كانت المحكمة تعجّ بالناس، الأضواء تسلطت على القاعة الكبيرة، والهواء مليء بالتوتر والانتظار.
ليلى وقفت أمام القاضي بثقة، رغم أن قلبها كان يخفق بعنف. بجانبها، يقف آدم، يدعمها بكلماته الهادئة ونظراته المشجعة.
أما في الطرف الآخر، وقف محامي عائلة كمال، ممثلاً لسلطة المال والسلطة، مستعدًا لشنّ هجوم قانوني شرس.
بدأ الجلسة.
المحامي قال بصوت قوي:
"السادة القضاة، نحن هنا لنثبت أن ليلى لا تملك أي حق قانوني في حياة السيد ياسين.
إنه ابننا الوحيد، ومسألة حضانته يجب أن تُحسم وفقًا للقانون الذي يحمي مصالح الطفل."
رفعت ليلى صوتها بحزم:
"ياسين هو ابني، وقد تربّى معي طوال حياته. حقوقي كأم طبيعية لا يمكن إنكارها.
وأطالب بحق حضانته الكامل، لضمان استقراره وسعادته."
تبادل القضاة النظرات، وبدأوا يستمعون إلى الشهادات.
في تلك الأثناء، كانت وسائل الإعلام تتابع القضية عن كثب، والناس منقسمون بين مؤيد ومعارض.
لكن ليلى شعرت بقوة داخلية لا تعرف الخوف.
بين الجلسات، تحدث آدم إليها بهدوء:
"ليلى، هذه المعركة ليست سهلة، لكنك لست وحدك.
أنا هنا، وريما تدعمنا أيضًا."
ابتسمت، وأمسكت بيده:
"لن أسمح لأحد أن يأخذ ابني مني."
وفي اليوم التالي، ظهر والد كمال فجأة في المحكمة، مرتديًا بذلة رسمية، وعيناه تحملان مزيجًا من الغضب والحنان.
وقف وقال بصوت مرتفع:
"هذه ليست مسألة قانون فقط، بل عائلة وكرامة.
ياسين ابني، وسأقاتل حتى آخر نفس للحفاظ عليه."
بدأ الصراع الحقيقي يتجلى، حيث يتداخل الحب، الألم، المال، والكرامة في لعبة لا ترحم.
دخلت قاعة المحكمة مجددًا، وكانت النظرات تتبعني وكأنني محط أنظار الجميع.
كان صوت الأقدام يتردد على الأرض الصلبة، وكل خطوة أشعر بأنها تضعني في مواجهة مع المصير.
بجانب مقعدي، جلس آدم بهدوء، يدعمني بنظراته الدافئة، وكان وجوده لي بمثابة السور الذي يحصّن قلبي.
من الجانب الآخر، وقف محامي عائلة كمال، يستعد لعرض دفوعه بشراسة.
كانت والدته، السيدة التي تملك اليد العليا في هذا الصراع، جالسة في الصف الأمامي، ترتدي عباءة سوداء، وعينيها الثاقبتان تراقبانني بلا رحمة.
رفع القاضي الجلسة، وبدأت الكلمات تُلقى في الهواء:
"السيد المحامي، لك الكلمة."
أخذ المحامي شريطًا من الورق، وبدأ يتحدث بنبرة رسمية:
"أيها السادة، قضية حضانة الطفل ياسين ليست مجرد نزاع عائلي، بل هي مسألة حماية لمصلحة الطفل.
السيد كمال لطفي، والد الطفل، يمتلك الاستقرار المادي والعاطفي الذي يضمن له بيئة صحية.
بينما المدعية، رغم نضالها، تواجه ظروفًا لا تتيح ضمان حياة مستقرة له."
شعرت بغصة في حلقي، لكنني رفعت صوتي بثقة حين جاء دوري:
"أنا الأم التي حملت ووضعت على هذا العالم حياة ياسين.
أنا من رعتُه طوال هذه السنوات، وفي كل لحظة، كنت أضع مصلحته قبل أي شيء."
وقف القاضي ليعطي مساحة للأسئلة، ثم نادى على شهودنا.
دخلت ريما، أخت كمال، بشموخ، وجلست على المقعد المخصص للشهود.
بدأت تروي قصتها:
"ليلى امرأة قوية، لطالما دافعت عن حق ابنها، وكانت دائمًا موجودة حين يحتاجها ياسين."
بعد شهادتها، جاء دور آدم.
تحدث عن شخصيته ودوره في دعم ليلى:
"ليلى ليست فقط أمًا، بل شريك حياة داعم لابنها.
أنا أؤكد أن لديها القدرة على توفير بيئة مستقرة ومحبّة لياسين."
خلال الجلسة، لاحظت نظرات متبادلة بين كمال ووالدته.
كان هناك صراع غير معلن، بين الولاء للعائلة والرغبة في فعل الصواب.
في استراحة قصيرة، اقترب مني كمال وقال بهدوء:
"ليلى… مهما كانت نتائج هذه المعركة، أنتِ جزء من حياتي… ووالد ياسين."
