ملف أسود

ملف أسود

صرير الأبواب المغلقة

...لم تكن "إيما روسو" تتوقّع أن يكون هذا الصباح بداية فصل جديد في حياتها المهنية، وربما… نهايتها العاطفية أيضًا....

...كانت الطبيبة النفسية الأكثر التزامًا في مركز “هولبروك” لإعادة التأهيل، معروفة ببرودها المهني وصلابتها أمام مرضاها. لكن تلك الصلابة لم تكن سوى قناعٍ تحتمي خلفه من وجعٍ قديم ما زال ينهشها بصمت....

...شعرها البني القصير كان منسدلًا بعناية خلف أذنها، وعيناها الرماديتان لا تُظهران سوى الحذر....

...تسير في الممرّ الطويل للمركز وهي تمسك ملفًا جديدًا طُبع على غلافه اسم غريب…...

..."إيدن غراي — 31 عامًا."...

...قرأت ما فيه بتمعّن:...

...تاجر مخدرات، متعاطٍ منذ خمسة أعوام، سجل جنائي معقّد، ومحاولات علاج فاشلة سابقة....

...تنهّدت، وأغلقت الملف بهدوء. لا شيء يربكها عادة… لكن شعورًا غامضًا راودها هذه المرّة، كأنّ شيئًا مجهولًا ينتظرها بين صفحات هذا الاسم....

...**...

...كان إيدن جالسًا في الغرفة المخصّصة للمقابلات الأولى....

...شعره الأسود الفوضوي، وذقنه الخفيفة، وعيناه الداكنتان الغارقتان في الهزيمة؛ جعلته يبدو كمن خرج لتوّه من معركة طويلة مع ذاته....

...حين دخلت إيما الغرفة، رفع نظره إليها بخفّة ساخرة وقال:...

..."إذن أنتِ الطبيبة الجديدة؟...

...أتمنى ألا تكوني كسابقاتك."...

...لم تردّ، بل وضعت الملف أمامها وجلست بهدوء تام....

...صوتها خرج متزنًا، باردًا كهواء الغرفة:...

..."هنا نحاول أن نبدأ من الصفر، السيد غراي. كلّ ما أحتاجه منك هو الصدق."...

...ضحك بخفّة خالية من الفرح:...

..."الصدق؟...

...آخر مرة صدقت فيها أحدهم… خسرته."...

...رفعت عينيها نحوه، نظرة قصيرة لكنها كانت كافية لتجعل قلبها يخفق على نحوٍ لم تفهمه....

...ثم قالت بهدوءٍ جليدي:...

..."سنكتفي بمحاولةٍ صغيرة اليوم، لا أكثر."...

...أومأ بصمت، كأنه استسلم لطقوس جديدة من العزلة....

...**...

...لم يكن اللقاء الأول سوى بداية لشيء لم يُكتب له النجاة....

...كانت إيما تراه يومًا بعد يوم، نفس الملامح المتعبة، نفس النظرات التي تتوسّل النجاة....

...وفي كل جلسة… كانت تشعر أن جدارها المهني يتصدّع أكثر....

...إيدن كان يختبرها، يقترب بالكلمات، ينسحب بالصمت....

...حتى باتت تتساءل:...

...من يعالج من؟...

...**...

...في إحدى الليالي، بعد جلسة طويلة، قال بصوتٍ خافت:...

..."أتعلمين يا إيما؟...

...بعضنا لا يحتاج منقذًا… بل من يجلس إلى جواره في العتمة دون أن يهرب."...

...لم تردّ....

...لكنها أدركت أن شيئًا يتكوّن في قلبها… شيئًا خطرًا، ناعمًا، لا اسم له بعد....

...━━━━━━━━━━...

...كانت الغرفة نفسها كل صباح: الجدران البيضاء، الضوء الرمادي، ورائحة القهوة الباردة على الطاولة....

...لكن شيئًا في الأجواء تغيّر منذ بدأ إيدن الحديث أكثر من الصمت....

...في الجلسة الثالثة، جلست إيما كعادتها أمامه، يديها متشابكتان، دفترها مفتوح، وقلبها مغلق بإحكام....

...أما هو، فكان يتأملها بصمتٍ يحمل من الجرأة ما يكفي لإرباك أكثر العقول اتزانًا....

...قال فجأة:...

..."هل كل هذا الهدوء جزء من العلاج؟ أم أنك هادئة لأنك خائفة من أن أقرأك كما تقرئينني؟"...

...رفعت حاجبيها، دون أن تفقد نبرتها المتزنة:...

..."أنا هنا لأفهمك، لا لأسمح لك أن تختبرني."...

...ابتسم ابتسامة جانبية، وقال بسخرية ناعمة:...

..."أوه، فهمي إذن… رائع....

...لكن هل تفهمين المرضى أم تحفظينهم في دفترك كأرقام؟"...

...أغلقت دفترها ببطء، وقالت وهي تنظر إليه بثبات:...

..."إذا كنت تبحث عن شجارٍ لتكسر صمتك، فهناك طرق أقل غباء."...

...ضحك بصوتٍ خافت، ثم قال بصدقٍ مفاجئ:...

..."أنا فقط أكره أن يُعاملني أحد وكأنني قضية ميؤوس منها."...

...ساد صمت طويل بينهما....

...وللحظة قصيرة، شعرت إيما بشيءٍ يشبه التعاطف يمرّ في صدرها....

...لكنها أطفأته بسرعة....

..."سنكمل الجلسة غدًا،"...

...قالت، محاولةً أن تُنهي الموقف....

...وقف ببطء، اقترب من الباب ثم التفت نحوها قائلًا:...

..."غدًا إذن… دكتورة إيما....

...لكن صدّقيني، ستضطرين يومًا لأن تكتبي عني فصلًا خاصًا في دفترك هذا."...

...خرج تاركًا الباب مفتوحًا خلفه، وكأن خروجه نفسه كان استفزازًا متعمّدًا....

...**...

...تكرّرت الجلسات، وكلّ لقاءٍ بينهما كان ساحةً صغيرةً لمعركة غير معلنة....

...إيدن يستفزّها بالكلام، يختبر صبرها، يلمّح إلى ضعفها الإنساني، وهي تقابله بجليدٍ محسوب....

...لكن ما لم تكن تعرفه إيما، أنّ كل كلمة منه لم تكن لهوًا… بل محاولةٌ يائسة للشعور بأنّه ما زال قادرًا على التأثير في أحد....

...وفي كلّ مرةٍ يغادر فيها، كانت تسمع صدى ضحكته يلاحقها حتى مكتبها....

...━━━━━━━━━━...

...النهاية...

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon