الذي تُفضِّله، تحقَّق ذلك أيضًا....
...فقد باتت تتلقّى الملابس والإكسسوارات مجّانًا لأكثر من عامٍ كامل، مقابل أن تُبدي رأيها في ملاءمتها فقط....
...على أيِّ حال، فإنَّ حظّ آنِي في هذه الأيَّام عجيبٌ جدًّا....
...لقد مرَّ نحو سبع سنواتٍ منذ أن بدأت....
...ففي البداية، عاشت حياةً مملَّة، لكنّها انقلبت فجأةً إلى طريقٍ لا ينتهي من النجاحات والتَّألُّق....
...إنَّه أمرٌ مُرهق، لكنَّه مُمتع....
...نعم، آني محظوظةٌ حقًّا. وهذا أمرٌ جيِّد....
...ما عدا أمرٍ واحد....
...الــرِّجــال....
...فحظُّ آنِي مع الرِّجال سيِّئٌ للغاية. خطيبها الذي قضَت معه ستَّ سنواتٍ تخلَّى عنها....
...وحين انتقلت إلى بلدٍ آخر، لم يكن هناك رجلٌ واحدٌ شخصيَّتةٍ سليمةٍ من بين أولئك الذين اصطفُّوا للزَّواج منها....
...لقد بدأت تفقد عقلها....
...لم تستطع أن تفهم كيف يمكن أن تُعتَبر فاشلةً فقط لأنَّها لم تواعد أو تتزوَّج....
...أليس من الأجدر بالنَّاس أن يُعطوا الأولويَّة للإرادة الحُرَّة بدلًا من اختيار الزَّوج؟...
...لكن، مهما حاولت إقناعهم، كانت عائلتها تُجبرها على الخضوع لهذا الواقع....
...ولمّا ضاقت بها الحال، قرَّرت آنِي أن تُنهي هذا الأمر بحدِّ السَّيف....
...«لـن أتـزوَّج أبــدًا.»...
...[بعد إعلان عدم الزَّواج بخمسة أيَّام - بقلم دْسِف]...
...تسلَّل ضوءُ الشمس من خلال النوافذ المفتوحة على مصراعيها، حاملاً معه صوتَ العصافير المغرِّد بهدوء. ...
...كانت "آنِي" نصفَ مستلقية على سريرها، فركت عينيها وهي تتثاءب بتعب....
..."أُريد أن أنامَ أكثر..."...
...كان شعرها القصير البنيُّ، الذي يصل إلى أطراف أُذنيها، يزداد طولة يومًا بعد يوم. كما بدأت تظهر هالاتٌ السَّوداء تحت عينيها الأرجوانيَّتين....
...لم تنَم "آنِي" جيّداً في الآونة الأخيرة، وقد أصبح حالُها سيِّئاً على نحوٍ لا يُوصَف....
...فبعد إعلانها عن رفض الزَّواج، لم يتسنَّ لها الوقت الكافي للاهتمام بشؤون عائلتها أو أعمالها الخاصة....
...ومع ذلك، كانت أعمالها تسير على ما يُرام، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك، فتبرَّعت لجمعيات الأمهات العازبات ودور الأيتام، ولم تتوانَ عن مدِّ يد العون إليهم....
...خشخشة~...
...صوتٌ عالٍ ينبعث من سَحب شيءٍ ما....
...حين التفتت برأسها، رأت امرأةً منهمكةً تقف عند الخزانة....
...كانت تلك خادمتها المُقرَّبة، "كارلا"....
...سألتها كارلا، التي كانت قد ربطت شعرها الأشقر الطَّويل إلى أسفل، بصوتٍ مُتعجِّل وهي تُخرِج عدَّةَ فساتين:...
..." سيِّدتي، أيَّ فُستانٍ تُريدين أن ترتدي اليوم؟"...
..."فقط، أخرجي أيَّ واحدٍ منها."...
...كانت آنِي قد أمضت اللَّيل بأكمله بلا نوم، فخرج صوتُها مُثقَلًا بالتَّعب....
...غطَّت آنِي فمها بإحدى يديها وتثاءبت مجدَّدًا، فقالت كارلا:...
..."هيَّا، هيَّا، انهضي الآن."...
...فركت آنِي عينيها المُتعَبَتين بظهر يدها، ثم نهضت لتقف أمام المرآة الكبيرة التي كانت بطول الجدار....
...'يبدو هذا غبيًّا...'...
...لم تُعجبها ملامح وجهها المرهَق. عبست، ثم ربّتت على خدّيها مراراً....
...لكن، رغم ذلك، لم يزل التَّعب مُخيِّمًا عليها، فعادت تفرك عينيها النَّاعستين بظهر يدها من جديد....
