دخيل على المقعد الخلفي

كانت لمار لا تزال تجلس على دراجتها عندما اقتحمها رجلٌ. لم يكن اقتحامًا بالمعنى الحرفي، ولكنه صعد على الدراجة دون إذن مسبق. لم تكن لمار تستوعب ما يحدث؛ كانت حركته سريعة للغاية، وكأنه مدرب على مثل هذه الخطوات. لم تستطع رؤية وجهه بوضوح لأنها لم تستطع الاستدارة بالقدر الكافي، لكنها لمحت ملامحه المغطاة بالدماء التي جفّ بعضها. كان ذلك دليلاً قاطعًا على أنه خاض شجارًا عنيفًا، أو ربما حربًا صغيرة، وهذا الشبه الأخير أقرب إلى الواقع.

شلت حركته السريعة تفكيرها للحظة، قبل أن تلاحظ وضعه لسلاح صغير على خاصرتها، أخفاه ببراعة بكفه الكبيرة. بنبرة حادة، أمرها بالانطلاق: "انطلقي الآن وإلا قتلتكِ."

شعرت لمار بهالته المرعبة التي غطت المكان. حركته وهو يثبت السلاح على خاصرتها ويحثها على السير أعادتها إلى الواقع المرعب الذي وجدت نفسها فيه فجأة، أو ربما أصبحت جزءًا منه بالفعل.

بعد أن أشعلت المحرك وبدأت في السير إلى الأمام، سألته عن الوجهة التي يريد الذهاب إليها، لكنه أجابها بصوته المخيف الذي جعلها ترتجف: "فقط سيري." لم تسأله مرة أخرى عن أي شيء؛ كانت فقط تسير.

وجهه المتجهم كان يراقب الطريق بحذر شديد، وكأنه يتأكد ألا يتعقبهما أحد. كان يقظًا بشكل لا يصدق، تشعر بمدى تركيزه رغم إصاباته التي لو أصابت شخصًا عاديًا، لربما لازم الفراش في المستشفى لأسبوع على أقل تقدير. لكن وعيه الثابت ومرونة حركته أثبتا أنه رجل غير عادي ويجب الحذر منه بشدة.

بعد أن انطلقا لبعض الوقت دون تحديد وجهة، خفف الرجل حذره منها تدريجيًا. بدأ في ارتداء الخوذة الخاصة بالراكب الخلفي للدراجة، وأمرها أن تنعطف إلى اليمين بعد المفرق التالي. بدأت لمار تشعر براحة غريبة تدريجيًا، دون أي سبب واضح. لم تعرف ما هو السبب، ولكن جسدها بالفعل بدأ في الاسترخاء. ليس بمعنى أن الخطر قد خفّ، ولكن ربما لأنها خرجت من الصدمة التي دخلت فيها في بادئ الأمر.

المكان الذي أخبرها أن تذهب إليه لم تكن قد زرته من قبل. يجب أن تُصدّق القول، لم تكن المدى الطويلة التي امتلكت فيها الدراجة. لا تزال جديدة في هذا المجال، وربما لهذا السبب لم تكن جاهزة لمثل هذه المخاطر.

لا تنكر أنها لا تزال خائفة من المجهول، ولكن لا يد حيلة لها. فأي حركة منها كانت كفيلة بأن تتسبب في موتها في أي لحظة. لهذا، اكتفت فقط بالطاعة دون السؤال عن أي شيء.

ربما كانت هذه أول مرة يواجه الرجل شخصًا مثلها. ربما حتى أنه بينه وبين نفسه كان يعتقد أنها ساذجة وضعيفة الشخصية. ولكن هذا لا يهم بقدر كونها واقفة على المحك، وبإشارة منه ربما ينتهي كل شيء. ربما لا يكون بهذا السوء الذي تتصوره، لكنها اعتادت أن تأخذ الاحتياطات بعين الاعتبار، فالسلامة أهم من بعض المعتقدات، والحياة ليست سوى فرصة، وعليهم استغلالها وإلا ضاعت. وإذا ضاعت، لا تضيع إلا على الشخص نفسه. بالنسبة للناس الذين سيصعب أمر فراقها عنهم، لن يكون الأمر إلا لبعض الوقت ليعودوا إلى حياتهم السابقة، وستكون محظوظة إن تذكروها بين الحين والآخر. لهذا، في أغلب الوقت، لم تكن تهمها آراء الناس من حولها.

