الوعي الأخير

الوعي الأخير

الحلقة الأولى: اليقظة والوهم

​كانت رائحة البارود والصدأ هي الوداع الأخير. الرصاصة لم تكن من زومبي، بل كانت ساخنة وموجهة بدقة، قادمة من مسدس لانا. لم يكن الألم هو ما صدم إياد، بل النظرة الباردة في عيني زوجته، ونظرة الرضا المختبئة خلف دموع أخيه فيصل الواقف في الظل. سقط جسده المتعب في بركة من الطين والدم. كان آخر ما سمعه هو صوت فيصل يقول لـ لانا: "انتهى الأمر، المؤن لنا الآن." ثم ساد العدم، البارد، الثقيل، المطلق.

​اهتز إياد بعنف، ليفتح عينيه على سقف أبيض مضيء لم يره منذ سنوات. قفز من سريره، يتنفس بعمق وكأنه يخرج من غرق. الرائحة ليست رائحة الجثث والدم، بل رائحة قهوة الصباح والمنظفات. نبض قلبه كان أشبه بطبل حرب في صدره. ركض إلى النافذة؛ الشارع هادئ، الأطفال يلعبون، لا دماء، لا حواجز. انتزع هاتفه من على المنضدة. التاريخ: 24 فبراير، 2025. قبل ستة أشهر بالضبط من "يوم الصفر". لقد عاد.

​بينما كان يحدق بالهاتف في ذهول، شعر إياد بصداع حاد وكأن شيئاً ما ينبض خلف عينيه. ظهرت فجأة شاشة شبه شفافة وعائمة أمامه، مزينة باللون الأزرق النيون، وكتب في أعلاها: "نظام التخزين الفضائي (المستوى 1) – السعة: غير محدودة." حاول أن يلمسها، فمرت يده من خلالها. كانت متصلة به، جزءاً من وعيه. مد يده، أمسك بكوب القهوة الفارغ. ركز على الشاشة، فظهر خيار "إدخال العنصر؟" ضغط ذهنيًا على "نعم". اختفى الكوب من يده على الفور. أصابته صدمة أكبر من صدمة العودة بالزمن. حاول مرة أخرى، فظهر الكوب في يده مجدداً. القوة موجودة.

​انفتح باب الغرفة فجأة. كانت لانا تقف في المدخل، ترتدي رداء الصباح، وابتسامة دافئة على وجهها. "صباح الخير حبيبي. يبدو أنك نمت بعمق اليوم." نظر إياد إليها. كانت الابتسامة نفسها، والعيون نفسها التي رآها قبل أن تضغط على الزناد. تراجع إياد غريزيًا خطوة للوراء، متحاشيًا لمستها. "ما بك إياد؟ تبدو شاحباً، هل حلمت بكابوس؟" سألت لانا بنبرة القلق التي طالما خدعته. هز إياد رأسه، مجبراً نفسه على الابتسام. "مجرد حلم سيئ، حبيبتي. صداع فقط." كانت كل كلمة يخرجها كاذبة وثقيلة، بينما عقله يصرخ: هذه المرأة ستقتلك! دخل فيصل إلى الغرفة، مبتسماً وهو يفتح علبة عصير. "صباح الخير أيها النائم! هل ستأتي معي لمركز اللياقة اليوم؟" تلك الابتسامة البريئة كانت تخفي الرضا القاتل الذي تذكره إياد. أدرك إياد خطورة كشف أمره. إذا شكوا فيه، سيقتلونه الآن. قرر: عليه أن يمثل دور الزوج والأخ المحب، بينما يجهز سراً لنهايتهما.

​اختلى إياد بنفسه في الحمام. طلب من النظام أن يعرض قائمة الإمدادات التي خسرها أولاً في حياته السابقة. الأول كان المضادات الحيوية واسعة النطاق. خرج فوراً بحجة "موعد عمل مفاجئ" وبدأ بالتخطيط لأول عملية شراء كبرى. قام بزيارة عاجلة للبنك. سحب كل المدخرات النقدية، بحجة "صفقة عقارية سريعة". كانت رؤيته للأوراق النقدية تذكره كيف تحولت في المستقبل إلى مجرد ورق عديم القيمة. قام بتخزين الذهب والمبالغ النقدية الكبيرة في النظام.

​دخل إياد أكبر صيدلية. بدأ بشراء كميات كبيرة من الأدوية النادرة التي ستنقذ حياة الناس لاحقاً، لكنها الآن مكدسة على الرفوف. عند دفع الفاتورة، قام بإخراج الأدوية من الأكياس ووضعها ذهنيًا في نظام التخزين. البائع كان مشوشًا لثوانٍ: "أين البضاعة؟" أجابه إياد ببرود: "وضعتها في حقيبتي بالفعل، ألم تر؟" بينما كان يتفحص الأخبار على الإنترنت، ظهر تقرير عن "اضطرابات غير مبررة" في مستشفى عسكري بعيد. إياد يتذكر فوراً: هذه هي النقطة التي بدأ منها تسريب الفيروس في حياته الأولى. لم يتبق سوى أسابيع.

​عاد إياد للمنزل متأخراً. قام بإخراج بعض المؤن الرخيصة من النظام وتركها في المطبخ كدليل على أنه "يشتري الطعام". ثم ذهب ليلاً إلى حديقة المنزل الخلفية، وقام بتخزين مضخات المياه النظيفة وألواح الطاقة الشمسية تحت التراب (لتحميلها لاحقاً عبر النظام). استلقى إياد في السرير بجوار لانا. كانت تظن أنه نائم، بينما هو يحدق في السقف، يضع خطة الهروب ويراجع قائمة الأسلحة التي يجب شراؤها غداً. كانت لانا تتقلب بهدوء، لكن إياد كان يرى في ظلام الغرفة مشهد خيانتها يتكرر بلا توقف. الوعي الأخير قد عاد، والزمن بدأ ينفد.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon