...“إيرفين، ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”...
...ما إن فتحتُ عيني حتى بدأت أبحث عن إيدن. و بصفته ابن عائلة عريقة في فنون السيف، قيل إنه في ساحة التدريب منذ الصباح، فأسرعت إليه....
...كان الصباح قد بدأ يلوح، وإيدن الذي كان يلوّح بسيفه تحت نور الشروق بدا وكأنه جزءٌ من لوحةٍ فنية....
...لو كانت لديّ كاميرا، لكنت ضغطت على زر التصوير خمسمئة مرة دون أن أشعر....
...“فقط…..أردتُ أن أعرف إن كنتَ قد تناولت الفطور.”...
...“لم آكل بعد، وإن لم تكوني أكلتِ أنت أيضاً، هل نأكله معًا بعد وقتٍ طويل؟”...
...“همم، لمَ لا؟”...
...“إذاً، انتظرِ لحظةً فقط، سأنهي ما لدي وأعود فورًا.”...
...وأثناء توجّهنا إلى قاعة الطعام معًا، لم ينقطع الحديث بيننا. فقد عرفنا بعضنا منذ زمنٍ طويل، وكان بيننا الكثير مما يمكن قوله....
...وعندما دخلنا معًا إلى قاعة الطعام، سحب إيدن الكرسي لي وهو يبتسم بلطف....
...“شكرًا.”...
...“لا داعي للشكر.”...
...أجاب مازحًا وهو يبتعد ضاحكًا، فابتسمت أنا أيضًا دون وعي....
...وما إن جلس إيدن أيضًا حتى جاء الخدم بالطعام كما لو كانوا بانتظارنا....
...وضعتُ ملعقةً من حساء البصل الشهي في فمي، فانتشرت حرارةٌ لطيفة في جسدي كله....
...وبفضل ذلك، انحلت مشاعري المتوترة بهدوء وراحة....
...“إيدن، أريد أن أخبركَ بشيء.”...
...“همم؟”...
...نظر إليّ إيدن بابتسامةٍ تعلو شفتيه....
...“أظن أنه حان الوقت لأغادر منزل الدوق.”...
...بدا على إيدن الارتباك، فوضع الملعقة على الطاولة بصوتٍ مرتفع....
...“ماذا تعنين بهذا، إيرفين؟”...
...“فقط…..لقد مرّت عدة سنوات منذ بدأت أعيش هنا، وشعرت أنني أثقلت عليكم كثيرًا.”...
...“هل كنتِ تفكرين بهذه الطريقة طوال الوقت؟ لا داعي لذلك. لا أحد في هذا القصر لا يحب وجودكِ. خصوصًا والدتي ووالدي، فهما يعتبرانكِ كابنتهما.”...
...كان على حق. ليس فقط الخدم مثل ليج، بل حتى والدا إيدن رحّبا بي دائمًا بمحبة، وتذكُّر ذلك جعل صدري يضيق تأثرًا....
...“أعرف ذلك، وأنا ممتنةٌ لهم جدًا. لكن سواءً أنا أو أنت، لقد أصبحنا بالغين، وأشعر أنه قد حان وقت الاستقلال.”...
...“هل من الممكن أنكِ..…”...
...فتح إيدن فمه بتعبيرٍ جدي وحذر....
...“هل ظهر في حياتكِ شخصٌ تحبينه؟”...
...“ماذا؟! لا، الأمر ليس كذلك!”...
...“لكن من الغريب أن تذكري هذا فجأة من دون سبب. أليس كذلك؟”...
...ضيّق إيدن عينيه ونظر إليّ وكأنه يستجوبني....
...يبدو أنه أساء الفهم تمامًا بسبب حديثي المفاجئ عن النضج والاستقلال....
...“حقًا ليس هناك شيء كهذا! أنا بالكاد أخرج من المنزل، فكيف يكون هناك شخصٌ أحبه..…”...
...أنكرت بشدة وأنا ألوّح بيدي ردًا على كلامه غير المعقول، فتنهد إيدن وأزال نظرته المشككة....
...هل صدقني فعلًا؟ أم أنه ما زال يسيء الفهم؟...
...“حسنًا، سأصدقكِ.”...
...“أنا جادة!”...
...“هاها! فهمت، فهمت.”...
...انفجر إيدن ضاحكًا وأمسك بطنه من شدة الضحك. ...
