حروف بلا صوت

حروف بلا صوت

دعوة مفاجئة

كلّ ما علينا فعله هو أن نرسم لأنفسنا أهدافاً وأحلاماً.

لكن، ماذا عن زمن أراد أن يهدم كل شيء؟ أن يحوّلنا إلى هباء منثور...

وماذا عن لحظات تمنّينا فيها أن نكون سنداً والعون لأنفسنا، لكننا انحنينا في منتصف الطريق، دون أن نرى نور الأمل ولا بصيص الحياة؟

لا شيء كان صادقاً في حبّه، ولا أحد وفى بوعده، وتركنا على حافة الهاوية، متمسكين بغصن رقيق على انه حبل نجاة .

في ليلة حالكة السواد، تكاثفت الغيوم في السماء، ثم بدأت الرياح تُعينها على التخفف من ثقلها، مُسقطةً حبات المطر الغزير. بين الفينة والأخرى، كانت الدنيا تضج بالنور عندما تتصادم الغيوم بعنف، مُطلقةً ضوءًا خاطفًا وصوت رعد مرعب.

كانت لمار قد بدأت للتو في غفوتها عندما اهتز هاتفها المحمول، الذي اعتادت أن تضعه أسفل وسادتها. التقطت الجهاز وفتحت المكالمة دون أن تكلف نفسها عناء النظر إلى هوية المتصل؛ فالنعاس كان لا يزال يشدها بقوة. جاءها صوت امرأة في منتصف العمر، نبرتها مملوءة بالنضج والحسم.

"آه، إنها أمي." نهضت لمار، واستندت بظهرها إلى ظهر السرير، تفرك صدغيها برفق، في محاولة لتركيز انتباهها: "نعم أمي."

بصوت حاد وآمر، جاء الرد القاطع: "قبل مساء الغد ستكونين في المنزل."

رفعت لمار حاجبًا في دهشة، تساءلت بوجل: "ما الأمر يا أمي؟ هل كل شيء على ما يرام؟"

ظل صوت الأم يحمل ذات الحدة: "قبل حضوركِ إلى المنزل، اذهبي إلى مصففة الشعر. دعيها تضع لكِ بعض المساحيق التجميلية وتعدّل شعركِ بطريقة مرتبة وأنيقة. في الغد، هناك من سيحضر إلى المنزل، وعليكِ أن تكوني غاية في الأناقة." ثم أضافت، وكأنها تذكرت أمرًا جوهريًا: "ولا تنسي أن ترتدي شيئًا فاخرًا يناسب مظهركِ."

ارتبكت ملامح لمار بوضوح: "أمي، أخبريني ما الأمر؟ لم يمضِ زمن طويل على وجودي في المنزل. ولماذا كل هذا الغموض؟"

تحولت نبرة الأم إلى غضب صريح: "أنتِ افعلي ما أمرتكِ به، وتعالي في الوقت المحدد."

"ولكن أمي..." فجأة، قاطعها صوت رنين المكالمة المغلقة.

رفعت لمار الهاتف، تُطالعه باستفهام. بدت ملامحها ناعمة ورقيقة رغم الإضاءة الخافتة المنبعثة من الشاشة. ساورها الفضول العارم: ما هذا الاتصال المفاجئ في جوف الليل؟ ما سبب كل هذا السرية؟ ما الذي تريده أمها حقًا؟ قطع حبل أفكارها صوتٌ بنبرة جادة: "كم مرة أخبرتكِ أن يكون الهاتف في الوضع الصامت ليلًا؟ لقد تسببتِ في استيقاظي. هل أنتِ سعيدة الآن؟"

إنها لمى، رفيقة الغرفة. دائمًا ما تتسم بالجدية المفرطة. تمتلك ساقين طويلتين وملامح وجه حادة، وتضع نظارة طبية بسبب قصر النظر.

حاولت لمار تدارك الموقف بسرعة: "أنا آسفة. إنها أمي."

لا تزال لمى تبدو غاضبة: "وما شأني أنا؟ عليكِ فقط أن تحلي مشكلة إزعاجكِ لنا في منتصف الليل. لا أحد فارغ لكِ."

"أنا آسفة... أنا آسفة. لن أدع الأمر يتكرر ثانيةً."

"آمل أن تفعلي."

تنفسّت لمار بعمق، وكأن حملًا ثقيلًا أُزيح عن كتفيها. دائمًا ما تضع هاتفها على الوضع الصامت، ولكن في هذا اليوم، انشغلت قليلًا مما أدى إلى هذا الموقف المحرج. آه، وكأن السماء تعاقبها! ولكن حقًا، ما السبب وراء اتصال أمها المفاجئ هذا؟ وما دافع طلبها العاجل للعودة إلى المنزل؟ بدأت تحك شعرها بقوة، محدثة ضجيجًا خفيفًا في الغرفة. تنهدت لمى بغضب مسموع، مما دفع لمار إلى الانسحاب بهدوء والخروج إلى النوم.

لمار: نبذة عن ذاتها

آه، لقد غفل الكاتب عن تعريفكم بها. اسمها لمار. تبلغ من العمر عشرين عامًا، وتدرس في كلية المحاماة. كانت عائلتها من نخبة المجتمع. ولكن كما تُردد الحكمة، لا يمكن التنبؤ بمسارات القدر، ولا شيء يدوم على حاله، وعجلة الحياة ستدور حتمًا يومًا ما. بالنسبة لعائلتها، دارت تلك العجلة بسرعة فائقة، مُلقيةً عليهم درسًا قاسيًا جاء متزامنًا مع المصيبة التي حلت بهم. لا تعرف لمار تفاصيلها الكاملة، لكنها تدرك جيدًا أن الأمر يخصها بشكل مباشر. لطالما كانت نظراتهم ونجواهم تلمح لها الأمر، لكنها كفت عن التخمين منذ زمن. علمتها الحياة أن رغبتها في معرفة شيء لم يُخبره به أحد، غالبًا ما يكون ذلك الشيء متعلقًا بها، ولن يُسِرّها معرفته البتة.

طرقت بكفها على جبينها، وكأنها تُنبه نفسها: "ليس مهمًا، ستعرف في الغد ما الذي يُحاك لها." ثم عدلت وسادتها لتكمل نومها المتقطع.

لقاء غير متوقع

في صباح اليوم التالي، استيقظت لمار على صوت المنبه الذي يصدح من هاتفها. نعم، اليوم عطلة. فتحت عينيها، لتُفاجأ بوسادة تطير في اتجاهها وتضرب وجهها مباشرة.

بصوت مملوء بالغضب، قالت لمى: "لمار، كم مرة أخبرتكِ بعدم إزعاج نومنا في يوم العطلة!"

حاولت لمار الاعتذار لها، فضمت يديها ببعضهما وانحنت برأسها إلى الأسفل بتذلل: "أنا آسفة."

تدخلت جنان، صديقتهما الثانية في الغرفة، وهي تقلد لمار في حركاتها باستهزاء واضح: "في كل مرة تقولين نفس الكلام، وفي كل مرة يكون كلامكِ فارغًا."

بنبرة لطيفة تحمل بعض الدعابة، تدخلت سارة: "ألم تعتادوا على الأمر بعد؟ لقد مضى عامان ونحن نسكن سويًا. ألم تعرفوا أنها لمار، خُلقت لكي تعتذر؟"

"أنا آسفة، أنا آسفة." ردت لمار بأسف متكرر.

رمقت الصديقات الثلاث لمار بنظراتهن، ثم نظرن إلى بعضهن البعض، فامتلأت الغرفة بضحكهن الصوأب.

بعدها بوقت قصير، ارتدت لمار بنطالها الجينز الواسع مع قميص أبيض ناعم الملمس على البشرة. كثيرًا ما كانت ترتديه لأنه يمنحها راحة فائقة، علاوة على كونه عزيزًا على قلبها.

بعد ليلة ممطرة طويلة، أشرقت الشمس بوهجها. كانت رائحة المطر لا تزال عالقة في الأرض، كأنها عبير يُداعب الأنوف. كانت قطرات المطر تتساقط من أوراق الشجر، التي تداعبها الرياح المنعشة المليئة بالأوكسجين النقي.

وضعت لمار شعرها الطويل المضفر على جانب كتفها. حقيبتها السوداء كانت تتمايل بخفة فوق خصرها. بضع خصلات من شعرها كانت تتطاير على وجهها، مما تسبب في حكة خفيفة لأنفها.

كانت تحك أنفها عندما مر شاب من جانبها. شعرت بوجوده مألوفًا بشكل غريب. تلك العينان الخضراوتان... عرفتهما على الفور. بدهشة وصدمة، هتفت في داخلها: "إنه شمس!" الذي كان ينظر إليها وابتسامة عريضة تملأ وجهه.

تقدمت نحوه بحماس جارف، كانت ابتسامتها كبيرة لدرجة أنها بدت مسموعة عندما أخذت نفسًا عميقًا مصحوبًا بصدمة اللقاء. وقفت أمامه دون النطق بأي كلمة، كانت فقط تبادله النظرات الصامتة. وهو أيضًا كان ينظر إليها فقط، في لحظة بدا وكأنهما قد سافرا سويًا إلى ذكرياتهما المنسية. لطالما كان شمس الأقرب لها بعد أختها ليلى.

بادر هو بالحديث أولًا: "كيف حالكِ لمار؟ لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة التقينا فيها."

من شدة حماسها، نطقت بكلمة واحدة: "اشتقت لك." ثم ضمته إلى أحضانها.

بدا مسرورًا جدًا. بدا حضنه لها دافئًا ومريحًا. لطالما اشتاقت لأن يلتقيا، فقد مضى حقًا وقت طويل من دون رؤية بعضهما. بعدها بوقت قصير، ابتعدا عن بعضهما. كان متحمسًا مثلها: "لا تزالين كما كنتِ في الماضي، لم تتغيري."

بادلته ذات الحماس: "وأنت أيضًا، لا تزال كعادتك وسيمًا."

بقلم ( أليف ) المعروفة بـ ألو

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon