NovelToon NovelToon

حروف بلا صوت

دعوة مفاجئة

كلّ ما علينا فعله هو أن نرسم لأنفسنا أهدافاً وأحلاماً.

لكن، ماذا عن زمن أراد أن يهدم كل شيء؟ أن يحوّلنا إلى هباء منثور...

وماذا عن لحظات تمنّينا فيها أن نكون سنداً والعون لأنفسنا، لكننا انحنينا في منتصف الطريق، دون أن نرى نور الأمل ولا بصيص الحياة؟

لا شيء كان صادقاً في حبّه، ولا أحد وفى بوعده، وتركنا على حافة الهاوية، متمسكين بغصن رقيق على انه حبل نجاة .

في ليلة حالكة السواد، تكاثفت الغيوم في السماء، ثم بدأت الرياح تُعينها على التخفف من ثقلها، مُسقطةً حبات المطر الغزير. بين الفينة والأخرى، كانت الدنيا تضج بالنور عندما تتصادم الغيوم بعنف، مُطلقةً ضوءًا خاطفًا وصوت رعد مرعب.

كانت لمار قد بدأت للتو في غفوتها عندما اهتز هاتفها المحمول، الذي اعتادت أن تضعه أسفل وسادتها. التقطت الجهاز وفتحت المكالمة دون أن تكلف نفسها عناء النظر إلى هوية المتصل؛ فالنعاس كان لا يزال يشدها بقوة. جاءها صوت امرأة في منتصف العمر، نبرتها مملوءة بالنضج والحسم.

"آه، إنها أمي." نهضت لمار، واستندت بظهرها إلى ظهر السرير، تفرك صدغيها برفق، في محاولة لتركيز انتباهها: "نعم أمي."

بصوت حاد وآمر، جاء الرد القاطع: "قبل مساء الغد ستكونين في المنزل."

رفعت لمار حاجبًا في دهشة، تساءلت بوجل: "ما الأمر يا أمي؟ هل كل شيء على ما يرام؟"

ظل صوت الأم يحمل ذات الحدة: "قبل حضوركِ إلى المنزل، اذهبي إلى مصففة الشعر. دعيها تضع لكِ بعض المساحيق التجميلية وتعدّل شعركِ بطريقة مرتبة وأنيقة. في الغد، هناك من سيحضر إلى المنزل، وعليكِ أن تكوني غاية في الأناقة." ثم أضافت، وكأنها تذكرت أمرًا جوهريًا: "ولا تنسي أن ترتدي شيئًا فاخرًا يناسب مظهركِ."

ارتبكت ملامح لمار بوضوح: "أمي، أخبريني ما الأمر؟ لم يمضِ زمن طويل على وجودي في المنزل. ولماذا كل هذا الغموض؟"

تحولت نبرة الأم إلى غضب صريح: "أنتِ افعلي ما أمرتكِ به، وتعالي في الوقت المحدد."

"ولكن أمي..." فجأة، قاطعها صوت رنين المكالمة المغلقة.

رفعت لمار الهاتف، تُطالعه باستفهام. بدت ملامحها ناعمة ورقيقة رغم الإضاءة الخافتة المنبعثة من الشاشة. ساورها الفضول العارم: ما هذا الاتصال المفاجئ في جوف الليل؟ ما سبب كل هذا السرية؟ ما الذي تريده أمها حقًا؟ قطع حبل أفكارها صوتٌ بنبرة جادة: "كم مرة أخبرتكِ أن يكون الهاتف في الوضع الصامت ليلًا؟ لقد تسببتِ في استيقاظي. هل أنتِ سعيدة الآن؟"

إنها لمى، رفيقة الغرفة. دائمًا ما تتسم بالجدية المفرطة. تمتلك ساقين طويلتين وملامح وجه حادة، وتضع نظارة طبية بسبب قصر النظر.

حاولت لمار تدارك الموقف بسرعة: "أنا آسفة. إنها أمي."

لا تزال لمى تبدو غاضبة: "وما شأني أنا؟ عليكِ فقط أن تحلي مشكلة إزعاجكِ لنا في منتصف الليل. لا أحد فارغ لكِ."

"أنا آسفة... أنا آسفة. لن أدع الأمر يتكرر ثانيةً."

"آمل أن تفعلي."

تنفسّت لمار بعمق، وكأن حملًا ثقيلًا أُزيح عن كتفيها. دائمًا ما تضع هاتفها على الوضع الصامت، ولكن في هذا اليوم، انشغلت قليلًا مما أدى إلى هذا الموقف المحرج. آه، وكأن السماء تعاقبها! ولكن حقًا، ما السبب وراء اتصال أمها المفاجئ هذا؟ وما دافع طلبها العاجل للعودة إلى المنزل؟ بدأت تحك شعرها بقوة، محدثة ضجيجًا خفيفًا في الغرفة. تنهدت لمى بغضب مسموع، مما دفع لمار إلى الانسحاب بهدوء والخروج إلى النوم.

لمار: نبذة عن ذاتها

آه، لقد غفل الكاتب عن تعريفكم بها. اسمها لمار. تبلغ من العمر عشرين عامًا، وتدرس في كلية المحاماة. كانت عائلتها من نخبة المجتمع. ولكن كما تُردد الحكمة، لا يمكن التنبؤ بمسارات القدر، ولا شيء يدوم على حاله، وعجلة الحياة ستدور حتمًا يومًا ما. بالنسبة لعائلتها، دارت تلك العجلة بسرعة فائقة، مُلقيةً عليهم درسًا قاسيًا جاء متزامنًا مع المصيبة التي حلت بهم. لا تعرف لمار تفاصيلها الكاملة، لكنها تدرك جيدًا أن الأمر يخصها بشكل مباشر. لطالما كانت نظراتهم ونجواهم تلمح لها الأمر، لكنها كفت عن التخمين منذ زمن. علمتها الحياة أن رغبتها في معرفة شيء لم يُخبره به أحد، غالبًا ما يكون ذلك الشيء متعلقًا بها، ولن يُسِرّها معرفته البتة.

طرقت بكفها على جبينها، وكأنها تُنبه نفسها: "ليس مهمًا، ستعرف في الغد ما الذي يُحاك لها." ثم عدلت وسادتها لتكمل نومها المتقطع.

لقاء غير متوقع

في صباح اليوم التالي، استيقظت لمار على صوت المنبه الذي يصدح من هاتفها. نعم، اليوم عطلة. فتحت عينيها، لتُفاجأ بوسادة تطير في اتجاهها وتضرب وجهها مباشرة.

بصوت مملوء بالغضب، قالت لمى: "لمار، كم مرة أخبرتكِ بعدم إزعاج نومنا في يوم العطلة!"

حاولت لمار الاعتذار لها، فضمت يديها ببعضهما وانحنت برأسها إلى الأسفل بتذلل: "أنا آسفة."

تدخلت جنان، صديقتهما الثانية في الغرفة، وهي تقلد لمار في حركاتها باستهزاء واضح: "في كل مرة تقولين نفس الكلام، وفي كل مرة يكون كلامكِ فارغًا."

بنبرة لطيفة تحمل بعض الدعابة، تدخلت سارة: "ألم تعتادوا على الأمر بعد؟ لقد مضى عامان ونحن نسكن سويًا. ألم تعرفوا أنها لمار، خُلقت لكي تعتذر؟"

"أنا آسفة، أنا آسفة." ردت لمار بأسف متكرر.

رمقت الصديقات الثلاث لمار بنظراتهن، ثم نظرن إلى بعضهن البعض، فامتلأت الغرفة بضحكهن الصوأب.

بعدها بوقت قصير، ارتدت لمار بنطالها الجينز الواسع مع قميص أبيض ناعم الملمس على البشرة. كثيرًا ما كانت ترتديه لأنه يمنحها راحة فائقة، علاوة على كونه عزيزًا على قلبها.

