الفصل الرابع: كثرة الحديث

...لم تكن تعلم إن كانت قد بالغت في الشرب، أم أن جسدها ببساطة لم يكن معتادًا على الكحول....

...كانت تشعر بدوار خفيف، لم تعد تثبت قدميها تمامًا، ونظراتها بدأت تتشتت، تتباطأ في التركيز....

...وضعت الكأس جانبًا وهي تتمتم:...

..."أظنني... بحاجة إلى هواء."...

...نظر إليها كيليان، رفع حاجبه ساخرًا، وقال بنبرة باردة:...

..."ثملتِ من كأسين فقط؟"...

...لم تجب، بل اكتفت بنظرة فارغة، ثم أغمضت عينيها لحظة، وكأن الأرض بدأت تميل من تحتها....

...تنهد وهو يقترب منها، وضع ذراعه حول كتفيها بثبات:...

..."حسنًا، كفى عبثًا. لن أتركك تسقطين هنا وسط هذه الحفلة."...

...ثم، دون أن يستأذن، رفعها بخفّة بين ذراعيه....

..."هكذا أفضل. على الأقل لن تتعثّري بأحد."...

...رأسها استند إلى كتفه دون مقاومة، ويديها مسترخيتان بجانبه. كانت ما بين الوعي واللاوعي، لكنه ظل يمشي بخطوات واثقة نحو الخارج....

...حين وصلا إلى الممر الهادئ خارج القاعة، نظر إلى وجهها وقال بلهجة لا تخلو من السخرية:...

..."محقّة صديقتك، أنتِ رسميّة أكثر من اللازم... حتى ثَملك يبدو منظّمًا."...

...لم ترد....

...اكتفى بأن يُكمل سيره بها نحو سيارته المركونة خارج المبنى، دون أي كلمة أخرى. الجوّ أصبح أكثر هدوءًا، والضوضاء تلاشت تدريجيًا، ولم يتبقّ سوى صوت كعب حذائه وهو يرتطم بأرض الحجر الرمادي....

...فتح باب السيارة، أنزلها برفق على المقعد، ثم أغلق الباب بهدوء....

...جلس خلف المقود، نظر إليها نظرة خاطفة، ثم قال بهدوء:...

..."غريب... لم أتوقع أن أراكِ بهذا الشكل أبدًا، آريا."...

...أدار المحرّك، وانطلقت السيارة بهما إلى مكانٍ لم تحدده الكلمات، بل حسمه الصمت....

...جلسَت على طرف الأريكة الجلدية، تنظر حولها بصمت، كأنها تُراقب بيت قاتل متسلسل، لا مكان فيه لذكريات، ولا صور على الجدران، فقط النظام البارد والسكوت الخانق....

...دخل كيليان من المطبخ بكوب ماء وقرص صغير في كفّه. اقترب منها، انحنى قليلاً، مدّ الكوب اليها....

..."خذيه. سيُسرّع خروج الكحول من دمك."...

...أخذته ببطء، شربت، ثم أعادت الكوب إليه دون أن ترفع نظرها عن عينيه....

...همست وهي تمسح فمها بكفّها:...

..."هل اعتنيتَ بنساء أخريات قبلي؟"...

...رفع حاجبه، وكأن السؤال لم يفاجئه، لكن الجواب لم يأتِ فورًا....

...ثم قال بصوت خافت، كأنّه اعتراف داكن:...

..."نعم."...

..."كم عددهن؟"...

...ابتسم ابتسامة مائلة، باردة:...

..."يكفي لأعرف أن هذه ليست الليلة نفسها."...

...نظرت إليه مطولًا....

..."وما المختلف؟ أنني لم أُدعَ إلى هنا بمكياجٍ مثالي وكعبٍ عالٍ؟ أم لأنني وصلت بوعي نصف غائب؟"...

...اقترب، جلس إلى جانبها، نظراته تلاعبت بملامحها بثقل:...

..."لأنهن كنّ يأتين بأنفسهن، أما أنتِ... فكلّ ما فيكِ جاء رغمًا عنك. حتى سهرك، حتى سُكرك، حتى هذا الحوار."...

...أمالت رأسها نحوه، عيناها رغم تعبها تشعّ بنبرة سخرية:...

..."جميل. الآن تخبرني أنني ضحية ظروف، لا رغبة."...

..."أنتِ لستِ ضحية. لكنكِ أيضًا... لستِ واعية تمامًا."...

...سكتت. ثم قالت بصوت مبحوح:...

..."قل لي، هل كنت تفعل معهم ما تنوي فعله بي الليلة؟"...

...اقترب منه أكثر، نظر مباشرة في عينيها....

..."أنا لا أنوي شيئًا. وهذا بحد ذاته... أخطر مما فعلتُه بأي امرأة قبلك."...

...ابتلعت ريقها، شعرت بشيء داكن يتسلل إلى عقلها، لكنه لم يكن خوفًا....

...ثم قالت:...

..."إن لم تكن تنوي، لماذا حملتني؟"...

...ردّ دون تردّد:...

..."لأنكِ لو سقطتِ أمام الجميع، ما كان أحد يستر سقوطك كما أفعل أنا الآن."...

...نظر إليها نظرة طويلة، ثم وقف. أشار إلى باب جانبي مفتوح نصف فتحة....

..."هناك الغرفة. ارتاحي، أو لا ترتاحي. القرار ليس لي، ولا لكِ. الليلة تقود نفسها بنفسها."...

...مشت باتجاه الغرفة، ثم استدارت قبل أن تدخل....

..."لم أقرر بعد إن كنت تثير اهتمامي... أم اشمئزازي."...

...ردّ وهو يسير مبتعدًا نحو النافذة:...

..."كلاهما يؤدّي لنفس النهاية."...

...أغلقت الباب خلفها بصمت، فغرق المنزل في سكون أشد من ظلامه....

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon