كان جميع الأباطرة يستمتعون بوليمتهم الملكية؛ فمن عادة الملوك احترام مائدة الطعام، مهما كان موضوعًا عليها من طعام.
وبينما انشغلت الأنظار بالمأدبة، رمق ملك الأندريكا كلًا من لينا ولاراث بنظرة حادة، ثم أوحى لهما بإشارة بالكاد تُرى... لكنها كانت تحمل في طياتها الكثير.
---
في الحاضر:
> انتفض أدليم فجأة داخل العربة، وحدّق في الفراغ كأنما تذكّر شيئًا مريبًا. قال بصوت خافت يملؤه الذعر:
"سيدي... هل رأيت تلك الإشارة؟!"
> رمقه الملك أوريون بدهشة وقال:
"ها؟ أي إشارة؟!"
> صمت لثوانٍ وهو يفكّر، ثم عقد حاجبيه وغمغم:
"انتظر... الآن بدأ كل شيء يبدو منطقيًا."
> ابتلع أدليم ريقه وقال:
"يبدو أن عدونا... أكبر مما كنا نعتقد، أليس كذلك يا سيدي؟"
> نظر إليه الملك بعينين يملؤهما الغضب المكتوم، وأجاب:
"أجل... مجرد الظرف الأسود الذي استلمه لاراث لا يكفي لطردي من قاعة الأباطرة.
لكن... إن كان توقّعنا صحيحًا..."
ثم التفت فجأة وقال:
"هيا، اتبعني يا أدليم."
> قفز من العربة بخفة، تبعه أدليم، بينما بقي السائق متجمّدًا في مكانه، والطفل على وشك البكاء في العربة، و السائق لا يجرؤ على السؤال.
---
ركض الملك بصعوبة على الطين، خطواته كانت ثقيلة، متقدّمًا على أدليم بعدة خطوات. ومع كل خطوة، كانت عباءته تزداد تلوثًا.
"لا... لن نصل في الوقت المناسب!" قالها وهو يلهث بشدة.
"سيدي، ماذا يجب أن نفعل؟!" صاح أدليم، يركض خلفه.
توقف الملك فجأة، استدار إليه، وعيناه تلمعان بتصميم قاتم:
"اسمع، يا أدليم... ما سأريك إياه الآن من قوتي، لم يره أحدٌ إلا الموتى، أو من اختارهم القدر من سلالتي."
تراجع أدليم خطوة وقال بتردد:
"ماذا ستفعل، يا سيدي؟!"
زفر الملك ببطء، ثم أغمض عينيه، وبدأت تتوهج بلون بنفسجي فاتح، قبل أن يقول بصوت جهوري:
> "استدعاء شبح البرق!"
فورًا، انبعث من حوله ضوء أصفر خاطف، أضاء الغابة كلها، مترافقًا مع رائحة حريق خفيفة واهتزاز في أوراق الأشجار.
أما أدليم، فلم يرَ شيئًا بعد ذلك... لكنه لاحظ أن الملك كان يحدّق في الفراغ، كأنما يتحدث إلى كيان لا يُرى.
ثم جاء صوت غريب، هادئ وحاد، من العدم:
> "إذاً، ما أمرك اليوم؟ ولماذا تخاطر باستدعائي أمام شخص غريب؟"
رد الملك بثقة:
> "انقلني أنا وأدليم فورًا إلى البيت المهترئ الذي كانت تقيم فيه لينا... بسرعة."
سأل الشبح:
> "وهل رأيت هذا المكان بعينيك؟"
أجاب الملك بثبات:
> "نعم، رأيته... هيا."
قال الشبح بصوت أبطأ:
> "إذن... اسمح لي، يا سيدي، بالتطفل على ذكرياتك."
> "تفضل."
بلحظة خاطفة، عمّ ضوءٌ أصفر لامع، ثم اختفى كما ظهر.
فتح أدليم عينيه فجأة، وتلفّت حوله بذهول... لقد أصبحا يقفان أمام بيتٍ الخشبي المهترئ الذي تركا لينا فيه، تتدلّى أطراف سقفه، وتئن أبوابه تحت وطأة الريح.
صاح أدليم وقد علا صوته بالدهشة:
"هااا... ماذا؟! كيف... كيف وصلنا إلى هنا يا سيدي؟! كنا بحاجة إلى نصف يوم على الأقل!"
ابتسم الملك أوريون ابتسامة خفيفة، وقال بنبرة واثقة فيها بعض الكبرياء:
"لن أضيع نصف يوم في الركض، وأترك شخصًا مهمًا يفرّ من بين يدي."
ثم التفت إلى الفراغ وقال ببرود:
"يمكنك الانصراف الآن."
ظهر وميض خافت في الهواء، ثم جاء صوت الشبح الأصفر بهدوء وتواضع:
"كما تشاء يا سيدي."
ثم اختفى بلا أثر... كأن الضوء نفسه قد طواه الزمن.