قصرٌ خفيّ وواقعٌ مذهل

بعد قليل من الوقت من انعطافها إلى الوجهة التي أخبرها بها، أمرها الرجل بالوقوف أمام منزل متهالك. كانت لا تزال تشعر بالصدمة وهي تنظر إلى البيت الذي أمرها بالوقوف أمامه. كان البيت قديمًا جدًا، بالكاد يصلح مأوى للكلاب والقطط الضالة. كيف يمكن لشخص بمهاراته أن يعيش في مثل هذا المكان؟ لو أنها جاءت وحدها بعد قليل بعد أن يحل الليل لفرت هاربة، لأنه أقرب إلى منزل رعب لا تسكنه إلا الأشباح والجنون. وفجأة، طرأت في بالها فكرة، مما زاد من شحوب وجهها. كانت الفكرة تشعرها بالرعب أكثر من فكرة المكان المسكون: "أعتقد بأنه سيقتلها هنا، وإلا لما أحضرها إلى مثل هذا المكان المهجور. فهذا المكان هو الأنسب لقتل ودفن الضحية."

بعد أن ترجل، بدأ يتقدم نحو المنزل. وضع يده على قدمه التي كانت تعرج من الإصابة، وكأنه يمدها بالقوة. توقف والتفت نحوها عندما لاحظ شرودها وشحوب وجهها. اعتقد أنه خمن ما يدور في جوفها، فسألها عما إذا كانت ستبقى واقفة مكانها. لم تكن لهجته كسابق عهدها؛ لم يستخدم تلك النبرة السلطوية. ربما عرف أنها خائفة، أو ربما كانت هذه الطريقة الأنسب لجر الضحية على قدميها للدخول إلى المكان الذي ستراه آخر مرة في حياتها.

لم تنتظر لمار أكثر. وقفت مكانها لقليل من الوقت قبل أن تتخذ القرار بالتقدم. لن تنكر أنها في نفسها تمنت أن تموت في مكان أفضل، ولكن لا يمكن الهروب من القدر. لأنها كانت على يقين بأن الهروب من القدر هو الذهاب إلى القدر ذاته. ورغم ذلك، شعرت بالفضول عما كيف ستبدو أمها أو أي أحد آخر عندما سيعلمون خبر موتها. تساءلت هل سيحزنون أم سيقولون بأنها كانت كالهم وقد أزيح عنهم؟

وفي الوقت ذاته، فكرت بأن إصاباته كانت بليغة، ربما إذا قاومت، ستتمكن من الهروب. لا بأس بالحلم الجميل قبل النهاية.

شعرت فجأة بيد تمسك بمعصمها وتجرها معها للدخول، بعد أن مشيا لبعض الوقت في المنزل المتهالك الذي سقط بعض من سقفه، والبعض الآخر لا يزال متمسكًا بآخر قوته وفي أي لحظة ممكن أن يسقط. كانت الأتربة والغبار منتشرة في المكان. فكما قيل سابقًا، كان المنزل كما يقولون في آخر أيامه.

لم تلاحظ أين وضع يده وماذا استخدم، ولكنها وجدت أمامها فجأة بابًا ينفتح بداخل المنزل. "هل هذا سحرًا؟" سألت والفضول نال منها هذه المرة، لم تستطع أن تبقى صامتة.

ابتسم الرجل ابتسامة صفراء دون إجابة. ربما أعجبته ملامح الخوف والتساؤل التي تظهر على تعبيرات وجهها، فاختار أن يبقى غامضًا.

لم تعرف ما هو الوقت، لكنها لاحظت أن الشمس أوشكت على الغروب. ربما ستحين لحظة موتها في أي لحظة. أو ربما لديه طقوسه الخاصة يمارسها على ضحيته قبل أن ينال منها.

لكن الصدمة كانت تزداد كلما تقدما أكثر داخل الباب المجهول الذي لم تعرف مصدره. كلما تقدما أكثر كلما ازداد رقي المكان ليتحول إلى قصر فاخر.

