الفصل الثاني: انهيار القلب

كان الليل هادئًا على نحوٍ يخنق، كأن المدينة بأكملها قررت أن تصمت احترامًا لحزنها. في الخارج، كانت السماء رمادية ثقيلة، والمطر يتساقط ببطءٍ كأن كل قطرةٍ تواسي قلبها المحطم. جلست هايسو على الأرض قرب الأريكة، قدماها مطويتان تحت جسدها، وذراعاها متشابكتان حول وسادة صغيرة. الضوء الخافت المنبعث من المصباح الجانبي جعل الغرفة تبدو كأنها لوحة حزينة، كل شيء فيها مبلل بظلٍ من الكآبة.

الهاتف على الطاولة أمامها، شاشته مطفأة، لكنه بدا كعينٍ تراقبها. كانت تشعر أن كل شيء فيها يتنفس ذكرياته، حتى الصمت نفسه صار صوته.

أغمضت عينيها للحظة، تتنفس ببطءٍ ثقيل. لم تكن تعرف هل ما تشعر به ألم أم فراغ. منذ دقائق فقط سمعت ما لم تتخيله قط — أن من أحبته بكل إخلاصٍ خانها. لم يكن الأمر شجارًا أو سوء فهم. بل حقيقة واضحة كالسيف. رسائل، صور، وأحاديث لا تحتمل التأويل. في تلك اللحظة، حين واجهته، لم تسمع منه سوى صمته الطويل… ثم كذبة جديدة تضاف إلى سجلها معه.

تساقطت دموعها ببطء، تجرّ خيط الماسكرا على خديها كأثر معركةٍ صامتة. رفعت يديها لتغطي وجهها، أصابعها باردة ترتجف، وكأن جسدها يرفض تصديق ما حدث. حاولت أن تبتلع شهقتها، لكن صوتها انكسر مثل زجاج. وضعت الوسادة على صدرها واحتضنتها بقوة، كما لو أنها تمسك آخر بقايا نفسها.

الهواء في الغرفة صار ثقيلاً. رائحة المطر تتسلل من الشرفة، تمتزج برائحة عطره القديم التي لا تزال عالقة في الستائر. كل تفصيلة صغيرة تذكّرها به: الكوب الأبيض على الطاولة، القميص الذي نسيه، وحتى الأغنية التي لا تزال تدور في خلفية هاتفها بصوتٍ خافت.

همست بصوتٍ مبحوح، كأنها تكلم نفسها:

— “لماذا؟ كنتُ كل شيءٍ لك…”

لكن لا جواب. سوى صوت المطر وهو يضرب الزجاج بإيقاعٍ حزين، يشبه بكاءً آخر في الخلفية. مدت يدها بتردد نحو الهاتف، فتحته، نظرت إلى اسمه في سجل المكالمات. ترددت لثوانٍ، ثم ضغطت على زر الاتصال. لم تكن تدري ماذا تريد أن تقول، فقط أرادت أن تسمع صوته لتتأكد أنه لم يكن كابوسًا.

رن الهاتف مرة، مرتين، ثم جاء صوته:

— “هايسو؟”

صمتت، وجسدها كله توتر. نبرته كانت مألوفة جدًا، لكنها غريبة فجأة. فيها دفءٌ كاذب.

— “هايسو، أرجوك، لا تفعلي هذا بنفسك. استمعي إليّ فقط.”

أطبقت شفتيها بقوة حتى شعرت بطعم الملح من دموعها، ثم أنهت المكالمة بضغطٍ حاسم. سقط الهاتف من يدها على الأرض، ارتطم بخشونةٍ خافتة.

تكوّرت على نفسها، ركبتاها إلى صدرها، وجهها بين ذراعيها. أنفاسها متقطعة، وكتفاها ترتجفان في صمتٍ موجع. كانت الدموع لا تتوقف، لكنها لم تعد تبكي لأن الحزن طاغٍ… بل لأنها لا تعرف كيف تتوقف. في داخلها، شيءٌ انكسر نهائيًا. ربما ليس الحب فقط، بل الثقة أيضًا، والأمان، وكل شيءٍ كانت تبني عليه حياتها.

نظرت نحو الساعة، كانت تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل — نفس الوقت الذي كان يتصل بها فيه كل ليلة ليقول “تصبحين على خير”. لكن الليلة، أصبحت تلك الجملة لعنة.

وقفت بتعبٍ، مشت بخطواتٍ متعثرة إلى النافذة، أزاحت الستارة قليلاً. المطر ينعكس في الضوء كخيوطٍ فضية طويلة. فتحت الزجاج، فاندفع الهواء البارد إلى وجهها، جعلها ترتجف، لكنه أنعشها قليلًا.

تنفست بعمق وقالت بصوتٍ خافتٍ بالكاد يُسمع:

— “ربما انتهى كل شيء… ولكنني ما زلت هنا.”

عادت وجلست على الأرض من جديد، تراقب هاتفها من بعيد. شعرت للحظةٍ أن حياتها كلها تتلخص في تلك المسافة القصيرة بين يديها والهاتف. ابتسمت بسخرية، ثم انطفأت ابتسامتها بسرعة.

الليل امتد طويلًا، والمطر لم يتوقف. وعندما أغمضت عينيها أخيرًا، لم يكن نومًا بل استسلامًا. وفي ذلك الاستسلام، ولدت في داخلها فكرة صغيرة — أن غدًا، حتى لو كان مؤلمًا، سيأتي على أي حال

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon