بابتسامته اللطيفة، سألها: "هل تناولتِ الإفطار؟"
أومأت لمار برأسها نافية: "لا... لقد نسيت. البارحة استدعتني أمي للمنزل، أرادتني في المساء، ولم تستطع رفض طلبها."
طرق شمس بإصبعه على جبينها بلطف وقال بابتسامة: "لا تزال فتاتنا ساذجة! وما علاقة ذلك بتناول الإفطار؟ أخبرتك أن تذهبي إلى المنزل، لا أن تذهبي جائعة!"
فركت لمار جبينها بتذمر ساخر: "لقد كان هذا مؤلمًا."
ضحك شمس بهدوء، ثم ضم كتفها بذراعه قائلاً: "دعينا نتناول الإفطار أولاً، ثم نُنفّذ أوامر الملكة!"
توقف شمس فجأة عندما لمعت فكرة في رأسها، وسألت بابتسامة مشرقة: "هل لديك وسيلة نقل؟ أم علينا استخدام دراجتي النارية؟"
رفع حاجبه بدهشة، وسألها: "ومنذ متى أصبحتِ مهووسة بالدراجات؟"
أخرجت لمار مفاتيحها من حقيبتها ولوّحت بها في الهواء بحماس، قائلة: "هيا، دعني أوصلك!"
صعدت لمار على دراجتها النارية، وارتدت الخوذة الخاصة بها ثم أعطته الأخرى. كانت دراجتها سوداء اللون من نوع Yamaha MT، وتُعدّ من أحدث الإصدارات.
اتسعت عينا شمس بدهشة وهو يدور حول الدراجة، يتفحصها بتمعّن: "يا فتاة، من أين لكِ كل هذا؟ بالتأكيد سرقتِ ثمنها... إنها باهظة جدًا!"
ضمت لمار شفتيها، وقالت بصوت حزين: "دعنا نذهب الآن، الملكة لا تزال تنتظرني."
ركب شمس الدراجة خلفها وارتدى خوذته البيضاء، ثم انطلقا في طريقهما.
في إحدى العيادات الطبية الخاصة، جلست امرأة شابة في ركن الانتظار. لم تكن ذات جمال لافت للنظر، لكنها لم تكن قبيحة أيضًا. كانت ترتدي ملابس سوداء أنيقة، وتضع قبعة خفيفة تخفي نصف وجهها، تضفي عليها هالة من الغموض.
في يدها كانت تحمل بعض الأوراق، ربما تنتظر دورها لمقابلة الطبيب. لم تتحدث كثيرًا، لكنها كثيرًا ما كانت ترمق موظفة الاستقبال بنظرات خفية، يملؤها الحسد والغيرة.
وما إن سمعت الممرضة تتحدث في الهاتف، حتى تبدّلت ملامحها اللطيفة فجأة إلى تعابير غضب صريح.
توجهت إلى الموظفة بصوت حاد، يخترق هدوء المكان: "ألم تقولي إن الطبيب تيم سيكون هنا؟ لقد انتظرتُ أكثر من ساعة، ولا يزال غائبًا!"
شحب وجه الموظفة من الخوف، وقالت بارتباك: "أنا آسفة، سأتواصل معه لأعرف موعد قدومه."
لكن المرأة قاطعتها بغضب، وانتزعت أوراقها من فوق الطاولة بقوة: "اشكري السماء أنكِ لا تعملين لدي... وإلا لما رحمتكِ!"
استدارت وغادرت مسرعة، وتمتمت بصوت خافت يكاد يُسمع: "حفنة من الجهلة!"
راقبتها الموظفة وهي تمشي حتى اختفى ظلها تمامًا، ثم تنهدت بارتياح واضح، وهمست لنفسها: "أوووف... أخيرًا ذهبت! كادت تُخرج قلبي من مكانه!"
عند خروجها من مبنى العيادة المكون من طابقين، أخرجت هاتفها من حقيبتها، وتحدثت بنبرة حادة وقاطعة: "هل لا يزال أمام أعينكم؟"
جاءها صوت رجولي خشن عبر الهاتف: "لا تقلقي، سيدة تالا. لا تزال تحركاته تحت مراقبتنا المشددة."
