لم يكن أمام إياد متسع من الوقت للراحة، فكل لحظة من هذا "الزمن الإضافي" كانت ثمينة كأشلاء روحه الممزقة. في الصباح الباكر، قبل أن تستيقظ لانا وفيصل، كان قد أعد قائمة مفصلة بما يجب تأمينه. رأس قائمته كان الذخيرة والأسلحة النفّاذة، ففي حياته الأولى، كانت قلة الذخيرة هي لعنتهم. تذكر موقع تاجر أسلحة غير شرعي كان قد تعامل معه في ظروف يائسة سابقة، لكنه هذه المرة سيزوره بثقة الرجل الذي يعرف ما يريد.
ارتدى إياد ملابسه وغادر المنزل بحجة "الاجتماعات الطارئة"، متجنباً نظرات لانا المتسائلة. كانت سيارته القديمة تبدو ضعيفة تحت وطأة خططه. وصل إلى المستودع المظلم. كان المكان يعج بالخردة لكنه يعرف ما يبحث عنه. التاجر، رجل ضخم يدعى "أبو سامي"، كان يجلس خلف مكتب مكدس. "أهلاً يا إياد، ما الذي يجعلك هنا في هذا الصباح الباكر؟" سأل أبو سامي بابتسامة صفراء. لم يتردد إياد. طلب مباشرة: "أريد ما لديكم من بنادق هجومية قوية، وكميات ذخيرة لم تر مثلها في حياتك. وسأدفع بالذهب." دهشة أبو سامي كانت واضحة. لم يكن يتوقع عرضاً بهذا الجنون. بينما كان أبو سامي يعدد أنواع الأسلحة، كان إياد يتخيلها وهي تختفي في نظامه، قطعة قطعة، لتستقر في مساحته اللانهائية. دفع الثمن بالذهب الذي كان قد خزنه من البنك، ولم يترك لأبو سامي سوى كومة من الصناديق الفارغة ليشك في أمره.
عاد إياد إلى المنزل بعد ظهر اليوم، وتصنع الإرهاق. كانت لانا تنتظره، وعلى وجهها علامات القلق. "أين كنت يا إياد؟ لم ترد على اتصالاتي. لقد كدت أقلق عليك." حاول إياد أن يكون طبيعياً، "مشاكل عمل، عزيزتي. صفقة كبيرة، لكنها تتطلب مني جهداً مضاعفاً." كانت عيناه تتجنبان نظرتها المباشرة. دخل فيصل، وعلى وجهه علامة شك واضحة. "صفقة كبيرة تحتاج منك الاختفاء طوال اليوم؟ وما قصة سحبك لكل هذه الأموال؟" سأل فيصل بلهجة ليست ودودة تماماً. شعر إياد بالخنجر يخترق روحه مجدداً. اللعبة بدأت.
في اليوم التالي، ركز إياد على تأمين المياه النظيفة والوقود. كان يعرف أن هذه الموارد ستصبح أثمن من الذهب قريباً. زار مصنعاً صغيراً للمياه المعبأة، واشترى كل ما لديهم بحجة "التصدير". تحت جنح الظلام، قام بتحميل الشاحنات بالمياه من المصنع مباشرة إلى نظامه. ثم توجه إلى محطة وقود مهجورة جزئياً في طرف المدينة، كان يعرف أنها ستحتوي على مخزون كبير من الوقود النقي. قضى ساعات يفرغ الخزانات الضخمة إلى نظزامه، مستخدماً مضخات قوية قام بتخزينها مسبقاً. كان يدرك أنه يخاطر باكتشاف أمره، لكن الحاجة كانت ملحة.
عقب هذه العمليات، بدأ إياد في ملاحظة أن لانا وفيصل أصبحا أكثر حذراً. كانت لانا تلمح بأسئلة حول "استثماراته المشبوهة"، بينما كان فيصل يراقبه من بعيد، عيناه تتبعان كل حركة. شعر إياد بالبرد يزحف في أوصاله. الخيانة ليست حدثاً يقع مرة واحدة، بل هي عملية تتطور. قرر أن يضع خطة تمويه: سيتظاهر بأنه يمر بأزمة نفسية بسبب ضغوط العمل. سيبرر غيابه وتصرفاته الغريبة بـ "الاكتئاب" و "الحاجة للوحدة".