...رأيت الدموع تلمع في عينيه من كثرة الضحك، فشعرت بالدهشة، لكن بدا أن الحديث انتهى عند هذا الحد....
...ثم تحدث فجأة،...
...“إيرفين، أنتِ لا تفكرين فعلًا بمغادرة القصر، أليس كذلك؟”...
...يبدو أنه كان قلقًا من أن أتعرض للخطر لأنني لا أملك منزلًا ولا مالًا....
...بالطبع كنت أخطط للرحيل قريبًا حين أجد الطريقة المناسبة، لكن كان علي أولًا أن أطمئنه....
...“بالطبع لا، من سيرحل ويترك هذا البيت الجميل والطعام الشهي؟”...
...يجب أن أتناول الطعام بسرعة وأتوجه إلى البرج لتعلم السحر....
...بينما كنت أمضغ السلطة المقرمشة بتركيز، سمعت صوت إيدن يتسلل كنسيمٍ هادئ،...
...“أجل، إلى أين سترحلين أصلًا..…”...
...رفعت رأسي ونظرتُ إليه فجأة، لكنه كان يتناول طعامه دون أن يلتقي بنظري....
...'هل ما سمعته خاطئ؟'...
...***...
...الطريق إلى برج السحر يستغرق وقتًا طويلًا. فلا بد من الالتفاف حول النهر وتجاوز قمة جبلٍ ثم الصعود حتى منتصف الجبل....
...في العادة، كنت سأشعر بالنعاس في هذا الوقت، لكن ربما بسبب الحديث الذي دار بيني وبين إيدن قبل قليل، لم تهدأ نفسي بسهولة....
...'كيف يمكنني مغادرة قصر الدوق بطريقةٍ طبيعية؟'...
...بما أنني قد تخلصت من مشكلة القوة السحرية التي كانت سبب موت إيرفين، فلن أموت كما في القصة الأصلية....
...لكن هل سينتهي كل شيء عند هذا الحد فعلًا؟ ألن يحدث شيءٌ إذا بقيت الشخصية التي كان من المفترض أن تختفي قريبةً من البطل؟...
...ماذا إن التقى البطلة لاحقًا، ثم متّ لأسبابٍ أخرى؟...
...هذه الأفكار كانت تتلاحق بلا توقف، وجعلت رأسي يؤلمني طوال الليل....
...كنت أريد أن أختفي في أقرب وقتٍ ممكن، قبل أن تبدأ أحداث القصة الأصلية....
...حتى لو انتهى بي الأمر كشخصيةٍ ثانوية لا تُذكر، تظهر في جملةٍ واحدة فقط....
...'ليست هناك وسيلة معدومة تمامًا…..'...
...لكن ما كان يقلقني هو ما إذا كانت تلك الوسيلة قابلةً للتنفيذ فعلًا....
...منذ الليلة الماضية، لم أستطع التفكير سوى في خيارين اثنين. الأول هو أن أذهب إلى جوزيف وأطالب بحقي في الميراث بكل جرأة. والثاني هو أن أستعيد جزءًا من الأراضي التي سُجلت باسمي قبل وفاة والديّ....
...لكن حتى هذا الخيار كان يتطلب تدخّل جوزيف، وكان من الواضح أنه لن يكون أمرًا سهلًا....
...لقد مضى على سيطرة جوزيف على شؤون العائلة عشرة أعوام. وخلال تلك السنوات، لا شك أنه أعاد تشكيل الخدم والتابعين حسب هواه....
...وإن كان الأمر كذلك، فلن يكون هناك أحدٌ يقف إلى جانبي....
...‘لا يمكن أن يكون عمي يقود العائلة بشكلٍ نزيه. لا بد أنه يقوم بأعمالٍ مشبوهة في الخفاء. وإن استطعت إثبات ذلك، فسيمكنني فتح قضيةٍ ضده في المحكمة.’...
...قد يتعقّد الأمر، لكن إن أردت استعادة مكانتي في العائلة، فهذا هو الخيار الأضمن....
...إلا لو وجدت الوثيقة التي كتبها الكونت كوينياردل يوم ولادتي، والتي أعلن فيها أن “جميع أملاك عائلة الكونت ستُورث لإيرفين”....
...لكن حتى تلك الوثيقة، من المرجح أن جوزيف قد مزقها منذ زمن....
...“هوووغ..…”...
...عندما بدأنا بالصعود في الطرق الجبلية الوعرة، راحت العربة تهتز بعنف. فأصابني دوارٌ شديد، وأحسست بالغثيان والصداع، حتى ظننت أنني سأفقد وعيي قبل أن أصل إلى البرج....
...لم يكن أمامي خيارٌ سوى أن أزيح تلك الأفكار من رأسي وأغمض عيني بهدوء....
...بدأت أتنفس بعمق، وأزفر ببطءٍ، محاوِلة تهدئة اضطراب معدتي. ...
...وحينها، بدأت ملامح برج السحر تلوح في الأفق....
...***...
...“أرجوكِ، أرجوكِ ساعديني!”...
...“قلت لكَ، أنا لا أملكُ تلك الصلاحيات!”...
...“لكن يمكنكِ فعل شيء! أنتِ الشخص الذي اختاره السيد دانتي بنفسه!”...
...“اختيار ماذا؟! حتى أنا يجب أن أحرص على أن أكون في رضاه دائمًا!”...
...كنتُ أستخدم كل وسيلة ممكنة الآن لطرد كايدن....
...منذ اللحظة التي دخلتُ فيها برج السحر، حافظ كايدن على ابتسامةٍ غريبة، لكن ما إن اتجهنا نحو القبو حتى أظهر وجهه الحقيقي....
...“كل ما أطلبه هو أن تخبري السيد دانتي أنني موجود!”...
...كان يلاحقني بينما يكرر طلبه السخيف بأن أُعرّف دانتي عليه....
...“قلت لكَ توقف عن ملاحقتي!”...
...دوووم-!...
...بعد جهدٍ كبير، تمكنت من الإفلات منه ودخلت غرفة دانتي وأغلقت الباب بقوة. ويبدو أنه لم يجرؤ على اللحاق بي إلى هنا، إذ لم يُسمع له أي صوت....
...“ماذا تفعلين؟”...
...هاه…..لم أتذكر وجود دانتي في الغرفة إلا في تلك اللحظة....
...كان دانتي بخلاف المعتاد يرتدي رداءً أبيض، عاقدًا ذراعيه وعابسًا بين حاجبيه....
...“آه، لا شيء مهم. فقط…..رأيت فأرًا في البرج.”...
...“فأر؟”...
...“نعم، فأرٌ ضخم بشعر رمادي…..يييييع. لا أريد رؤيته مجددًا أبدًا.”...
...لكن دانتي لم يُعر كلامي أي اهتمام، وبدأ بالحديث في موضوعه الخاص....
...“هل قرأتِ الكتب التي أعطيتُكِ إياها؟”...
...“…..مستحيل. كيف يمكنني قراءة كل ذلك في يومٍ واحد؟”...
...“كم قرأتِ منها إذاً؟”...
...“ما كان اسم الكتاب؟ أظن أنني قرأت حتى الجزء الذي يتحدث عن كيفية استخدام القوة السحرية في كتاب أساسيات السحر الملكي.”...
...عندما سمع دانتي إجابتي، بدا وجهه مشوَّهًا فجأة، وتمتم لنفسه،...
...“لماذا كان ذلك الكتاب بين المجموعة؟”...
...“نعم؟ ماذا قلت؟”...
...“لا شيء. هل تتذكرين إذاً طريقة استخدام القوة السحرية المذكورة في الكتاب؟”...
...أومأتُ برأسي. كنت أتذكر تقريبًا كل ما ورد في الكتاب. و كنت فقط أتساءل إن كان يجدر بي حقًا أن أذكره....
...“قال أن عليَّ تخيل نقطةٍ صغيرة تتحرك في أنحاء جسدي..…”...
...كان هذا هو الجزء الوحيد المفيد في الكتاب. أما الباقي، فلم يكن سوى مديحٍ للكاتب نفسه واستعراض لمعرفته بطريقةٍ لا داعي لها....
...بينما كنت أقرأه، راودني الشك إن كان محتواه جادًا فعلًا، لكنه كان ممتعًا بشكلٍ غريب، وبما أنه من ترشيح دانتي، لم أُطِل الشك كثيرًا....
...لكن الآن، بعد أن رأيت تنهيدة دانتي الثقيلة ووجهه المشوَّه، شعرت أن عدم قراءته كان سيكون خيارًا أفضل....