ابتسمت له، لكن في قلبي كانت الأسئلة أكبر:
هل يمكن لعائلته أن تقبلنا؟
هل يمكن للماضي أن يُمحى؟
عاد القاضي لاستئناف الجلسة، وكانت الأنفاس محتبسة في القاعة.
كل كلمة تُقال كانت تُثقل المكان، وتزيد من وطأة المعركة.
وسط هذه الدراما، كان ياسين في المنزل، لا يدرك حجم المعركة التي تدور من أجله.
في غرفة صغيرة، جلس ياسين مع جدته من جهة أمه، التي تحدثته بنعومة:
"يا بني، أمي تحارب من أجلك، وهذا دليل على قوتها وحبها."
عاد صوت الجرس إلى المحكمة، معلنًا انتهاء جلسة اليوم.
خرج الجميع في صمت، إلا أن القلوب كانت مليئة بالتوقعات والخوف.
عادت القاعة إلى صمتها، وكانت الأنظار شاخصة نحو القاضي الذي كان يتحرك ببطء بين أوراقه.
كأن ثقل القرار قد بدأ يثقل كتفيه كما يثقلنا جميعًا.
دخل المحامي مرة أخرى، وقال بصوت يملؤه التحدي:
"هناك أدلة جديدة، شهادة من معلمة ياسين التي تثبت أن الطفل يشعر بالراحة والأمان في بيت والدته."
ارتجفت والدته كمال على المقعد، وحاولت أن تُخفي انزعاجها، بينما كمال كان ينظر إليّ بعيون ملؤها الحزن والأسى.
المعلمة حضرت وأدلت بشهادتها بكل صراحة:
"ياسين طفل ذكي وهادئ. يظهر تعلقًا كبيرًا بأمه، ويبدو سعيدًا معها.
في المدرسة، يتحدث عنها بفخر وحنان."
شعرت بدفء الكلمات يدخل إلى قلبي، لكنني عرفت أن المعركة لم تنته بعد.
في استراحة الجلسة، اقترب مني آدم وقال:
"هذا دعم مهم. يجب أن نستمر بقوة."
ولكن المفاجأة كانت عندما طلب القاضي من والد كمال أن يدلي بشهادته.
وقف والد كمال، وقال بصوت ثقيل:
"أنا أُدرك أن الأمر أكثر من قانون، إنه عن عائلة.
أريد أن يرى ياسين عائلته كاملة، لكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب استقرار الطفل."
كانت الكلمات تحمل رسالة ضمنية، مفادها أنه لا يثق بي ولا يرى أنني جزء من العائلة.
وفي لحظة صمت، نظرت إلى كمال، فالتقينا نظرات ملؤها الألم.
بعد انتهاء الجلسة، خرج الجميع من القاعة، وكنت أشعر أن المعركة قد دخلت مرحلة جديدة.
في الطريق إلى المنزل، تحدث كمال معي:
"ليلى، أنا أريد أن نكون عائلة. لكن يجب أن نثبت لهم أننا قادرون على ذلك."
ابتسمت له برقة:
"نعم، كمال. وسنفعل كل ما يجب."
وصلنا إلى المنزل، حيث كان ياسين ينتظرنا بابتسامة عريضة، كما لو أن قلبه لا يحمل هموم الكبار.
جلست بجانبه وهمست:
"ياسين، مهما كانت المعركة، نحن معًا."
بعد أيام قليلة من انتهاء الجلسة، عادت الحياة لتأخذ مسارها المضطرب في حياة ليلى وكمال.
كانت الأجواء متوترة، ليس فقط بسبب المحكمة، بل بسبب سر قديم بدأ يظهر من جديد.
في أحد الأمسيات، جلست ليلى في غرفتها تراجع أوراق المحكمة، عندما رن هاتفها فجأة.
كانت الرسالة من رقم مجهول، تقول:
"إذا أردتِ حماية ياسين، ابتعدي عن كمال وعائلته. لا تفتحي الباب للمعركة التي لا تعرفين مداها."
شعرت بقشعريرة تجتاح جسدها، لكنها لم تستسلم.
في اليوم التالي، أثناء ذهابها إلى المكتبة، قابلت ريما التي بدت قلقة.
قالت:
"ليلى، أمي اكتشفت شيئًا عن الماضي قد يغير كل شيء."
توقفت ليلى عن التنفس، وقالت بقلق:
"ماذا؟"
تابعت ريما:
"الجدّة ليست فقط قوية، بل تحمل أسرارًا عن عائلة كمال… أسرار يمكن أن تدمّر سمعتنا كلها."
في نفس الوقت، كان كمال يتلقى اتصالًا من أحد أصدقائه المقربين.
قال له:
"هناك من يحاول كشف أسرار العائلة القديمة… احذر."
كانت بداية فصل جديد من الصراعات، حيث الماضي لا يموت بسهولة، والحاضر مليء بالمخاطر.
جلس ليلى وكمال معًا في غرفة المعيشة، ينظران إلى بعضهما بتوتر.
قال كمال:
"يجب أن نواجه كل شيء معًا… لأن الوحدة هي قوتنا."
ابتسمت له ليلى وقالت:
"نعم، مهما كان الثمن."
20تم تحديث
Comments