بعد ليلة ممطرة طويلة، أشرقت الشمس بوهجها. كانت رائحة المطر لا تزال عالقة في الأرض، كأنها عبير يُداعب الأنوف. كانت قطرات المطر تتساقط من أوراق الشجر، التي تداعبها الرياح المنعشة المليئة بالأوكسجين النقي.

وضعت لمار شعرها الطويل المضفر على جانب كتفها. حقيبتها السوداء كانت تتمايل بخفة فوق خصرها. بضع خصلات من شعرها كانت تتطاير على وجهها، مما تسبب في حكة خفيفة لأنفها.

كانت تحك أنفها عندما مر شاب من جانبها. شعرت بوجوده مألوفًا بشكل غريب. تلك العينان الخضراوتان... عرفتهما على الفور. بدهشة وصدمة، هتفت في داخلها: "إنه شمس!" الذي كان ينظر إليها وابتسامة عريضة تملأ وجهه.

تقدمت نحوه بحماس جارف، كانت ابتسامتها كبيرة لدرجة أنها بدت مسموعة عندما أخذت نفسًا عميقًا مصحوبًا بصدمة اللقاء. وقفت أمامه دون النطق بأي كلمة، كانت فقط تبادله النظرات الصامتة. وهو أيضًا كان ينظر إليها فقط، في لحظة بدا وكأنهما قد سافرا سويًا إلى ذكرياتهما المنسية. لطالما كان شمس الأقرب لها بعد أختها ليلى.

بادر هو بالحديث أولًا: "كيف حالكِ لمار؟ لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة التقينا فيها."

من شدة حماسها، نطقت بكلمة واحدة: "اشتقت لك." ثم ضمته إلى أحضانها.

بدا مسرورًا جدًا. بدا حضنه لها دافئًا ومريحًا. لطالما اشتاقت لأن يلتقيا، فقد مضى حقًا وقت طويل من دون رؤية بعضهما. بعدها بوقت قصير، ابتعدا عن بعضهما. كان متحمسًا مثلها: "لا تزالين كما كنتِ في الماضي، لم تتغيري."

بادلته ذات الحماس: "وأنت أيضًا، لا تزال كعادتك وسيمًا."

بقلم ( أليف ) المعروفة بـ ألو

هوس بالدراجات النارية

بابتسامته اللطيفة، سألها: "هل تناولتِ الإفطار؟"

أومأت لمار برأسها نافية: "لا... لقد نسيت. البارحة استدعتني أمي للمنزل، أرادتني في المساء، ولم تستطع رفض طلبها."

طرق شمس بإصبعه على جبينها بلطف وقال بابتسامة: "لا تزال فتاتنا ساذجة! وما علاقة ذلك بتناول الإفطار؟ أخبرتك أن تذهبي إلى المنزل، لا أن تذهبي جائعة!"

فركت لمار جبينها بتذمر ساخر: "لقد كان هذا مؤلمًا."

ضحك شمس بهدوء، ثم ضم كتفها بذراعه قائلاً: "دعينا نتناول الإفطار أولاً، ثم نُنفّذ أوامر الملكة!"

توقف شمس فجأة عندما لمعت فكرة في رأسها، وسألت بابتسامة مشرقة: "هل لديك وسيلة نقل؟ أم علينا استخدام دراجتي النارية؟"

رفع حاجبه بدهشة، وسألها: "ومنذ متى أصبحتِ مهووسة بالدراجات؟"

أخرجت لمار مفاتيحها من حقيبتها ولوّحت بها في الهواء بحماس، قائلة: "هيا، دعني أوصلك!"

صعدت لمار على دراجتها النارية، وارتدت الخوذة الخاصة بها ثم أعطته الأخرى. كانت دراجتها سوداء اللون من نوع Yamaha MT، وتُعدّ من أحدث الإصدارات.