ابتسمت تالا بثقة ورضا، ابتسامة غامضة بدت مرعبة أكثر مما هي مطمئنة: "أحسنتم. لا تدعوه يغيب عن ناظريكم. أرسلوا لي موقعه فورًا، سألحق به على الفور."
أغلقت الخط، وعلى شفتيها ارتسمت تلك الابتسامة الغامضة التي كانت تخبئ خلفها الكثير من الددوايا.
دفء منزل "هِيَة" ومفاجأة الضيوف
في قرية صغيرة هادئة قرب المدينة، كان هناك منزل متواضع على سفح جبل، تحيط به أشجار كثيفة تغطي المكان. رغم بساطته، كان موقعه يخطف الأنظار بفضل الإطلالة الطبيعية الساحرة التي يوفرها. كانت العائلة التي تسكنه تملك مزرعة صغيرة لتربية الحيوانات والدواجن، مما يضفي عليه طابعًا ريفيًا أصيلًا.
دخلت فتاة مراهقة المنزل، ذات بشرة سمراء وقامة قصيرة. رغم صغر ملامحها التي جعلت الجميع يناديها "بالطفلة"، إلا أن لها جمالًا مميزًا يختلف عن أختها ذات البشرة الفاتحة اللافتة للنظر.
خلعت حذاءها ووضعته في الخزانة المخصصة قرب الباب، وهي تنادي بصوتٍ خفيف: "أمي، لقد عدت!" كان المنزل يفوح بروائح الأطباق الشهية التي تُعدّ في المطبخ، تملأ الأجواء بدفء عائلي.
كانت هِيَة في المطبخ منهمكة في إعداد الحلويات التي اشتهرت بها في المنطقة بأسرها. لم يكن ذلك مجرد شغف، بل مصدر دخل إضافي تعين به عائلتها على أعباء الحياة.
لكنها كانت تبدو متعبة ذلك اليوم، فهناك طلبات كثيرة تنتظرها، وضيوف مهمون سيحضرون مساءً.
جاء صوتها مرهقًا من المطبخ: "تعالي بسرعة، اخرجي صينية الحلويات من الفرن!"
ضربت الفتاة جبينها بخفة وقالت: "لقد نسيت!" ثم توجهت إلى الفرن وأخرجت الصينية بحذر، وسألت: "أين أضعها، أمي؟"
أشارت هِيَة بيدها نحو الطاولة التي كانت تعجّ بالأطباق والحلويات بأنواعها: "هناك... ثم انتظري حتى تبرد وغلّفيها جيدًا، فالزبون سيأتي لأخذها قريبًا."
دخلت ليلى المطبخ بثياب المدرسة، ثم اقتربت من والدتها التي كانت منشغلة بقلي السمك، وأسندت رأسها على كتفها قائلة بحنان: "لقد تعبتِ كثيرًا اليوم، ولا يزال هناك ضيوف سيحضرون... بالمناسبة، من هؤلاء الضيوف؟"
ابتسمت هِيَة والتفتت إليها: "لا داعي لكل هذا الفضول، لكن يمكنني أن أقول إنهم قد يكونون بوابة حظنا." ثم عادت لعملها، تاركة ليلى في حيرة.
شعرت ليلى بالقلق: "لمَ كل هذا الغموض؟ وما الذي يجعل أمي تتصرف بهذه الطريقة؟"
قاطعت هِيَة أفكارها قائلة: "لا تنسي أن تخبري لمار أن تعود إلى المنزل مبكرًا، لا نريد تأخيرها كعادتها."
تفاجأت ليلى: "ستأتي لمار أيضًا؟"
ردت الأم بحماس: "نعم، أخبرتها بالأمس. لكن لا بأس أن تذكّريها أنتِ أيضًا، حتى لا تتذرع بشيء."
لمعت فكرة في رأس ليلى، فابتسمت بسعادة غامرة: "هذا يعني أن لمار ستكون مع شمس!"
قالت ليلى بحماس بالغ: "سأخبرها حالًا!"
وخرجت من المطبخ متجهة إلى غرفتها، حيث تقيم لمار عندما تعود إلى المنزل
بقلم (أليف) المعروفة بـ ألو
26تم تحديث
Comments