...هل هو التقدُّم في السن؟ مع مرور الأعوام، كانت حالتها تسوء أكثر فأكثر. ...
..."هل يُناسبكِ هذا؟ لا، لعلّ الدانتيل سيكون أفضل؟"...
...سألتها كارلا بحماس وهي تُقارن فُستان السَّهرة الذي اختارته مع آخر أحمر أو أسود فاخر....
...لم يكن الفستان غريباً من حيث اللون فحسب، بل كان تصميمه جريئاً، بحيث تظهر الكتفين وخطّ الصدر بوضوح....
...آنِي، التي كانت دائمًا ترتدي فساتين بسيطةً ذات لونٍ واحد، لم تستطع إخفاء خجلها....
...'لن أُقابل أحدًا اليوم، فلماذا كلُّ هذه الضَّجَّة؟'...
..."كارلا، فقط أحضري لي فُستاني المُعتاد."...
..."أوه، سيّدتي! عمَّ تتحدَّثين؟ اليوم أوَّل مرَّة تخرجين فيها."...
..."أوَّل مرَّة؟"...
...«نعم، أوَّل مرَّة بعد إعلانكِ عدم الزَّواج. لذا، أرجوكِ... أرجوكِ، حقِّقي لي هذه الرَّغبة.»...
...قالت كارلا ذلك بعزيمةٍ قويَّةٍ، وهي تُمسك بالفُستان بإحكام. وعلى ظهر يديها البيضاء، كانت الأوردة الزَّرقاء تبرز كأنَّها شبكةُ عناكب، لا تُشبه شكلها الرَّقيق أبدًا....
...كان من الواضح أنَّ الجميع سيلتفت إلى آنِي ويتحدَّث عنها، لذا لم تستطع كارلا أن تبقى مكتوفة اليدين....
...فـ"كارلا"، التي تعامِل "آني" كأُختٍ لها، لم تكن ترغب في أن يبدو مظهرها سيّئاً....
...ضحكت "آني" بخجل من حماس "كارلا"، وكانت تشعر بالامتنان لها....
...كان لديها الكثير من الوقت، لكنها لم تُرِد أن تُخيِّب أمل خادمتها المُخلصة....
... ...
...لم يكن الأمر بذلك السُّوء....
...ربما، ارتداءُ فستانٍ جديد قد يُحسِّن من مزاجها....
..." حسنًا، أُريد فُستانًا يُناسبني تمامًا." ...
..."نعم!!"...
...رفعت "كارلا" بصرها إلى آنِي، بنظرات الخادمة المخلصة لسيِّدتها. ورغم أنَّ ملامح آنِي قد تبدو عاديَّةً للوهلة الأولى، فإنَّ عينيها الأرجوانيَّتين أجمل من الجمشت....
...كانت كارلا تقول دائمًا: "أفهمُ تمامًا لماذا عينا سيّدتي بهذا اللون الأرجواني... إنَّها نِعمةٌ!" ...
...كلما قالت ذلك، كانت "آني" تُغلق أُذنيْها وتطلب منها التوقّف، لكن "كارلا" لم تكن تتوقّف....
...فمنذ أن كانت كارلا صغيرةً، وهي تُحبُّ آنِي حبًّا صادقًا من قلبها....
...الفستان الذي اختارته "كارلا" كشف قليلاً من صدرها، مع لمسةٍ من الدَّانتيل الرَّقيق....
...شعرت "آني" بشيءٍ من الإحراج، فوضعت يدها على صدرها تُخفيه....
..."ألا يبدو هذا غريبًا بعض الشيء؟"...
..."هاها، إنَّه جميلٌ فحسب. ما يُقلقني فقط هو أولئك الرِّجال الذين سيقعون في حبِّكِ."...
..."كارلا، هل أنتِ مريضة؟"...
...بدأت "كارلا" بتمشيط شعر "آني" بمشطٍ خشبي، وهي تُدندن....
...آنِي، التي لم تهتمَّ يومًا بالموضة، كانت تعرف تسريحات الشعر التي تُناسبها. دائمًا ما كانت تُصرُّ على الشَّعر القصير، وكارلا كانت تُحبُّ تصفيفه....
...بعد أن أنهت تجهيز سيّدتها، أمسكت كارلا بكتفي آنِي المستقيمين....
...ثمّ ابتسمت ابتسامةً مشرقة وهي تنظر في المرآة الطويلة إلى مظهر "آني" الأنيق....
..."ما رأيكِ؟"...
..."كما هو مُتوقَّع... خادمتنا الأفضل في العالم. حتى الخادمة العبقريَّة في هاركنون ستقف عاجزةً أمام كارلا."...
...«هه! إنَّها ليست خادمةً فقط، بل نائبة قائد الفرسان النُّخبة الإمبراطوريين أيضًا.»...