اتسعت عينا شمس بدهشة وهو يدور حول الدراجة، يتفحصها بتمعّن: "يا فتاة، من أين لكِ كل هذا؟ بالتأكيد سرقتِ ثمنها... إنها باهظة جدًا!"

ضمت لمار شفتيها، وقالت بصوت حزين: "دعنا نذهب الآن، الملكة لا تزال تنتظرني."

ركب شمس الدراجة خلفها وارتدى خوذته البيضاء، ثم انطلقا في طريقهما.

في إحدى العيادات الطبية الخاصة، جلست امرأة شابة في ركن الانتظار. لم تكن ذات جمال لافت للنظر، لكنها لم تكن قبيحة أيضًا. كانت ترتدي ملابس سوداء أنيقة، وتضع قبعة خفيفة تخفي نصف وجهها، تضفي عليها هالة من الغموض.

في يدها كانت تحمل بعض الأوراق، ربما تنتظر دورها لمقابلة الطبيب. لم تتحدث كثيرًا، لكنها كثيرًا ما كانت ترمق موظفة الاستقبال بنظرات خفية، يملؤها الحسد والغيرة.

وما إن سمعت الممرضة تتحدث في الهاتف، حتى تبدّلت ملامحها اللطيفة فجأة إلى تعابير غضب صريح.

توجهت إلى الموظفة بصوت حاد، يخترق هدوء المكان: "ألم تقولي إن الطبيب تيم سيكون هنا؟ لقد انتظرتُ أكثر من ساعة، ولا يزال غائبًا!"

شحب وجه الموظفة من الخوف، وقالت بارتباك: "أنا آسفة، سأتواصل معه لأعرف موعد قدومه."

لكن المرأة قاطعتها بغضب، وانتزعت أوراقها من فوق الطاولة بقوة: "اشكري السماء أنكِ لا تعملين لدي... وإلا لما رحمتكِ!"

استدارت وغادرت مسرعة، وتمتمت بصوت خافت يكاد يُسمع: "حفنة من الجهلة!"

راقبتها الموظفة وهي تمشي حتى اختفى ظلها تمامًا، ثم تنهدت بارتياح واضح، وهمست لنفسها: "أوووف... أخيرًا ذهبت! كادت تُخرج قلبي من مكانه!"

عند خروجها من مبنى العيادة المكون من طابقين، أخرجت هاتفها من حقيبتها، وتحدثت بنبرة حادة وقاطعة: "هل لا يزال أمام أعينكم؟"

جاءها صوت رجولي خشن عبر الهاتف: "لا تقلقي، سيدة تالا. لا تزال تحركاته تحت مراقبتنا المشددة."

ابتسمت تالا بثقة ورضا، ابتسامة غامضة بدت مرعبة أكثر مما هي مطمئنة: "أحسنتم. لا تدعوه يغيب عن ناظريكم. أرسلوا لي موقعه فورًا، سألحق به على الفور."

أغلقت الخط، وعلى شفتيها ارتسمت تلك الابتسامة الغامضة التي كانت تخبئ خلفها الكثير من الددوايا.

دفء منزل "هِيَة" ومفاجأة الضيوف

في قرية صغيرة هادئة قرب المدينة، كان هناك منزل متواضع على سفح جبل، تحيط به أشجار كثيفة تغطي المكان. رغم بساطته، كان موقعه يخطف الأنظار بفضل الإطلالة الطبيعية الساحرة التي يوفرها. كانت العائلة التي تسكنه تملك مزرعة صغيرة لتربية الحيوانات والدواجن، مما يضفي عليه طابعًا ريفيًا أصيلًا.

دخلت فتاة مراهقة المنزل، ذات بشرة سمراء وقامة قصيرة. رغم صغر ملامحها التي جعلت الجميع يناديها "بالطفلة"، إلا أن لها جمالًا مميزًا يختلف عن أختها ذات البشرة الفاتحة اللافتة للنظر.

خلعت حذاءها ووضعته في الخزانة المخصصة قرب الباب، وهي تنادي بصوتٍ خفيف: "أمي، لقد عدت!" كان المنزل يفوح بروائح الأطباق الشهية التي تُعدّ في المطبخ، تملأ الأجواء بدفء عائلي.

كانت هِيَة في المطبخ منهمكة في إعداد الحلويات التي اشتهرت بها في المنطقة بأسرها. لم يكن ذلك مجرد شغف، بل مصدر دخل إضافي تعين به عائلتها على أعباء الحياة.

لكنها كانت تبدو متعبة ذلك اليوم، فهناك طلبات كثيرة تنتظرها، وضيوف مهمون سيحضرون مساءً.

جاء صوتها مرهقًا من المطبخ: "تعالي بسرعة، اخرجي صينية الحلويات من الفرن!"

ضربت الفتاة جبينها بخفة وقالت: "لقد نسيت!" ثم توجهت إلى الفرن وأخرجت الصينية بحذر، وسألت: "أين أضعها، أمي؟"

أشارت هِيَة بيدها نحو الطاولة التي كانت تعجّ بالأطباق والحلويات بأنواعها: "هناك... ثم انتظري حتى تبرد وغلّفيها جيدًا، فالزبون سيأتي لأخذها قريبًا."

دخلت ليلى المطبخ بثياب المدرسة، ثم اقتربت من والدتها التي كانت منشغلة بقلي السمك، وأسندت رأسها على كتفها قائلة بحنان: "لقد تعبتِ كثيرًا اليوم، ولا يزال هناك ضيوف سيحضرون... بالمناسبة، من هؤلاء الضيوف؟"

ابتسمت هِيَة والتفتت إليها: "لا داعي لكل هذا الفضول، لكن يمكنني أن أقول إنهم قد يكونون بوابة حظنا." ثم عادت لعملها، تاركة ليلى في حيرة.

شعرت ليلى بالقلق: "لمَ كل هذا الغموض؟ وما الذي يجعل أمي تتصرف بهذه الطريقة؟"

قاطعت هِيَة أفكارها قائلة: "لا تنسي أن تخبري لمار أن تعود إلى المنزل مبكرًا، لا نريد تأخيرها كعادتها."

تفاجأت ليلى: "ستأتي لمار أيضًا؟"

ردت الأم بحماس: "نعم، أخبرتها بالأمس. لكن لا بأس أن تذكّريها أنتِ أيضًا، حتى لا تتذرع بشيء."

لمعت فكرة في رأس ليلى، فابتسمت بسعادة غامرة: "هذا يعني أن لمار ستكون مع شمس!"

قالت ليلى بحماس بالغ: "سأخبرها حالًا!"

وخرجت من المطبخ متجهة إلى غرفتها، حيث تقيم لمار عندما تعود إلى المنزل

بقلم (أليف) المعروفة بـ ألو

فستان جديد

في أحد أحياء المدينة الراقية، كان شاب يقود سيارته السوداء الفارهة من طراز "بنتلي". بدا وكأنه يبحث عن شيء مفقود، أو ربما يحاول الفرار من قدر محتوم. فجأة، لمح في مرآته الخلفية سيارة حمراء تلتهم الطريق نحوه بسرعة جنونية. زفر بضيق، وتمتم بخيبة أمل لاذعة: "آه... إنها تالا."

ضغط على دواسة الوقود بقوة، محاولًا التملص من قبضة المطاردة، لكن السيارة الحمراء كانت تلاحقه بإصرار لا يلين. وكأنها ظلٌّ لا ينفك يتبعه، يلتصق بمساره. ومع مرور الوقت، فقد الشاب حماسه للمطاردة، مستسلمًا للأمر الواقع الذي فرضته تالا.