فصارت تسأل نفسها: شخص مثله وبهذا العمر الصغير، ما العمل الذي يمارسه ليمتلك مثل هذا المكان؟ ولماذا اختاره في هذه البقعة بالذات؟ كانت الكثير من الأسئلة تدور في رأسها، لم تتمكن من فهم أي شيء. ربما لا تزال عالقة في نقطة البداية من الأساس.

لم يتكلم معها، بل اكتفى بالجلوس على إحدى الأرائك الفخمة الناصعة البياض، والتي كانت عكس المكان الذي دخلا منه. وكأنها كانت في الجحيم ودخلت الجنة.

في نفسها، كلما حاولت أن تمنع نفسها من الأسئلة، كلما شدها الفضول إلى الغوص في التفكير أكثر. فالسؤال الذي يواجهها الآن هو أين تم بناء مثل هذا القصر الكبير الذي لا يظهر عند النظر إليه من الخارج؟

أخرج الشاب علبة الإسعافات الأولية من أحد الأدراج في الطاولة البيضاء التي اتخذت الشكل الدائري. وبدأ في انتزاع قميصه الملطخ بالدم أمامها. أدارت لمار عينيها إلى الناحية الأخرى وهي تصرخ عليه: "ماذا تظن أنك فاعل أيها المعتوه؟ لما تخلع ثيابك؟"

هز رأسه غير مكترث لما تقول، وسألها بسخرية: "وهل تتوقعين مني أن أضع الدواء من فوق الثياب مثلاً؟"

أجابته بتعثر، كان الارتباك ظاهرًا في صوتها: "نعم.... أقصد بأنه عليك إخباري أولاً ثم تفعل ما تشاء."

أجاب بثقة ممزوجة بالسخرية بعد أن خلع قميصه وبدأ في تطبيق الدواء: "وهل المطلوب مني أن أستأذن من دخيل في منزلي؟"

أجابت بتهجم: "أنا لست بدخيلة! أنت من أحضرتني إلى هنا." وشددت على كلمة: "وبالتهديد أيضًا."

أجابها بهدوء: "ومن سيصدق بأنني أحضرتكِ إلى هنا رغمًا عنكِ؟ ولا، وبالتهديد أيضًا؟ ألم تلاحظي الوقت الذي حضرتِ فيه؟ حتى السارق أو المجرم لا يرتكب جريمته في وضح النهار لأن نسبة انكشافه ستكون كبيرة، فما بالك بالخاطف الذي ينتقي فرائسه؟" ضحك باستهزاء: "ولكن إن صادفتِ شيئًا كهذا في المرة المقبلة، أنا متأكد بأنكِ ستكونين لقمة سهلة له."

عبست لمار بغضب: "ولماذا تتكلم بهذه الطريقة؟"

أجاب بهدوء: "أنتِ لا تدركين حجم الخطر الذي وضعتِ نفسكِ به اليوم... لا، والأجمل من ذلك لم تُظهري أي محاولة للدفاع أو الهروب، وهذا خطأ لفتاة بعمركِ أو بأي عمر آخر."

بدأت لمار تشعر بالاستجابة له، فهو لا يتكلم خطأ. فحاولت أن تستغل الفرصة أكثر لمعرفة ما الذي يفكر به. اقتربت منه وجلست على الأريكة المقابلة له، وتحدثت بتعثر: "وماذا تقترح أن أفعل؟"

"أن تحاولي... تقاومي، أن تكوني قوية وواثقة، تحاربي بكل قوتك. ففكرة أنكِ فعلتِ الصواب ليست سوى القدوم إلى الخطر بأقدامكِ. أنا ليست لي مشكلة معكِ، ولكن هذا لا ينطبق على الغير."

سألته والفضول يأكلها: "إذن لماذا اخترتني؟"

أجاب وهو يمد يده محاولاً الوصول إلى كتفه المصاب ولكنه يجد صعوبة في الأمر، فترك الأمر وأكمل حديثه معها بنبرة هادئة: "أنا لم أختاركِ، بل كنتِ وسيلة النجاة الأقرب إليّ من أي شخص آخر، وكانت وسيلة النقل التي اخترتها هي الأنسب للهروب في وسط الزحام. فأنا لم أختاركِ، بل اخترتُ الوسيلة."

