كان صوت محرك المركبة المصفحة هو النغمة الوحيدة التي كسرت الصمت المطبق على الطرقات الريفية المظلمة. إياد قاد لأكثر من اثنتي عشرة ساعة متواصلة، مدعوماً بجرعات مركزة من المنشطات التي خزنها في نظامه. لقد تجاوز فوضى المدينة ووصل إلى محيط وجهته الأولى: قبو بنك قديم مهجور في منطقة صناعية نائية، على بعد مئات الكيلومترات من المدينة الأم.
في اللحظة التي توقف فيها، شعر إياد بثقل التعب. طلب من النظام أولاً: "مسح محيطي شامل بالأشعة تحت الحمراء." أظهرت شاشة النظام أن المنطقة خالية تماماً من الزومبي أو أي ناجين. تأكد إياد من أنه لا يزال وحيداً.
بدأت عملية تفريغ الموارد الضخمة. استخدم إياد تقنية بسيطة: أخرج كميات كبيرة من مواد البناء سريعة التصلب وألواح الفولاذ من النظام، وضعها حول مدخل القبو. كان يعمل كآلة، يخرج الموارد ويثبتها في مكانها. ثم أخرج معدات توليد الطاقة الصامتة والمصادر الحرارية التي تعمل على وقود نادر كان قد أمّنه. خلال ساعات قليلة، تحول القبو المتهالك إلى حصن صغير ومكتفي ذاتياً بالطاقة والماء، معزول تماماً عن الخارج.
بمجرد الانتهاء من التحصينات الأساسية، دخل إياد إلى القبو. طلب من النظام أن يعرض "قائمة الجرد الرئيسية (المرحلة 1)". كانت القائمة مذهلة: آلاف اللترات من الماء والوقود، مئات الكيلوغرامات من الأغذية المعلبة والمجففة، ترسانة من الأسلحة والذخيرة، كميات طبية تكفي لمستشفى ميداني، ومكتبة رقمية ضخمة. شعر إياد للحظة بقوة مطلقة. لم يعد يخاف الموت جوعاً أو عطشاً أو بقلة الذخيرة.
في فترة راحة قصيرة، قام إياد بتشغيل جهاز التتبع الصغير الذي زرعه في معاطف لانا وفيصل. أظهرت الخريطة أن نقطتيهما لا تزالان داخل المدينة، لكنهما تتحركان الآن ببطء شديد، وغالباً سيراً على الأقدام، في المناطق الحضرية المكتظة. أدرك إياد أنهما لم ينجحا في الهروب بالمركبة، وأنهما يعانيان. لم يشعر بالندم، بل بنوع من الرضا البارد. لقد حصلا على المصير الذي اختاراه. قام إياد بإيقاف التتبع ليتفرغ لمهامه؛ لا يريد لهذه الأشباح أن تشتت تركيزه.
ركز إياد الآن على تفعيل خطة "النواة البشرية". كان يعلم أنه لا يستطيع النجاة وإعادة بناء العالم بمفرده. احتاج إلى متخصصين: مهندس، وطبيب، وشخص تكتيكي يمكنه الوثوق به. في حياته السابقة، كان قد التقى بـ سالم، مهندس ميكانيكي عبقري ظل محاصراً في مدينة مجاورة. إياد يعرف موقعه الدقيق الآن.
جهز إياد المركبة المصفحة لرحلة استكشاف جديدة. وقبل المغادرة، قام بتخزين كميات هائلة من الطعام والماء والأسلحة في غرفة آمنة داخل القبو، مع نظام قفل يعمل بالبصمة الحيوية ونظام تمويه معقد، لضمان أن النظام سيظل سراً حتى لو تم اختراق القبو. كان كل تصرف لإياد يتبع مبدأ: الثقة صفر، الاستعداد مئة في المئة.
توجه إياد نحو المدينة المجاورة. هذه المرة، لم يكن خائفاً من الزومبي، بل كان حذراً من الناجين البشريين. كان يعلم أن اليأس قد حول البشر إلى وحوش أكثر فتكاً من الموتى الأحياء.
عند وصوله إلى ضواحي المدينة، استخدم إياد الكاميرات الحرارية لتحديد موقع سالم. وجده محاصراً في ورشة ميكانيكا صغيرة، وقد استنفد موارده تقريباً، لكنه لا يزال صامداً ويقوم بإصلاح مركبة قديمة. توقف إياد بمركبته المصفحة أمام ورشة سالم.
خرج إياد، محملاً بكيس صغير يحتوي على أسلحة وإمدادات. طرق الباب المدرع للورشة. رد سالم بحذر: "من هناك؟ لا أملك شيئاً لأقدمه." رد إياد بهدوء: "أنا لست هنا لأخذ شيء. أنا هنا لأقدم لك عرضاً: النجاة والفرصة لإعادة بناء شيء ما."
لم يثق سالم بإياد في البداية، لكن رؤية المركبة المصفحة والأسلحة التي يحملها إياد بددت جزءاً من شكه. دخل إياد وقدم العرض: "أنا أملك الموارد والمعلومات. أنت تملك المهارة. سنعمل معاً. لكن هناك قاعدة واحدة: لا أسئلة عن مصدر الموارد." نظر سالم إلى إياد بعمق، ثم إلى الزومبي الذي بدأ يتجمع حول الورشة. "ما هو اسمك؟" سأل سالم. "إياد." أجاب البطل ببرود. "حسناً يا إياد. أنا معك. لن أسأل، طالما أن المؤن تستمر."
في تلك اللحظة، شعر إياد بنجاح جزئي. لقد أمن أول حجر زاوية في بنائه الجديد. لكنه يعلم أن الطريق طويل، وأن أصعب مهمة لم تأت بعد: الحفاظ على السر وتجنيد الأعضاء الآخرين.
10تم تحديث
Comments