في المقابل، كانت تالا تجلس خلف مقود سيارتها، ابتسامة انتصار خفية ترتسم على شفتيها. بدا وكأنها تستمتع بهذه المطاردة الجامحة، كمن وجد فيها وسيلة لتبديد رتابة يومها. رفعت شعرها الأسود إلى الأعلى بعفوية، وارتدت نظارات شمسية خفيفة اللون، تكشف عن عينيها. كانت عيناها تشعان بوميض عناد لم يختفِ، وهي تصرّ على أسنانها قائلة بنبرة حادة: "وأخيرًا وجدتك... لا تفكر بالهرب مني مجددًا."

بعد بضع دقائق من هذه المطاردة الشرسة، خفف الشاب من سرعة سيارته وتوقف على جانب الطريق. إلا أن تالا لم ترغب في إنهاء اللعبة بهذه السهولة. أرادت أن تتجرع لذة الانتصار كاملة. فزادت سرعتها واصطدمت بسيارته من الخلف عمدًا، بضربة قوية مدبرة.

كانت الصدمة عنيفة هزّت كيان الشاب. ارتطم رأسه بالمقود بقوة، وشعر بثقل مباغت ودوار يلف رأسه. عندما رفع رأسه المثقل، كانت بقعة دم حمراء قانئة تنساب من حاجبه، تتخلل وجهه ببطء. لمس الجرح بأصابعه المرتعشة، وعندما رأى الدم، زمجر بغضب مكتوم: "اللعنة... هذه المجنونة تريد قتلي."

ترجلت تالا من سيارتها، وعلى وجهها ابتسامة انتصار صريح. تقدمت نحوه بخطوات واثقة، رأسها مرفوع كمن ربح معركة حاسمة. طرقت نافذة سيارته بلطف مصطنع، لكنه تجاهلها تمامًا، منشغلًا بآلام جروحه.

طرقت مرة ثانية، ثم ثالثة، فاشتعلت ملامحها غضبًا جامحًا وبدأت تطرق بقوة أكبر وهي تصرخ بصوت عالٍ: "تيم! افتح الباب! افتح حالًا!"

كانت كمن يفقد السيطرة على أعصابها، تطرق بقدمها على الباب بعصبية مفرطة: "اللعنة عليك!"

عادت إلى سيارتها، وفتحت الصندوق الخلفي لتُخرج منه مطرقة ثقيلة. وجهها بدا شاحبًا، لكن عينيها كانتا تتوهجان بالغضب المتقد. اقتربت من سيارته وكأنها إعصار جارف يريد التهام كل شيء في طريقه. حدّق بها تيم من المرآة الجانبية مذهولًا، وتمتم بذعر حقيقي: "اللعنة... ستقتلني! يجب أن أهرب فورًا!"

أدار المحرك بسرعة جنونية، وانطلق مبتعدًا كالسهم. توقفت تالا مكانها، ذراعاها مشبوكتان على صدرها، وعيناها تراقبان سيارته التي تبتعد، ثم ابتسمت بمكر بارد. مالت برأسها إلى كتفها وهمست لنفسها بصوت خافت: "ليس هناك متعة في اصطياد فريسة مستسلمة... ألم تفهم بعد؟"

ركبت سيارتها وأشعلت المحرك. نظرت إلى شاشة الملاحة، التي أظهرت نقطة حمراء صغيرة تتابع سيارة تيم. تذكّرت اللحظة التي انحنت فيها على العجلة، حين لم يكن ينظر، لتضع جهاز تعقب صغيرًا لا يكاد يُرى. ضحكت بسخرية مريرة: "تظن أنك ستفلت مني؟ مستحيل."

لمار وشمس: بحث عن الفستان ودعوة عاجلة

في مكان آخر، كان شمس ولمار قد ترجلا عن الدراجة النارية وربطاها بقفل أمان أمام مركز تسوق ضخم.

قال شمس بإعجاب واضح: "فكرة جريئة امتلاككِ دراجة نارية كهذه."

احمر وجه لمار وقالت بخجل وهي تنظر إلى الأرض: "أعتقد هذا أيضًا."