...“هل هذا كل ما قرأتِه؟”...
...“همم، نعم…..لم يكن لدي وقت كافٍ.”...
...“انسَيْه. شرح ذلك الشخص لا فائدة منه على الإطلاق.”...
...“إذًا لماذا أعطيتني إيـ-”...
...وقبل أن أكمل تذمّري، ناولني فجأة كتابًا سميكًا....
...“لقد أعطيتكِ ذلك الكتاب بالخطأ. اقرأِي هذا الكتاب بدلاً منه. لدي بعض الأمور لأُنهيها، لذا ستبقين وحدكِ لبعض الوقت. هل هذا على ما يرام؟”...
...“نعم، لا بأس بذلك..…”...
...استدار دانتي فورًا وتوجّه إلى طاولة التجارب المليئة بالأدوات المختلفة. وسرعان ما بدأ بالتركيز على شيءٍ ما، بينما جلست أنا وفتحت الكتاب الذي أعطاني إياه....
...كان هذا الكتاب أيضًا يشرح أساسيات السحر بتفصيل دقيق. لكن الفرق عن كتاب الأمس هو أن هذا كان يتحدث حقًا فقط عن السحر، لا شيء غيره....
...ربما لهذا السبب، شعرت بالملل بعد قراءتي القليلة الأولى وبدأت أتثاءب....
...دون وعي، التفتُّ برأسي فرأيت دانتي لا يزال في نفس المكان، منغمسًا في عمله....
...‘يبدو منشغلًا جدًا، لكنه مستمتعٌ لأقصى درجةٍ أيضًا.’...
...كان يصب سائلًا شفافًا من بيكر في قارورةٍ تحتوي على سائل أزرق، ثم ينقل المزيج إلى مكانٍ آخر ويكرر العملية مرارًا. وراحت رائحة المواد الكيميائية التي كنت أشمّها منه دائمًا تفوح بقوة....
...اقتربتُ بخطى خفيفة لأتفقد ما يفعله من كثب، ووقفتُ بهدوء خلفه....
...ثم أطللتُ برأسي لألقي نظرةً على طاولة التجارب، وكانت مليئةً بأنواع مختلفة من الأعشاب والأدوات العلمية....
...“ماذا تفعل؟”...
...أجابني دانتي بهدوء وكأنه كان يعلم أنني اقتربت منذ البداية،...
...“إنه اختبار.”...
...رفع البيكر الذي يحتوي على سوائل متعددة، وفجأة بدأت يده تُضيء بضوءٍ ساطع، ثم اندمج ذلك الضوء بالسائل....
...لم أستطع سوى التحديق مذهولةً أمام المشهد الذي رأيته لأول مرةٍ في حياتي....
...“ما هذا النوع من التجارب؟”...
...أجاب دانتي ببرود وهو يحدّق في السائل داخل البيكر،...
...“إنه اختبارٌ لتحضير جرعةٍ سحرية.”...
...“جرعةٍ سحرية؟”...
...“نعم. الجرعات التي تُحضّر في برج السحر تتمتع بفعاليةٍ عالية. نصنع أنواعًا متعددة، مثل تلك التي تُحسّن الهضم أو تنشّط الذهن أو تساعد على نوم عميق. وأنا أبحث الآن في كيفية تطوير جرعةٍ جديدة.”...
...تذكّرت حينها ما سمعتُه من الكونت كوينيارديل عندما كنت صغيرة....
...كان قد قال أن برج السحر لا يقتصر على صنع الأدوات السحرية، بل يبيع أيضًا الجرعات السحرية. وكانت فعاليتها لا تُضاهى، لكن أسعارها مرتفعةٌ لدرجة أن عامة الناس لا يمكنهم حتى رؤية عبوةٍ واحدة، فما بالك بشرائها....
...'لحظة…..العائلة المالكة…..؟'...
...في تلك اللحظة، شعرت كأن أحدًا صفعني على رأسي....
..."كان ذلك هو الحل!"...
...____________________...
...وش جاب العائلة المالكة الحين؟😭 ...
...ترجمت الجملة أكثر من مره بس ماجابت طاري العائلة المالكة الا يوم تذكرتها ...
...تضحك ذا البنت شاطحة😂...
...إيدن مهووس؟🌝...
...Dana...
Comments