أشار الملك إلى أدليم وهو يتقدّم نحو الباب:
"هيا، ادخل. علينا أن نعرف الحقيقة كاملة قبل أن يُغلق الباب في وجهنا مرة أخرى."
دخلا إلى البيت بخفة وهدوء حذر، لم يُسمع حتى صدى لخطواتهما فوق الأرضية الخشبية المهترئة… الهواء في الداخل كان ثقيلاً، ممزوجًا بالغبار ورائحة العفن القديم.
لكن المفاجأة كانت كالصاعقة.
كل شيء... مكسّر، محطّم، مغبر. الأثاث مقلوب، الستائر ممزقة، النوافذ محطّمة كأن عاصفة غضب مرت من هنا. لم يكن هذا هو المكان الذي رآه الملك قبل نصف يوم.
توجّها بهدوء إلى القبو، وكل خطوة في الدرج تصدر أنيناً خافتاً كأنّ الخشب يتألم.
حين وصلا، لم يجدا سوى أطلالٍ من الأثاث القديم، وبقايا حطام متناثر… وفوق سرير مخلوع، وُضعت رسالة مطوية بعناية.
حدّق أدليم بالمكان بذهول وقال: "سيدي... أين الغرفة الملكية؟! أين النظافة والبذخ؟!"
نظر إليه الملك أوريون بجمود، ثم قال بصوت منخفض: "لو كنت أعلم... لأخبرتك. لكن يبدو أن استنتاجنا كان صحيحًا."
"هااا؟! ماذا تعني؟!" صاح أدليم بصدمة.
لكن الملك لم يرد مباشرة، بل رفع عينيه ببطء نحو السقف، وكأنّه يشعر بشيء قادم… ثم همس: "سأخبرك بالتفاصيل لاحقًا... لدينا ضيوف الآن."
فجأة، وبلا سابق إنذار، دفع الملك أوريون أدليم بقوة إلى الجدار المقابل، صائحًا بأمر حاسم:
"انبطح، يا أدليم!"
لم يفهم أدليم ما يحدث، لكنه أطاع فورًا. وما إن التصق بالحائط حتى دوّى صوتٌ مرعب من الأعلى — صوتُ شيءٍ ضخم يخترق الخشب والحجارة.
بوووم!
السقف تمزّق بعنف، وسقط منه جسد ضخم ارتطم بالأرض مباشرة فوق الملك أوريون. دوّى صوت الارتطام كزلزال في غرفة القبو، وانتشر الغبار في كل مكان، يغلف الهواء برائحة عفنٍ خانق.
تساقطت الحجارة، وغطّى الصمت المشهد... إلى أن اخترق السكون صوت بارد، كالسُمّ يتسلل إلى قلبك:
"هل ظننت أنك ستفوز دائماً لمجرد أنك على حق...؟"
تردّد الصوت في أرجاء القبو، خافتًا لكنه واضح، وكأنه ينبعث من بين الظلال ذاتها.
"ودعني أفاجئك، أيها الرجل العجوز... أنك أنت الشرير في هذه القصة، لا أنا، أيها الملك أوريون."
قال الملك أوريون بصوت مختنق وهو يحاول النهوض من تحت الركام:
"أعرف هذا الصوت جيدًا... أنت لاراث، أليس كذلك؟"
تعالى صوتٌ هستيري من وسط الظلال، مصحوبًا بضحكة مجنونة:
"أصبت!"
"هاهاهاهاهاهاهاااه!"
كان الصوت يملأ الغرفة ضحكًا كأن شيئًا تحطّم داخله منذ زمن بعيد.
صرخ أدليم بذهول، وعيناه ترتجفان:
"كيف؟! ألم تقل لينا إنك متّ؟! وكيف تحوّل المنزل النظيف إلى هذا الخراب خلال نصف يوم فقط؟! كيف؟! أخبرني، يا سيدي... كيـــــــــف؟!"
استدار لاراث إليه ببطء، بعينين تلمعان بالاحتقار، وقال بنبرة ساخرة:
"يا لك من طفل... وحدهم الأطفال يثرثرون وقت الجِد. ألا تُدرك الموقف؟ سيدك ممدد أسفل قدمي وتحت سيفي... لا وقت لتفاهاتك!"
اقترب خطوة وقال بابتسامة وقحة:
"يبدو أن أتباعك لم يعودوا كما كانوا، أيها الملـ—"
لكنّه لم يُكمل الجملة.
فجأة، جاءته ضربة مباغتة من الملك أوريون، أقوى مما توقع، أطاحت به للخلف عدة أقدام، لتتناثر شظايا الغبار من حوله كرماد الغضب.
"لن أسمح لك بالسخرية من اتباعي " قالها الملك أوريون بثقة عالية وعلا على وجهه الغضب
Comments
Izz hayk
هاد الفصل طويل شوي
2025-08-05
0