...أجابت بشيء من حدّة:...
..."لمَ اختفيت كلّ هذه المدّة؟"...
...ضحك قليلاً، وقال:...
..."ولِمَ لا تسألينني لماذا أنا هنا؟"...
..."هذا لا يهمّني!"...
..."تبدين كمن يهتمّ، وإن أنكرتِ."...
..."لم أقل ذلك، لكن أليس من الغريب أن ألتقي بشخص ثم يختفي فجأة لمدة ثلاثة أشهر؟"...
..."لذا سألتكِ... ألا ترغبين في معرفة سبب وجودي؟ أنتِ سريعة الغضب... لم أتوقّع منكِ هذا القدر من العاطفة."...
..."لا يحق لك تحليل شخصيتي!"...
...ضحك:...
..."انظر من يتكلّم! من سجّلت صوتي، ودوّنت كل إيماءة، واستنتجت من خيالها أنني اختفيت عمدًا."...
...صُدمت. تراجعت خطوة إلى الخلف وقد خذلتها تعابير وجهها....
..."ك..كيف..عرفت؟"...
..."لا يهمّ. ما يهمّ أنني أمضيت وقتًا طويلًا أبحث عنكِ."...
..."أنت بحثت عني؟"...
..."نعم."...
..."ولِمَ؟"...
..."لأنني... اشتقت إليك."...
..."ماذا؟!"...
..."كما سمعتِ. اختفيتِ فجأة. لم أجدكِ في كوبنهاغن... فعُدت إلى برلين."...
..."أأنت مقيم هنا؟"...
..."نعم."...
..."ولِمَ لم أرَك من قبل؟"...
..."لديكِ مشكلة في عينيكِ."...
..."اخرس، أيها العجوز!"...
..."لم يعجبني اللقب. غيريه."...
...سكتا للحظة، بينما كانت الموسيقى تدور حولهما وتختلط بالهمسات، وكلُّ من حولهم ينجرف في عالمه الخاص... عدا كيليان وآريا....
...قالت فجأة:...
..."هل تراقصني الليلة؟"...
..."لم لا؟"...
...أنهى كأسه، ثم نهض ومدّ يده، جذبها من خصرها بخفة إلى منتصف القاعة....
...أصبح وجهه أمام وجهها، عيناها تلامسان عينيه، والموسيقى تقود خطواتهما كأنها تسحب أرواحهما إلى مكان آخر....
...قال وهو يبتسم:...
..."لست بارعًا في الرقص... فقط لأعلمك."...
..."هذا لا يهمّ."...
..."أنتِ الأجمل الليلة."...
..."وفي باقي الليالي؟"...
..."لم أرَكِ فيها بعد."...
..."ههه... ستختفي كعادتك."...
..."تتحدثين وكأنكِ تعرفينني منذ زمن."...
..."يكفيني أن أراكَ فقط."...
...ابتسم وقال مازحًا:...
..."فلنعكس الأدوار، يبدو أنكِ من تراقصني. هل تطلبين غزلًا؟"...
..."الغزل يُعطى، لا يُطلب."...
..."رقيقة كالغزلان."...
..."لا تعرف حتى كيف تُغازل! انسَ أن تكون رجلًا أنيقًا!"...
..."ماذا أفعل إن كنتِ رسمية لهذا الحد؟!"...
...تجاهلته، وابتعدت قليلًا قائلة:...
..."أحتاج شيئًا لأشربه."...
...ابتسم، وضع يديه في جيبه، وتبعها....
...أحضرت كأسين، ناولته أحدهما، وقالت:...
..."أنا من سأُضيفك الليلة... أيها العجوز."...
..."ههه... ألم أقل إن التعامل معكِ صعب؟ رسمية أكثر مما ينبغي."...
..."اشرب!"...
...ثم ضحكت وهي تضرب كأسها بكأسه....
...شرب، وهو لا يزال ينظر إليها، بينما هي تفرغ كأسها دفعة واحدة، ثم اختطفت كأسه وشربت ما تبقى فيه....
..."كنتُ مضطرّة!"...
..."لا بأس... بالهناء والشفاء."...
..."أي هناء وشفاء؟ هذا سُكر!"...
...ضحك....
...في تلك اللحظة، لم تكن آريا تدرك كيف تحوّلت الليلة من حفلة عادية إلى فصلٍ من رواية لا يمكن أن تُكتَب مرتين....
...الضوء أصبح خافتًا أكثر، والموسيقى تباطأت، وصارت خلفية دافئة لصمتٍ عميق....
...كانا الآن في زاوية هادئة. لا يسمعان من الخارج شيئًا....
...انحنى كيليان قليلًا، وقال بصوت منخفض:...
..."آريا... أتعلمين ما أغرب ما فيكِ؟"...
...رفعت حاجبها، ساخرة:...
..."أنني لا أشرب إلا إذا أُجبرت؟"...
..."أنكِ تخفين فضولًا قاتلًا خلف قناع الاحتراف... وتكذبين على نفسك أكثر من الآخرين."...
...سكتت....
...همست:...
..."وأنت... تجيد المراوغة. تختبئ خلف نُكتك وكؤوسك... تخشى شيئًا لا أعرفه بعد، لكنني سأعرفه."...
...قال بنبرة اعترافية، صادقة:...
..."أخشى... أن أرتاح."...
...نظرت إليه طويلًا، لم يكن هذا الجواب الذي توقّعته، لكنه كان الأصدق....
...ثم أضاف، وعيناه لا تفارقانها:...
..."حين رأيتكِ تلك الليلة... كان عقلي صامتًا. لكن عيناكِ... أشعلتا فيّ كل سؤالٍ ظننته مات."...
...خفضت عينيها، ثم قالت بابتسامة خفيفة:...
..."وأنا... لم أعد أعلم إن كنتَ مجرّد حالة تحليل... أم فخًّا نفسيًا وقعت فيه."...
...اقترب منها، همس قرب خدّها:...
..."لديّ نظرية جديدة... أنتِ الحالة. وأنتِ الفخ. وأنتِ الباحثة... وأنا لا أريد الهروب."...
...رفعت عينيها إليه، واصطدمت النظرات وسط صمتٍ محموم....
..."أتدرين لماذا لم أظهر بعد لقائنا الأول؟"...
...قالت فورًا:...
..."لأنك خبير في التلاعب؟"...
...ابتسم، ابتسامة رجل خلع قناعًا ثقيلًا:...
..."بل لأنني خفت أن أراكِ مجددًا... فتفضحينني."...
..."أفضحك؟"...
..."نعم. كلّ من حاول تحليلي... فشل. إلا أنتِ. وصلتِ إليّ في دقيقة ونصف."...
...شعرت بأن الدم يتراجع من أطرافها. لم تكن تتخيّل أن الهارب منها... هو نفسه الغارق فيها....
...أمسك يدها ببطء، ورفعها إلى فمه، قبّل ظاهر كفّها قبلة خفيفة، ثم قال:...
..."آريا... هذه اللعبة لم تنتهِ. أنا لا زلت أرغب برؤيتكِ تحت الضغط."...
...نظرت إليه بثبات، أجابت بابتسامة واثقة:...
..."أنا خُلقتُ من الضغط... وسأجعلك تختنق من تحليلي."...
...ضحك:...
..."أتهدّدينني؟"...
..."بل أعدك."...
...رفعت كأسها، ثم همست، بنبرة تشبه شرارة مشتعلة تحت الرماد:...
..."هذه الليلة ليست عادية يا كيليان... وهذه القبلة، لن تكون الأخيرة."...
...ثم شربت، ونظرت إليه نظرة عميقة... وكأنها طبعت أثرًا لا يُمحى....
...وللمرّة الأولى... شعر كيليان أن السيطرة خرجت من يده....
Comments