في أحد أحياء المدينة الراقية، كان شاب يقود سيارته السوداء الفارهة من طراز "بنتلي". بدا وكأنه يبحث عن شيء مفقود، أو ربما يحاول الفرار من قدر محتوم. فجأة، لمح في مرآته الخلفية سيارة حمراء تلتهم الطريق نحوه بسرعة جنونية. زفر بضيق، وتمتم بخيبة أمل لاذعة: "آه... إنها تالا."
ضغط على دواسة الوقود بقوة، محاولًا التملص من قبضة المطاردة، لكن السيارة الحمراء كانت تلاحقه بإصرار لا يلين. وكأنها ظلٌّ لا ينفك يتبعه، يلتصق بمساره. ومع مرور الوقت، فقد الشاب حماسه للمطاردة، مستسلمًا للأمر الواقع الذي فرضته تالا.
في المقابل، كانت تالا تجلس خلف مقود سيارتها، ابتسامة انتصار خفية ترتسم على شفتيها. بدا وكأنها تستمتع بهذه المطاردة الجامحة، كمن وجد فيها وسيلة لتبديد رتابة يومها. رفعت شعرها الأسود إلى الأعلى بعفوية، وارتدت نظارات شمسية خفيفة اللون، تكشف عن عينيها. كانت عيناها تشعان بوميض عناد لم يختفِ، وهي تصرّ على أسنانها قائلة بنبرة حادة: "وأخيرًا وجدتك... لا تفكر بالهرب مني مجددًا."
بعد بضع دقائق من هذه المطاردة الشرسة، خفف الشاب من سرعة سيارته وتوقف على جانب الطريق. إلا أن تالا لم ترغب في إنهاء اللعبة بهذه السهولة. أرادت أن تتجرع لذة الانتصار كاملة. فزادت سرعتها واصطدمت بسيارته من الخلف عمدًا، بضربة قوية مدبرة.
كانت الصدمة عنيفة هزّت كيان الشاب. ارتطم رأسه بالمقود بقوة، وشعر بثقل مباغت ودوار يلف رأسه. عندما رفع رأسه المثقل، كانت بقعة دم حمراء قانئة تنساب من حاجبه، تتخلل وجهه ببطء. لمس الجرح بأصابعه المرتعشة، وعندما رأى الدم، زمجر بغضب مكتوم: "اللعنة... هذه المجنونة تريد قتلي."
ترجلت تالا من سيارتها، وعلى وجهها ابتسامة انتصار صريح. تقدمت نحوه بخطوات واثقة، رأسها مرفوع كمن ربح معركة حاسمة. طرقت نافذة سيارته بلطف مصطنع، لكنه تجاهلها تمامًا، منشغلًا بآلام جروحه.
طرقت مرة ثانية، ثم ثالثة، فاشتعلت ملامحها غضبًا جامحًا وبدأت تطرق بقوة أكبر وهي تصرخ بصوت عالٍ: "تيم! افتح الباب! افتح حالًا!"
كانت كمن يفقد السيطرة على أعصابها، تطرق بقدمها على الباب بعصبية مفرطة: "اللعنة عليك!"
عادت إلى سيارتها، وفتحت الصندوق الخلفي لتُخرج منه مطرقة ثقيلة. وجهها بدا شاحبًا، لكن عينيها كانتا تتوهجان بالغضب المتقد. اقتربت من سيارته وكأنها إعصار جارف يريد التهام كل شيء في طريقه. حدّق بها تيم من المرآة الجانبية مذهولًا، وتمتم بذعر حقيقي: "اللعنة... ستقتلني! يجب أن أهرب فورًا!"
أدار المحرك بسرعة جنونية، وانطلق مبتعدًا كالسهم. توقفت تالا مكانها، ذراعاها مشبوكتان على صدرها، وعيناها تراقبان سيارته التي تبتعد، ثم ابتسمت بمكر بارد. مالت برأسها إلى كتفها وهمست لنفسها بصوت خافت: "ليس هناك متعة في اصطياد فريسة مستسلمة... ألم تفهم بعد؟"
ركبت سيارتها وأشعلت المحرك. نظرت إلى شاشة الملاحة، التي أظهرت نقطة حمراء صغيرة تتابع سيارة تيم. تذكّرت اللحظة التي انحنت فيها على العجلة، حين لم يكن ينظر، لتضع جهاز تعقب صغيرًا لا يكاد يُرى. ضحكت بسخرية مريرة: "تظن أنك ستفلت مني؟ مستحيل."
لمار وشمس: بحث عن الفستان ودعوة عاجلة
في مكان آخر، كان شمس ولمار قد ترجلا عن الدراجة النارية وربطاها بقفل أمان أمام مركز تسوق ضخم.
قال شمس بإعجاب واضح: "فكرة جريئة امتلاككِ دراجة نارية كهذه."
احمر وجه لمار وقالت بخجل وهي تنظر إلى الأرض: "أعتقد هذا أيضًا."
رنّ هاتف شمس، فأخرجه من جيب سترته الشتوية السميكة. ابتسمت عيناه واتسعت لرؤية اسم المتصل. التفت إلى لمار قائلاً: "إنها ليلى."
أشارت له بيدها بلا اهتمام يُذكر: "اذهب، تحدث معها. سأبحث عن فستان يناسبني."
أومأ شمس برأسه وابتعد بضع خطوات، فاتحًا المكالمة بصوت منخفض لا يكاد يُسمع. دخلت لمار بين رفوف الألبسة المتراصة، تبحث بعينيها عن شيء يناسب المناسبة الغامضة التي دعتها أمها لحضورها. وبينما كانت تقلب بين الفساتين المعلقة، وقعت عيناها على فستان أبيض مزين بأزهار حمراء متناثرة بعشوائية فنية. كان ناعم الملمس، مكشوف الأكتاف، ويصل طوله حتى الركبة.
طلبت من العاملة تجربة الفستان، واتجهت إلى غرفة القياس. عندما ارتدته ونظرت لنفسها في المرآة الكبيرة التي تعكس صورتها كاملة، شعرت كأن الفستان صُنع لها خصيصًا. ابتسمت برضا وهمست لنفسها: "أعتقد أنه سيكون مناسبًا، وأمي ستفرح برؤيتي به."
بعد أن اختارت حذاءً أبيض بكعب متوسط يكمل أناقة الفستان، دفعت ثمن المشتريات وخرجت من المتجر. وبينما كانت تتوجه نحو الدراجة، سمعت صوت شمس يناديها بلهفة. التفتت إليه، وقد ارتسم الحزن الخفيف على وجهها:
"انتهيتِ؟"
اقترب شمس مبتسمًا وهو يضع هاتفه في جيبه: "لماذا تبدين حزينة؟"
ضرب جبينها بخفة، فضحكت لمار وهي تبعد يده بخفة: "قلت لك لا تفعلها مجددًا."
نظر لها شمس بحرج وقال: "لا أستطيع تناول الغداء معك... عليّ الذهاب فورًا."
اتسعت عيناها بدهشة: "لكن وعدتني أننا سنتناول الغداء معًا!"
ابتسم باعتذار، محاولاً إخفاء توتره الواضح: "في وقت لاحق، أعدك. لقد اتصلوا بي، هناك أمر عاجل."
تنهدت لمار ببطء، ثم ابتسمت له بخفة: "أعرف أنك لا تحب إخلاف الوعد. فقط... لا تنسَ أنني بانتظارك."
ربت شمس على رأسها برفق، فضحكت لمار مجددًا: "أفسدت تسريحة شعري!"
لوّح لها بيده مودعًا، قائلاً: "هيا، اذهبي ونفّذي أوامر الملكة."
"تيم" وفخ "تالا"
في هذه الأثناء، كان تيم قد وصل إلى مركز التسوق بعدما ساوره الشك بأن تالا قد وضعت له جهاز تعقب في سيارته، خاصة بعدما لاحظ أنها تستطيع إيجاده بغض النظر عن المسافة التي قطعها والتقاطعات التي دخلها محاولًا التخفي بين الزحام. تخلى عن سيارته كي لا تكتشفه تالا عبر جهاز التعقب. وبينما كان يسير متألمًا، واضعًا يده على خاصرته المصابة، لمح دراجة نارية مركونة بجوار فتاة تستعد للركوب.
لمع في ذهنه خاطر سريع، وبدأ يسرع بخطواته رغم الألم الذي كان يعتصر جسده. اقترب منها فجأة، وصعد خلفها بسرعة قبل أن تلاحظ وجوده، ضاغطًا شيئًا ساخنًا على خاصرتها وقال بنبرة حادة وتهديدية:
"قودي بسرعة... أو أؤذيكِ."
بقلم ( أليف ) المعروفة بـ ألو
26تم تحديث
Comments