...اقتربت سايوري من باب المنزل وهي تتنفس بسرعة، كل خطوة تثقل كاهلها أكثر من السابقة. قلبها ما زال يرفرف بعنف منذ الصباح… ما حدث لهانا يطاردها في كل زاوية من ذهنها، وكأن الأرض نفسها تتأرجح تحت قدميها....
...عند الباب، وصلها صراخ خشن من الداخل:...
...– أنتِ من فعل ذلك… أليس كذلك؟...
...فتحت الباب ببطء، ورأت المشهد: والدها يقف في الصالة، وجهه متجهم، وثوبه الممزق في يده. بجانبه كان أخوها الأصغر، يحدّق إليه بعينين مذعورتين، بينما الأم تحاول تهدئة الموقف عبثًا....
...– قلت لك لا تعبث بأشيائي! – صرخ الأب، صوته يرتد في الجدران....
...– لم أفعل شيئًا يا أبي! أقسم! – رد الأخ وهو يتراجع خطوة إلى الخلف....
...تجمّدت سايوري في مكانها، وارتعشت يداها. الكلمات اختنقت في حلقها، بينما شعور غريب بالذنب اجتاحها....
...(آسفة يا أخي… إن كان ما رسمته قد أصبح واقعًا… فأنا المذنبة الحقيقية.)...
...خفضت رأسها وابتلعت شعورها بالعجز، ثم صعدت إلى غرفتها بهدوء، متجاهلة صرخات أبيها وبكاء أخيها....
...---∆---...
...جلست سايوري أمام مكتبها، وضوء الحاسوب ينعكس على وجهها الشاحب. وضعت يديها على لوحة المفاتيح، أصابعها ترتجف كمن يوشك على الاعتراف بجريمة....
...(هل يُعقل… أن الويبتون الذي أكتبه يتحول إلى حقيقة؟ أم أنني أتوهّم؟ لا بد أن أتأكد بنفسي…)...
...فتحت ملفًا جديدًا وبدأت تكتب كلمات بسيطة، تجريبية:...
...> "في الغد… سيسقط كوب ماء على الأرض ويتهشّم."...
...حفظت الملف، حدّقت في الشاشة طويلًا، تترقّب حدوث شيء غريب… لكن لا شيء....
...(ربما لن يحدث فورًا… ربما يحتاج وقتًا.)...
...---∆---...
...مرت ثلاثة أيام ثقيلة، محمّلة بالترقّب....
...اليوم الأول:...
...ظلت سايوري تراقب كل حركة في الصف، عيناها تبحثان عن كوب يسقط أو أي علامة صغيرة… لكن لا شيء....
...اليوم الثاني:...
...جلست في المقصف، تتمنى أن يحدث المشهد أمامها… لكن لا شيء....
...اليوم الثالث:...
...في البيت، وضعت كوب ماء على الطاولة عمدًا، تحدّق به وكأنها تنتظر يدًا خفية تدفعه… لكنه بقي ثابتًا....
...تنهدت سايوري بعمق، وألقت نفسها على سريرها، تحدّق في السقف الأبيض:...
...(إذن… كان مجرد صدفة. نعم… صدفة غريبة فقط. لا علاقة لما حدث مع أبي، ومع هانا بما كتبت.)...
...ابتسمت بضعف، وغطّت وجهها بالوسادة. لأول مرة منذ أيام، شعرت أن قلبها يهدأ، وأن الظل المخيف الذي لاحقها بدأ يتلاشى....
...(من الجيد… أنّه ليس لدي قوة غريبة. أنا فقط… سايوري العادية.)...
...---∆---...
...في اليوم التالي، جلست سايوري على الأريكة، أصابعها تتحرك بكسل على شاشة الهاتف. فجأة ضحكت ضحكة عالية، لدرجة أن أمها رفعت حاجبها....
...– سايوري… انهضي قليلًا، أريدك أن تذهبي لشراء بعض الحاجيات من البقالة....
...رفعت سايوري رأسها ببطء، ملامحها صادمة كأن أمها طلبت منها السفر إلى القمر:...
...– …هااااه؟ أنا؟! ماما، هذا عمل إخوتي! أنا لست مسؤولة عن حمل الأكياس الثقيلة… هذا ليس ضمن عقد حياتي!...
...ابتسمت الأم بخفة:...
...– إخوتك مشغولون....
...شبكت سايوري ذراعيها:...
...– مشغولون؟! كل مرة نفس العذر…...
...في تلك اللحظة، مرّ الأخ الأكبر وهو يصفّف شعره أمام المرآة:...
...– آسف، عندي مقابلة عمل مهمة، لو خرجت الآن سيضيع مني الانطباع الأول....
...تلاه الأخ الأوسط ممسكًا بجهاز التحكم:...
...– لا أستطيع… أنا الآن في معركة مصيرية لإنقاذ البشرية من غزو فضائي… لو تركت الكنترول ثانية واحدة، سينهزم فريقي....
...أما الأخ الأصغر، فظهر ملفوفًا ببطانية:...
...– أمي… لا أستطيع… عندي التزام خطير… يجب أن أكمل سباتي الشتوي…...
...جلست سايوري مكانها، فاغرة فمها، تحدّق في موكب الأعذار وكأنها تشاهد عرضًا مسرحيًا رديئًا....
...– رائع… ممتاز… كل واحد منكم عبقري زمانه! وأنا؟! أنا البطلة الغبية التي يجب أن تتحمل كل شيء؟!...
...رفعت الأم قائمة المشتريات بابتسامة بريئة:...
...– بالضبط....
...تنهدت سايوري بقوة، ورمت الهاتف على الأريكة، تتمتم:...
...– كيف تجعلون شابة جميلة مثلي… تخرج في هذا الوقت…...
...حملت حقيبتها على مضض، تلوّح بيدها كأنها تمضي إلى الحرب:...
...– حسنًا، سأذهب… لكن لتعلموا، لو خُطفتُ في الطريق، سأترك وصية مكتوب فيها: “أرجو أن تُدفنوا إخوتي أحياء بجانبي.”...
...– وأيضًا… إذا انتهت حياتي بطريقة مأساوية، أريد مسلسلًا عن قصتي من عشرين حلقة، مع موسيقى حزينة ودموع في كل مشهد....
...انفجرت الأم بالضحك، وأغلقت سايوري الباب خلفها متجهة نحو البقالة، تتمتم:...
...– سايوري… البطلة المظلومة… التي سقطت ضحية كيس بصل وطماطم....
...[يتبع...]...
Comments