ثم أكمل بشيء من التردد: "مما لاحظت، بأنكِ دائمًا ما تُوقِعين نفسكِ في الأمر الواقع."

شعرت بالضياع من كلامه: "لم أفهم."

أكمل حديثه قائلاً: "إذا لم تفهمي لا بأس، ستفهمين في المستقبل. ولكن أظن أنكِ من النوع المطيع الذي ينفذ دون أن يعترض، حتى وإن كان له رأي لا يعبر عنه، لأنه لا يستمع أحد إلى رأيكِ، فاخترتِ الانصياع دون الكلام. وهذا خطأ، فكلمة 'لا' بعد الكثير من 'نعم' ستوقعكِ في الكثير من المشاكل. أتَعرفين لماذا؟ لأنكِ اخترتِ ألا تُجادلي، ألا تتحدثي. ربما تعبتِ من قبل كثيرًا، لهذا نجحوا في ترويضكِ. ظننتِ بأنكِ بهذا ستتخلصين منهم بعد الانتهاء من تنفيذ طلبهم، ولكنكِ لم تعرفي أن الطلب يمكن أن ينتهي ولكن سيبدأ غيره بعد ذلك. الدوامة التي ظننتِ أنها ستنتهي لن تنتهي، بل إنها تمشي وتدور حول نفسها فقط."

كانت لمار تستمع له باهتمام. لا تنكر أن كلامه أعجبها، ولم تكن تتوقعه من شخص ظنته سيقتلها، ولكنه بالفعل مثير للاهتمام. مثير للاهتمام حقًا.

"أظن بأنكِ نسيتِ كيف تقولي كلمة 'لا'." سألها وهو يحدق في عينيها. أنزلت عينيها إلى الأسفل ومسحت عرق جبينها براحة يدها.

"لماذا تظن هذا؟"

تحدث بسخرية: "لأنكِ ساذجة."

بوجه متجهم: "هل تقصد بأنني غبية؟ لمعلوماتك، أنا أدرس في الجامعة، لست كما تظن."

ضحك. لم تفهم لمار المغزى من ضحكه، ثم أضاف: "وهل تظنين بأن ارتفاع مستوى دراستك يعني بأنكِ ذكية؟"

نظرت إليه، لم تفهم شيئًا.

"لا، هذا على العكس تمامًا. هذا يثبت بأنكِ دودة كتب لا أكثر."

ثم أشار إلى علبة الدواء بعينه: "ألا تريدين أن تساعديني في علاج جروحي؟"

فسألته هي بدورها: "ألا تريد أن تكمل ما بدأت؟"

ضحك بلطف: "لا، لقد استنزفتِ قوتي من الحديث. أريد أن أعالج الجروح لكي أخلد للنوم."

فسألته بفضول وهي مندهشة من راحته هذه: "ألا تخشى أن أهرب أو حتى أن أقتلك؟"

ضحك هذه المرة بقوة، وكأنها ألقت نكتة سخيفة: "لا أظن بأنكِ بهذا القدر من التفكير، فتفكيركِ محدود مع الأسف."

رمقته بنظرة حادة، لماذا تشعر بأنه يرميها بحجارة؟

ثم أكمل وهو يقترب منها: "حتى وإن صادف وفكرتِ في هذا، فأنا أنصحكِ بعدم الإقدام على هذه الخطوة، لأنكِ لا تستطيعين الهروب، وحتى إن فكرتِ في الاستعانة بالشرطة، فالمكان غير موجود على الخريطة. سينتهي بكِ الحال بالموت معي أيتها الجميلة صاحبة الفكر المحدود."

وطرق بإصبعه السبابة على جبينها. رمقته بنظرة حادة وهي تصرّ على أسنانها: "لا تنادني بهذا أيها الخاطف المتعلم."

"ألا تفكر في إطلاق سراحي؟"

أجاب غير مبالٍ: "ليس اليوم."

بقلم ( أليف) المعروفة بـ ألو

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon