نظر إليه الملك، ثم قال مترددًا:
"بلى… لكن أشعر أنني يجب أن—"
صمت لحظة، ثم طرد الفكرة بإيماءة. "أوه، انسَ الأمر. هيا بنا."
دخلا البيت معًا. و على عكس مظهره الخارجي، بدا الداخل مرتبًا بشكلٍ غريب. لا غبار، لا فوضى… بل خزانة نظيفة، وأرضية لامعة.
"يبدو أن أحدهم يعتني بالمكان بشدة." قال أدليم، و نبرته تحمل شيئًا من الحنين و الحزن.
ابتسم الملك ابتسامة صغيرة، وقال:
"أجل... إنها مهووسة نظافة. دائمًا كانت كذلك. إنها—"
فجأة، قُطع حديثه بصوتٍ ناعم... بكاء رضيع، يأتي من أسفل، من جهة القبو.
"سيدي! هيا بنا!"
قال أدليم، وهو يندفع نحو السلالم بسرعة.
"أجل... ليس عليك أن تخبرني."
نزل الاثنان إلى القبو بخطى هادئة، لكن عيونهما تبحث بلهفة.
وهناك… تجسدت المفاجأة.
قبو تحوّل إلى غرفة ملكية صغيرة، مزخرفة بزخارف دقيقة من الذهب والفضة، يتوسّطها تخت أحمر مخملي، تجلس عليه امرأة شاحبة الملامح، تحمل في يديها طفلًا حديث الولادة…
وابتسامتها... كانت تحمل كل ما لم يُقل.
"كنتُ أتوقّع مجيئك، يا سيدي..."
قالتها لينا بصوت خافت، فيه انكسارٌ وخوف.
"آسفة... لا أستطيع الوقوف. صحتي تتدهور هذه الأيام."
نظر إليها الملك أوريون طويلًا، ثم قال بنبرةٍ تحمل مزيجًا من الحزن والسخرية:
"هذه هي ردة فعلك بعد رؤية سيدك؟ يا لينا… يبدو أن الحب يعمي حقًا."
عيونه توقفت عند شعرها الأحمر المموج، كأنها لم تتغير، وكأنها تغيرت تمامًا.
"سيدي... لقد أحببته حبًا قتلني. لم يكن أمامي خيار سوى—"
قاطعها، صوته الحاد كالسيف:
"سوى بيعي، أليس كذلك؟!"
أطرقت برأسها، ثم قالت بصوت مرتعش:
"أجل، يا سيدي. لكننا تزوجنا… وعشنا أيامًا جميلة لا تنسى لقد كنا نشعر بالسعادة .
ولكنه قد مات… أمام عيني. لم يبق لي أحد بعده. لا صديق، ولا عائلة… سوى هذا الطفل.
إن كنتَ ستقتلني… لا مانع لدي. فقط… أرجوك… احمِ هذا الطفل." قالت لينا و دموعها تتساقط و شهقاتها تتوالى
صمت الملك لحظة، ثم قال ببرود قاتل:
"لن أقتلك، يا لينا. الندم فعل ذلك عني. الزمان أكل جسدك، والحب التهم عقلك.
سأتركك هنا… حتى تتعفني مع الذكريات."
صرخت بنبرة أم تهتز في صداها كل الخلايا:
"طفلي! ماذا عن طفلي؟ هل ستنقذه؟!"
نظر إليها دون أن يرمش، ثم قال:
"اطمئني… لن أقتله. سأجعله مفيدًا لي."
دمعت عيناها، ثم تمتمت بصوت شبه ميت:
"شكرًا… يا سيدي."
خرج الملك من القبو بخطوات بطيئة، و الطفل بين ذراعيه، وأدليم خلفه يراقب صمت سيده بعينٍ قلقة.
"ماذا ستُسميه، يا سيدي؟" قال أدليم بقلق!!!
توقف الملك لحظة، تأمل ملامح الطفل التي لا تزال بلا ملامح، ثم قال:
"لنرَ... في الوقت الراهن، سنستعمل الاسم الذي كانت أمه تحبه... لاراث."
تجمد أدليم مكانه،و عيناه قد اتسعتا قليلاً وكأن الاسم أيقظ شيئًا دفينًا:
"لاراث؟… أهذا… اسمه؟!"
أومأ الملك ببطء، ثم تنهد وقال:
"نعم… إنه اسم أشدّ أعدائي."
عمّ صمت قصير، قطعه أدليم بنبرة حذرة:
"سيدي… ألم يحن الوقت لتخبرني بقصتك؟"
صعد الملك إلى العربة البيضاء، نظر إلى الأمام، ثم قال بهدوء:
"سأخبرك بكل شيء… فالطريق أمامنا طويل."
ابتسم أدليم، و قال بحماس طفل صغير:
"إذن أنا متشوق جدًا، يا سيدي."
أشار أدليم إلى السائق، فانطلقت العربة تحت ضوء الغروب، بينما الغابة تبتلعها الظلال رويدًا رويدًا، و البيت يختفي شيئا فشيئا و معه تختفي روحها.
هل أنت مستيقظ، أدليم؟"
"أجل، يا سيدي... لم أنم بعد،" رد أدليم بنعاس.
Comments