لم تقتصر استعدادات إياد على الموارد المادية. لقد بدأ في بناء مكتبة رقمية ضخمة في نظامه: خرائط تفصيلية للمدن، كتب عن الزراعة المستدامة، دليل البقاء في البرية، وحتى الكتب الطبية المتقدمة. كان يدرك أن المعرفة هي القوة الأكبر في عالم سينهار فيه كل شيء. أمضى ساعات طويلة على الإنترنت، يقوم بتنزيل كل ما يمكن أن يكون مفيداً، ثم يخزنها في أقراص صلبة افتراضية داخل النظام.
في مساء أحد الأيام، خلال عشاء هادئ، حاولت لانا أن تعيد الحديث عن أموالهم. "إياد، لقد لاحظت أن الحسابات المصرفية تتقلص بسرعة. هل كل شيء على ما يرام؟" سألت بنبرة قلقة. نظر إليها إياد مباشرة، بعينين فارغتين. "كل شيء على ما يرام يا لانا. عليك أن تثقي بي. أنا فقط أجهز لمستقبلنا." كانت كلماته تحمل طبقة من التهديد الخفي. فيصل قاطعها: "لكن ماذا لو كانت هذه الصفقات مجرد مغامرة؟ نحن نرى أموالنا تختفي!" تنهد إياد بعمق. "أنت لا ترى شيئاً يا فيصل. أنت لا تملك أدنى فكرة عما هو قادم." كانت تلك الجملة الأخيرة شبه نبوءة، ولم يفهمها أخواها سوى أنها علامة على غضب إياد.
قضى إياد الليالي التالية في تحصين منزله سراً. لم تكن تحصينات تهدف لإنقاذهم، بل لإعاقة أي زومبي قد يتبعهم لاحقاً، ولتأمين هروبه هو نفسه. قام بتركيب أقفال معقدة، وتدعيم بعض الأبواب من الداخل بمواد قام بتخزينها في النظام ثم أخرجها ليلاً لتركيبها. كان يبني فخاً بطيئاً لعائلته. في إحدى الليالي، بينما كان يعمل على تدعيم نافذة، كاد أن يسقط قطعة معدنية ضخمة. قام بإدخالها إلى النظام في جزء من الثانية، لكن الصوت الخفيف لتصادمها كان قد أيقظ فيصل الذي خرج ليتفقد الأمر. "إياد، ما هذا الصوت؟" سأل فيصل بنبرة حادة. "لا شيء، مجرد بعض الرياح القوية." أجاب إياد ببرود، لكنه كان يعلم أن الشك يتأصل في روح أخيه.
بعد أيام قليلة، وبينما كان إياد يخطط لمسارات هروبه من المدينة، تذكر خطأً فادحاً ارتكبه في حياته الأولى. كان صديقه المقرب، "طارق"، قد قرر زيارة عائلته في مدينة أخرى، تلك المدينة التي تحولت إلى بؤرة للوباء في الأيام الأولى. يجب أن يمنع طارق من الذهاب. اتصل إياد بطارق، ونصح بضراوة بعدم السفر. "صدقني يا طارق، هناك شيء سيء قادم إلى تلك المدينة. لا تذهب." لم يأخذ طارق الأمر على محمل الجد، واعتبر إياد متوتراً. أدرك إياد أن تغيير الماضي أصعب مما تخيل.
ومع اقتراب "يوم الصفر"، بدأ إياد في الشعور بعبء "التمثيل" يتفاقم. كان عليه أن يبتسم لقتَلته، ويأكل معهم، ويتظاهر بأنه جزء من حياتهم العادية. لكن كل لمسة، كل كلمة، كانت تذكره بما فعلوه به. لقد بدأ جسده يرهق، وعقله ينحل تحت الضغط. كان يأخذ جرعات خفيفة من مهدئات الأعصاب التي خزنها في النظام لمساعدته على النوم، لكن الكوابيس كانت لا تزال تلاحقه: لانا تضغط الزناد، وفيصل يبتسم.
في آخر الأسبوع، وبينما الوباء يتسلل ببطء إلى الأخبار العالمية كـ "مرض غريب"، قام إياد بزرع أجهزة تتبع صغيرة جداً في جيوب معاطف لانا وفيصل، وفي إطارات سيارتهما. لم يكن يريد إنقاذهما، بل أراد معرفة مصيرهما. أراد أن يشاهد عواقب أفعالهما بعينيه، ليرى كيف ستواجهان العالم الذي خانا فيه. استلقى إياد في السرير بجوار لانا للمرة الأخيرة. كان هادئاً بشكل مرعب، لكن داخله كان يصرخ. لقد استعد لكل شيء. سباق الموارد والتمويه قد انتهى، وسباق النجاة الحقيقي على وشك أن يبدأ.
10تم تحديث
Comments