..."سيّدة دْسِف؟"...
...كان المتحدّث رئيس أركانٍ رفيع المستوى، يرتدي حزامًا طويلًا مُزيَّنًا بإطارٍ ذهبيّ....
...'هل ارتكبتُ خطأً ما؟'...
...تساءلت "آني" في نفسها، ثم أجابت بصوتٍ حذر:...
..."نعم، هذا صحيح."...
..."أحتاج منكِ أن تأتي معي."...
..."ماذا حدث؟"...
..."هذا..."...
...رغم أن الطّقس لم يكن حارًّا جدًّا، إلا أنّ العرق كان يتصبّب من جبين رئيس الأركان....
...ولسببٍ ما، لزم الصّمت وتجنّب الحديث....
...كانت "آني" أذكى من الشخص العادي، وقد لاحظت يأسه وتوتّره....
...والسبب الذي جعل "آني" قادرةً على إدارة أعمالها بنجاح، هو فهمها العميق للطّبيعة البشريّة....
...ولسببٍ ما، شعرت بأنّه لا ينبغي لها أن تدعه يذهب دون أن تعرف السّبب....
...أخذت "آني" ملفًا بُنيّ اللون من يد "كارلا" التي بدت قلقة....
..."كارلا، اذهبي إلى العربة أوّلًا."...
..."ماذا؟ ستذهبين بمفردك...؟"...
..."ما الذي يُقلقك؟ ماذا يمكن أن يحدث في هذه الإمبراطورية التي تُسمّى حصن السّور الحديدي؟"...
...كانت إمبراطورية "بوركوس" مشهورة بأعلى درجات الأمن، وخصوصًا في القصر الإمبراطوري، حيث يقف الفرسان النّخبة للحراسة....
...ولم يكن هناك خطر حقيقيّ، ما لم تكن تواجه طاغيةً شرّيرًا....
...ومع اقتناع "كارلا" بكلام سيّدتها، أومأت برأسها موافقةً....
...ثم ألقت "آني" نظرةً خاطفةً حولها، وتبعت الرّجل....
......وبعد حين......
...'ما الأمر؟ لماذا لا نتوقّف؟'...
...وبينما كان المرافق يسير في الممرّ دون توقّف، بدأت خيالات شرّيرة تدور في عقلها....
...فبقدر ما تعرف، لم يكن من المعتاد للنّبلاء أن يدخلوا إلى هذا العمق من القصر الإمبراطوري....
...'هل هناك خطأٌ ما في تقرير العام الماضي ربّما سيتم التحقيق بشكلٍ منفصل؟'...
...رغم أنّ الأفكار بدأت تتدافع في رأسها، إلّا أنّها حافظت على نُبلها، وسارت برشاقة فوق الأرضيّة الرّخاميّة....
...لم يكن هناك داعٍ للذّعر، فلم يحدث شيء بعد....
...وأخيرًا، وصلت إلى قاعة استقبالٍ ضخمة، لم ترَ مثلها من قبل....
...وعلى عكس قاعة الجمهور المعتادة، كان هذا المكان مليئًا بالدّروع الفضّيّة المعلّقة على الجدران، وزخارف لم ترها من قبل قط....
...رأت كتبًا وفخارًا أنيقًا، وقلادةً لامعةً مُعلّقة على تمثال نصفيّ لامرأة....
...كان المكان وكأنّه كنز لا يُفتح إلا للملوك، ولم يخطر في بالها أبدًا أنّها سترى شيئًا كهذا في حياتها....
...لقد كانت "قاعة الاستقبال الثمينة" التي يستخدمها الإمبراطور للقاء المبعوثين الأجانب....
...نعم... إنّه "مكان الإمبراطور" نفسه....
...'آه... أنا أفقد صوابي.'...
...حبست تنهيدةً في صدرها، ثم رفعت رأسها... فرأت ثلاثة رجالٍ وسيمين، لكلّ واحدٍ منهم سحرٌ مختلف....
...كان أحدهم، ذو شعرٍ داكن، متّكئًا على أريكةٍ حمراء وساقاه متقاطعتان، بينما كان الاثنان الآخران واقفين خلفه، كأنّهما يحرسانه كحُرّاس العرش....
...لكنّ أكثر من لفت انتباهها هو الرّجل ذو الشّعر الأسود، الجالس في المنتصف....
...كان رجلًا وسيمًا جدًّا، لا تبدو عليه الوسامة فقط من خلال ملابسه الزرقاء الداكنة، بل إنّ ملامحه نفسها كانت مثالية من رأسه حتى أخمص قدميه....
...الـطـاغـیـة....
...إنّه الطّاغية المجنون المزعوم....
...'إيجيد جين بوركوس...'...
...عندما نطقت بهذا الاسم الخطير، سرت في جسدها قشعريرة....
...فهو إمبراطور هذه البلاد، الطّاغية الذي يكفي ذكر اسمه ليرتجف له القارّة....
...'أوه... ماذا يحدث؟!'...
...تـیـك... تـیـك... تـیـك......
...كان صوت عقرب الثواني في السّاعة العملاقة المعلّقة على الحائط أشبه بصوت قنبلةٍ سحريّة موقوتة توشك على الانفجار....
...نظرت "آني" إلى الأمام، وهي تعضّ خدّها من الداخل....
...حتى لو دخلت عرين النّمر، يمكنها النجاة إذا كانت واعيةً كفايةً بالموقف....
...كان الإمبراطور، الذي رأته آخر مرّة منذ بضع سنوات، قد تحوّل من صبيّ إلى شاب....
...وتحت خصلات شعره الأسود الفاخر، كان هناك وجه الطّاغية، وجهٌ لا يتناسب إطلاقًا مع سُمعته المُخيفة....
...كان الجوّ غريبًا لدرجة أنّه كاد يُنسيها وضعها الحالي....
...وأكثر ما لفت انتباهها، كانت عيناه، اللّتان تلوّنَتا بلون الدّم، أجمل حتى من ألماسةٍ حمراء تزن 300 قيراط، عُثِر عليها في "بوركوس"، وتُعدّ كنزًا وطنيًّا....
...لم يكن في القاعة أيّ حركةٍ تُذكر، سوى سيفٍ أنيق مغروسٍ في الأرض....
...وبذراعين تتناسبان مع جسده الطويل المغطّى بالسّواد، جلس "إيجيد" على مسافةٍ قريبة منها، مسافةٍ تُمكّنه من لمسها إن مدّ يده....
...بدأ قلب "آني" ينبض بسرعة جنونيّة....
...'لا تخبرني أنّه يُفكّر في الوقت المناسب لسحب سيفه...؟'...
Comments