رنّ هاتف شمس، فأخرجه من جيب سترته الشتوية السميكة. ابتسمت عيناه واتسعت لرؤية اسم المتصل. التفت إلى لمار قائلاً: "إنها ليلى."

أشارت له بيدها بلا اهتمام يُذكر: "اذهب، تحدث معها. سأبحث عن فستان يناسبني."

أومأ شمس برأسه وابتعد بضع خطوات، فاتحًا المكالمة بصوت منخفض لا يكاد يُسمع. دخلت لمار بين رفوف الألبسة المتراصة، تبحث بعينيها عن شيء يناسب المناسبة الغامضة التي دعتها أمها لحضورها. وبينما كانت تقلب بين الفساتين المعلقة، وقعت عيناها على فستان أبيض مزين بأزهار حمراء متناثرة بعشوائية فنية. كان ناعم الملمس، مكشوف الأكتاف، ويصل طوله حتى الركبة.

طلبت من العاملة تجربة الفستان، واتجهت إلى غرفة القياس. عندما ارتدته ونظرت لنفسها في المرآة الكبيرة التي تعكس صورتها كاملة، شعرت كأن الفستان صُنع لها خصيصًا. ابتسمت برضا وهمست لنفسها: "أعتقد أنه سيكون مناسبًا، وأمي ستفرح برؤيتي به."

بعد أن اختارت حذاءً أبيض بكعب متوسط يكمل أناقة الفستان، دفعت ثمن المشتريات وخرجت من المتجر. وبينما كانت تتوجه نحو الدراجة، سمعت صوت شمس يناديها بلهفة. التفتت إليه، وقد ارتسم الحزن الخفيف على وجهها:

"انتهيتِ؟"

اقترب شمس مبتسمًا وهو يضع هاتفه في جيبه: "لماذا تبدين حزينة؟"

ضرب جبينها بخفة، فضحكت لمار وهي تبعد يده بخفة: "قلت لك لا تفعلها مجددًا."

نظر لها شمس بحرج وقال: "لا أستطيع تناول الغداء معك... عليّ الذهاب فورًا."

اتسعت عيناها بدهشة: "لكن وعدتني أننا سنتناول الغداء معًا!"

ابتسم باعتذار، محاولاً إخفاء توتره الواضح: "في وقت لاحق، أعدك. لقد اتصلوا بي، هناك أمر عاجل."

تنهدت لمار ببطء، ثم ابتسمت له بخفة: "أعرف أنك لا تحب إخلاف الوعد. فقط... لا تنسَ أنني بانتظارك."

ربت شمس على رأسها برفق، فضحكت لمار مجددًا: "أفسدت تسريحة شعري!"

لوّح لها بيده مودعًا، قائلاً: "هيا، اذهبي ونفّذي أوامر الملكة."

"تيم" وفخ "تالا"

في هذه الأثناء، كان تيم قد وصل إلى مركز التسوق بعدما ساوره الشك بأن تالا قد وضعت له جهاز تعقب في سيارته، خاصة بعدما لاحظ أنها تستطيع إيجاده بغض النظر عن المسافة التي قطعها والتقاطعات التي دخلها محاولًا التخفي بين الزحام. تخلى عن سيارته كي لا تكتشفه تالا عبر جهاز التعقب. وبينما كان يسير متألمًا، واضعًا يده على خاصرته المصابة، لمح دراجة نارية مركونة بجوار فتاة تستعد للركوب.

لمع في ذهنه خاطر سريع، وبدأ يسرع بخطواته رغم الألم الذي كان يعتصر جسده. اقترب منها فجأة، وصعد خلفها بسرعة قبل أن تلاحظ وجوده، ضاغطًا شيئًا ساخنًا على خاصرتها وقال بنبرة حادة وتهديدية:

"قودي بسرعة... أو أؤذيكِ."

بقلم ( أليف ) المعروفة بـ ألو

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon