هل أنت مستيقظ، أدليم؟"
"أجل، يا سيدي... لم أنم بعد،" رد أدليم بنعاس.
"اسمع..." تنهد الملك، ثم قال: "قصتي ليست من أجمل القصص، ولا من أحزنها. قد لا تكون شيئًا يُذكر أصلًا، لكن بما أنك فضولي لتعرف... فسأخبرك."
"حقًا؟... شكرًا لك يا سيدي. كلي آذانٌ صاغية،" قالها أدليم بحماس.
صحح الملك جلسته، وأمسك التاج الموضوع على رأسه، ثم قال:
"هذا التاج ليس زينةً فقط... إنه أداة سحرية عظيمة، تسجّل كل لحظة مررت بها. أستطيع رؤية الذكريات متى شئت. إنها واحدة من القطع السحرية الكبرى."
"لكن... مجرد تسجيل الذكريات؟ تبدو وظيفة بسيطة لأداة عظيمة!" قال أدليم بسخرية خفيفة.
نظر إليه الملك نظرة صارمة وقال:
"أحيانًا، لا ندرك قيمة الشيء إلا عندما نفقده. وقياس الأشياء بظاهرها عادةٌ سخيفة. جرّب أن تكون مكانه، حينها ستعرف قيمته. هل تفهمني، يا أدليم؟"
أدرك أدليم أن السخرية لم تكن موفقة، فغيّر الموضوع قائلًا:
"وكيف تعمل هذه الأداة؟"
ابتسم الملك بسخرية خفيفة وقال:
"وهل عليّ أن أعلّمك كل شيء؟ تذكر، يا أدليم... لا تُظهر نقاط قوتك لأحد، مهما كانت بسيطة — حتى لأقرب أصدقائك."
قالها بنبرة باردة كالثلج... لكن وقعها كان نارًا في القلب.
استدار الملك قليلًا، معطيًا ظهره لأدليم، ثم ضغط بخفة على عدة أزرار خفية في التاج، ووضعه على ركبتيه، بحيث واجه طرف العربة الآخر.
لم تمضِ سوى ثوانٍ، حتى انبعث صوت غريب من التاج:
"سيدي، ما هو أمرك اليوم؟"
قال الملك بندم خافت:
"عد بي خمس سنوات... إلى تلك الليلة المشؤومةحيث تحوّلت مملكتي من عظمى إلى وسطى... ومن سيّدة الأمم إلى مجرد اسم على خارطة التاريخ."
توهج التاج بلون أزرق باهت، وبدأ يعرض صورًا ضبابية في الهواء، تتحرك كما لو أنها مشهد سينمائي، تنبعث منها رائحة خفيفة تشبه المطر. وهنا... بدأت الحكاية.
صوت المطر الغزير يعم أرجاء الغابة، وصمتٌ مريبٌ يلفّ المكان.
لم يقطعه إلا صوت حوافر الخيول البيضاء، الهائجة، تندفع إلى الأمام بلا تردد، كما لو أنها تعرف طريقها وحدها.
تجرّ الخيول عربة ملكية لامعة، تخترق الظلام بوميضها، تسابق الريح، تُصدر لُهاثًا ناعمًا كلحنٍ خافت وسط العاصفة.
داخل العربة، جلس رجلان:
الأول: هادئ، بملامح صارمة، تحيط به هالة من الرهبة والسكينة.
الثاني: متوتر، نظراته قلقة، عيناه تدوران كأنهما تستشرفان خطرًا قادمًا.
قالت لينا، بنبرة مرتبكة:
"سيدي... ربما كان علينا الاعتذار عن هذه الحفلة."
رد الملك بحزم حاد:
"لا تقولي كلامًا لا يليق بمكانتنا. الاعتذار ممنوع. لن يقول الناس إن هدهد الليل فرّ من صراعه."
حاولت لينا أن تدفعه للتراجع، وقالت:
"لكن... أليس من الأفضل البقاء بجانب زوجتك، خاصةً في هذه الظروف؟"
نظر إليها بهدوء وقال:
"قراري لن يتغير."
ثم تنهد وأضاف:
"الرجل النبيل لا يُخلف وعدًا قطعه على نفسه. أما أنصاف الرجال... فكُثُرٌ في مملكتنا."
توقفت العربة البيضاء أمام قصرٍ مهيب، تكسو جدرانه أزهار الأندريكا النادرة.
تنبت هذه الأزهار مرةً كل خمسة أعوام، وتفوح منها رائحة آسرة كأنها تُنسيك هموم العالم... لكنها تخفي خطراً لا يُرى.
"غطّي أنفكِ جيداً يا لينا، أحياناً تكون الرائحة مخلوطة بسمّ عطريّ فتاك."
قالها الملك بنبرة جادة وهو يفتح نافذة العربة قليلاً.
"حسنًا يا سيدي، لكن... ألستَ تبالغ؟" قالتها بنبرة خفيفة أقرب للغفلة.
رمقها الملك بنظرة شكّ صامتة، ثم قال:
"لا، لستُ أبالغ يا لينا."
ضحكت ضحكة خافتة، كأنها للتوّ تنتبه لحدة ذكائه، لكنها سرعان ما تلاشت حين شعرت بثقل خطواته تنزل من العربة.
دخل الملك بهيبة، تبعته لينا بخطى قلقة.
كان لصدى خطواته وقع خاصّ على أرض القصر، يميّزه من بين جميع الرجال، كأن الجدران تحفظ إيقاعه.
توقّف أمام بابٍ عالٍ، محفور عليه شعار الممالك الإحدى عشرة.
طرق ثلاث طرقات خفيفة... ثم دفع الباب بقوة، ودخل.
غرفة اجتماع الأباطرة كانت هادئة...
طاولة مستديرة ضخمة تملأ منتصف القاعة، محفورة بالرموز الملكية القديمة، وكل كرسيٍّ حولها مزخرف براية إمبراطورية مختلفة.
جلس الملك على كرسيه المعتاد، متصدّراً الطاولة، بنظرة ثابتة لا توحي بما في صدره.
Comments