..."لا يوجد ما لا تستطيعين فعله، كارلا. سأمنحكِ فرصةً لتُفكِّري، وإن رغبتِ، يمكنكِ أن تبدئي تعلُّم فنون السَّيف من الغد."...
..."أوه، سيّدتي! هل تمزحين؟"...
...طَـق~ طَـق~...
...فجأة، ارتفعت معنويات "آنُي" المنخفضة بينما كانت "كارلا" تُربّت على ظهرها بلطف. ...
...تمتمت "آني"، قائلةً إنّها لا تحتاج لتعلُّم فنّ السيف....
..."يبدو أنّكِ بعد إنجابكِ لطفلكِ الثاني، أصبحتِ تضربين أقوى." ...
..."كارلا"، التي تجاهلت تذمُّر "آنِي"، أمسكت بيديها بإحكام، وعيناها تلمعان....
..." سيّدتي، عِديني بشيء." ...
..."ألا أرفُض من يأتيني. حتى لو لم أُعجَب به، أمنحه فرصة وأقابله مجدداً؟" ...
..." بالضبط." ...
..."هاه... كارلا. قلتُ لكِ من قبل، لا نيّة لي في زواجٍ تقليدي. الجميع ذاهبون اليوم إلى القصر الإمبراطوري من أجل شؤون العائلة."...
..."لكنَّكِ لا تعلمين ما الذي يُخبِّئه لكِ القدر!"...
..."حسنًا، حسنًا..." ...
..."إنَّكِ تُعطينني جوابًا باهتًا من جديد."...
...ضحكت آنِي بمرارة، حينما تظاهرت كارلا بأنَّها حزينةٌ حقًا....
...ثمّ وضعت "آني" يدها برفقٍ فوق يد "كارلا"....
...«نعم... أيُّ شخصٍ عدا ذلك الطُّاغية المُرعب. سآخذ ما قلتِه بعين الاعتبار.»...
...قالت آنِي ذلك مازحةً....
...هذا أمرٌ بديهيّ. هل يُعقل أن تقوم "كارلا" بإرسال السيِّدة إلى ذلك الطاغية المجنون؟...
...نـقـر~...
...ما إن أُغلِقت النَّافذة، حتَّى التفتت "كارلا" بعينيها الذَّهبيَّتين نحو العربة الواقفة أمام البوَّابة الحديديَّة للقصر....
...كانت تلك العربة البنفسجيَّة، الَّتي ترمز إلى عائلة "دْسِف"، قد وصلت ووقفت تنتظر....
...قالت كارلا:...
..."ستعودين مباشرةً بعد تقديم الإقرار الضريبيّ، أليس كذلك؟" ...
...أجابت "آني"، وهي تشعر بالتفاؤل، وتمطَّت لتُخفِّف من تعبها:...
..." يُفترَض ذلك." ...
...صعدت الاثنتان فوق أرضيَّة قصر الإمبراطوريَّة الرُّخامية اللامعة، من أجل تقديم الإقرار الضريبيّ الخاصّ بالعائلة، وذلك في موسم "رياح الورود"....
...كان هذا اليوم هو الموعد السنويّ لذلك. وعلى الرّغم من أنَّ الأمر مُتعبٌ بعض الشيء، إلَّا أنَّه لا يحدث سوى مرَّة واحدة في السَّنة، لذا كان من الضَّروريّ إنجازه في حينه....
...كارلا، هي الخادمة المُنظَّمة والدَّقيقة الَّتي تخدم أذكى أفراد عائلة "دْسِف"، وضعت استمارة الإقرار الضريبيّ، الَّتي كانت "آني" قد ملأتها مُسبقًا، في مُجلَّدٍ بُنِّيّ، وضمَّته إلى صدرها....
...وفي أثناء ذلك، كانت "آني" جالسةً داخل العربة، شاردةً في أفكارها، أثناء توجُّهِها إلى العاصمة....
...كان القصر الإمبراطوريّ الضَّخم، الَّذي يلوح من بعيد، يبدو مُهيبًا ومُخيفًا....
...ذلك هو مقرُّ إقامة الطاغية "إيجيد"....
..."الـطـاغـیـة..."...
...هل كان ذلك لأنَّ اسمه خرج من فمها صباح اليوم؟...
...فجأةً، خطرت في بالها قصَّة قديمة كانت قد نسيتها منذ زمنٍ بعيد....
..."ششش، لا تبكِ، أيُّها الطِّفل."...
..."إن لم تتوقَّف عن البكاء، فسيأتي الطاغية ويأخذك."...
...إنَّها الحكاية الَّتي كانت جدَّتها ترويها لها منذ أن كانت صغيرة، حتَّى أصبحت مُعتادةً على سماعها إلى درجة أنّها لم تَعُد تُؤثِّر فيها....
...لقد انتشرت أهوال الطاغية "إیجید جان بوركوس" في أرجاء الإمبراطوريَّة انتشار الطاعون، حتَّى صار مجرَّد ذِكر اسمه يُرعب الرِّجال والنِّساء....
...بل حتَّى قبل أن يُولد "إبجيد"، تلقّى رجلٌ يُدعى "روبيش أبجي"، والملقَّب بـ"الملك الأسد"، قد تلقَّى رسالةً غريبة....
..."الإمبراطور القادم سيكون طاغيةً كذلك، سيحكم الإمبراطوريَّة، ويُسفك من الدِّماء ما يكفي لكتابة صفحاتٍ حمراءَ في كتب التاريخ. كلُّ من يُعارضه، سيُقطَع إلى نصفين، ويُقدَّم طعامًا للغربان."...
...وقد صدَّق الجميع تلك النبوءة، إذ كان "الملك الأسد" مُساندًا للعائلة الإمبراطوريَّة لأكثر من جيلَين....
...وهكذا، راح الناس يتناقلون حكاياتٍ عن طاغيةٍ دمويٍّ لا يعرف الرّحمة، حتَّى قبل أن يولد "إيجيد"....
...وبعد مضيّ عشرين عامًا......
...في الوقت الحاضر، اختفت جميع الدُّول الَّتي تجرَّأت على إعلان الحرب، دون أن تترك أيَّ أثر، ولم يَعُد هناك من يجرؤ على الوقوف في وجه الطاغية....
...ولأكون دقيقة، فقد كان هناك رجلٌ واحدٌ فقط، لكنَّه منذ أيَّامٍ قليلة، لَحِقَ بغيره إلى عالم الأموات....
...فقد قُضِيَ على الجميع بسيف "إيجيد" القاسي....
...في طفولتها، كانت "آني" طفلةً كسائر الأطفال الصِّغار، كثيرة البكاء، وكانت تخاف من الطاغية الَّذي يصغرها سنًّا. وكانت عائلتها تستغلُّ هذا الخوف لتُرغمها على الطَّاعة....
...> "آني، إن لم تأكلي، فسيأخذكِ الطاغية لتُصبحي زوجته!" ...
...> "واااااه!"...
...'لقد كنتُ بريئةً حقًّا في ذلك الوقت...'...
...ضحكت "آني" ساخرةً من نفسها. كانت تخاف بشدَّة من أن تصبح "عروسًا للطاغية"، لذا كانت تُطيع أوامر عائلتها دون نقاش....
...لكن، لماذا كانت تخاف إلى ذلك الحدّ؟...
...ذلك الطاغية، الَّذي يصغرها سنًّا، من المُفترَض أن يكون أكثر طفوليَّةً منها، ومع ذلك كانت تتجمَّد خوفًا كلَّما ذُكر اسمه....
...لكن ذلك أصبح من الماضي....
...حتى لو زارت القصر الإمبراطوريّ الآن، فلا داعي للخوف من شخصٍ من المستحيل أن تلتقي به فـ"إيجد" نادرًا ما يظهر حتَّى داخل القصر....
...وخارج منصبه الرَّسميّ، لم يكن هناك من يعرف مكانه بدقَّة....
...فالبعض يقول إنَّه نزل إلى العالم السُّفليّ ليُقاتل الشياطين، أو أنّه دمَّر دولًا، أو قتل شخصًا ما... كانت كلُّها مجرَّد شائعات لا دليل عليها....
...وقد قيل إنَّ عدد من قُتِلوا بسيفه يفوق عدد سكّان العاصمة بأكملها....
...'في النِّهاية، لا علاقة لي بهذا الأمر.'...
...ومع مرور الوقت، زال خوف "آني"، لأنَّها، بوصفها مجرَّد نبيلة عاديَّة، لا يُمكن أن يكون لها أيُّ علاقة خاصَّة بالإمبراطور "إيجيد"....
...لكن... لم يكن بينهما انقطاعٌ تامّ....
...فقد سبق لهما أن التقيا في مناسبةٍ اجتماعيَّةٍ واحدة....
...'لقد مضت سبعُ أعوام على ذلك.'...
...كان ذلك منذ زمنٍ بعيد، والذِّكرى باهتة كأنَّها مغطَّاةٌ بالضَّباب، لكنَّها ما زالت تتذكَّر ذلك اليوم بشكلٍ غامض....
...حين رأت "آني" الإمبراطور "إيجيد" في ذلك اليوم، فتحت فمها وقالت على الفور:...
...[هل هذا شخصٌ حقيقيّ؟]...
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon