> رفع الأستاذ رأسه من دفتره وقال: - "من يشرح الفرق بين الشعر التقليدي والرومنسي؟"
ساد الصمت لثوانٍ، ثم ارتفعت يد ليان بكل ثقة.
- "تفضلي، ليان."
اعتدلت وقالت بنبرة هادئة: - "الشعر التقليدي يركز على الوزن والقافية، ويهتم بالمواضيع العامة. أما الرومنسي، فهو يتجاوز القواعد، ويعبر عن المشاعر الشخصية والذاتية بصدق وحرية."
الأستاذ ابتسم بإعجاب: - "إجابة ممتازة!"
سُمعت بعض التصفيقات في القسم، وبعض الهمسات المندهشة.
وفجأة... ضحكة ساخرة قطعت الجو.
- "واو، عندنا طالبة تحب تستعرض معلوماتها... شكلك حافظه ويكيبيديا حرفيًا."
كان الصوت من جهة اليسار... من آدم.
ضحك البعض بخفة، وآخرون تبادلوا النظرات.
ليان نظرت إليه ببرود، عينيها ثابتة، ونبرتها هادئة لكنها حادة:
- "على الأقل أنا أفهم الدرس... مو أجي أنام وأتظاهر إني ذكي."
القسم سكت فجأة.
البعض تمتم: "أوفففف..."
أما آدم... فقد شدّ كتفيه بصمت، ونظر إلى الطاولة أمامه دون أي تعليق.
> دقّ الجرس، وتزاحم التلاميذ للخروج من القسم، أصوات وضحك وهمسات تمتلئ بها الممرات.
ليان كانت تهمّ بجمع أدواتها بهدوء، لا زالت تشعر بنبض قلبها بعد المواجهة مع آدم.
فجأة، وقفت أمامها فتاة بابتسامة خفيفة:
- "ليان، صح؟"
رفعت ليان عينيها لتجد الفتاة التي اصطدمت بها صباحًا.
- "أهلاً... سرين، صح؟"
- "بالضبط. حبيت طريقتك في الرد على آدم... مش أي أحد يقدر يسكّته كذا."
- "ما كان قصدي أبدأ مشاكل، بس استفزني صراحة."
سرين ضحكت وقالت: - "تمامًا نفس إحساسي أول ما التقيت فيه. بس ما كان عندي الشجاعة أقول له شيء."
ثم أكملت بلطف: - "تحبين نروح للساحة سوا؟ نرتاح شوي قبل الحصة الثانية؟"
ليان ابتسمت:
- "أكيد، خليني أتهرب شوية من العيون اللي جالسة تراقبني كأني غريبة."
- "لا تشيلي هم، من اليوم خلاص، عندك صديقة."
سارتا معًا وسط الزحام، وخرجا إلى فناء المدرسة حيث أشعة الشمس تتخلل الأشجار، وجلستا على أحد المقاعد، وبدأ الحديث ينساب بهدوء... وكأن الصداقة بدأت بالفعل من أول اصطدام، لكنها الآن تتأكد. 💕
> جلست ليان على المقعد تحت الشجرة، وسرين بجانبها.
نسمة خفيفة مرّت بينهما، تحمل معها بداية هادئة لصداقة واعدة.
سرين نظرت لها وقالت بلطف:
- "بصراحة... لما شفتك تردين على آدم كذا، قلت في نفسي: (أوكي، البنت قوية)."
ليان ضحكت بخفة: - "ما كان قصدي أعمل عرض... بس أسلوبه استفزني جدًا."
- "هذا آدم... دايم يحب يستفز ومغرور يعتبر نفسه مركز الكون كل فتيات المدرسة معجبون به ."
- "حلو... بس مو عليّ".
ضحكت سرين وقالت: - "بالمناسبة، أنا ما لحقت أسألك اليوم الصباح لما صدمتك... من وين نتقلتي؟"
- "من العاصمة، . الوالد تغيّر عمله وجئنا إلى
هنا."
- "ياه، تغيير كبير."
- "جداً... بس أحس إني كنت محتاجة له."
- "يعني ما عندك أحد هنا؟ لا صديقات ولا معارف؟"
- "ولا حتى وحدة. بس بما إنك أول وحدة صدمتني... أعتقد نقدر نعتبرها بداية جميلة."
- "صفقة!" قالتها سرين وهي تمد يدها بابتسامة.
ليان صافحتها وقالت: - "أحلى ❤best friend"
> كانت ليان وسرين تضحكان بهدوء، والجو بينهما أصبح أكثر دفئًا...
فجأة، ظهر من بعيد آدم يسير بخطى هادئة، يحمل علبة عصير باردة، يرتشفها دون استعجال، ونظراته تتنقل بين الطلاب كأن لا شيء يهمه.
اقترب من مكان جلوسهما...
ليان رفعت عينيها دون اهتمام، ثم خفضتها... وكأن وجوده لا يعني لها شيئًا.
لكنه... توقف بجانب المقعد للحظة، أنهى شرب العصير،
ثم ببساطة، رمى العلبة الفارغة عند قدميها مباشرة.
نظر إليها نظرة جانبية وقال بنبرة باردة، فيها سخرية خفية: - "أوه، آسف... ما شفتك 😏"
التفتت إليه ليان ببطء، عينيها تلمع بشيء من الغضب المكبوت.
قبل أن ترد، وضعت سرين يدها على ذراعها وقالت بصوت خافت: - "تجاهليه، هو يدور أي فرصة يزعّلك."
لكن ليان التقطت العلبة من الأرض بهدوء،
وقبل أن يتحرك آدم خطوة، قالت بصوت واضح، خالٍ من الانفعال:
- "الغريب... إنك تزعج نفسك تمر هنا، كأنك تحاول تثبت وجودك بأي طريقة ."
توقف لحظة، التفت نحوها، ابتسم ابتسامة صغيرة لا تُفهم...
- "وجودي واضح... بس شكلك الوحيدة اللي مش قادرة تتقبليه."
- "لا، وجودك واضح جدًا... لدرجة إنه مزعج للعين."
نظر لها للحظة، ثم أكمل سيره وهو يصفّر، كأن شيئًا لم يكن.
سرين التفتت إلى ليان مدهوشة: - "أقسم إنك أول بنت تكلمه بهذا الأسلوب."
- "وأنا آخر وحدة تسمح له يتمادى".
> كانت ليان وسرين لا تزالان جالستين تحت الشجرة، يتبادلن أطراف الحديث وضحكات خفيفة، رغم مرور آدم واستفزازه قبل قليل.
فجأة...
اقتربت منهما فتاة ذات مكياج خفيف لكن متقن، شعرها مسرّح بعناية، خطواتها واثقة...
وقفت أمام ليان ونظرت إليها من رأسها حتى قدميها، ثم قالت بنبرة مليئة بالتلميح:
- "إنتِ الطالبة الجديدة، صح؟ ليان...؟"
رفعت ليان حاجبها، وأجابت بهدوء: - "أيوه، في شي؟"
ليلى ابتسمت ابتسامة بااااردة وقالت: - "لا أبدًا، بس حبيت أقولك... إنو المكان هنا له قوانينه الخاصة، ومش الكل يقدر يتأقلم."
تدخلت سرين بنبرة حادة: - "وإنتِ المسؤولة عن القوانين يعني؟"
ليلى تجاهلتها، وظلت تحدّق في ليان: - "آدم من النوع اللي ما يحب الإزعاج... حاولي ما تلتصقي فيه كثير."
ابتسمت ليان ابتسامة خفيفة... وقالت بهدوء قاتل: - "لا تخافي، ما أحب ألتصق بالقاذورات."
صمتت ليلى للحظة، ثم عضّت شفتها ورفعت حاجبها: - "تمام... منشوف الأيام الجاية."
استدارت وغادرت بخطوات واثقة، لكن الغضب كان واضحًا في عينيها.
سرين انفجرت ضاحكة: - "أوووففف! ليان، أنتي قنبلة متنقلة!"
- "أنا بس أكره اللي يحاول يخيفني بنظراته."
> الجرس دق من جديد.
ليان بدأت تشعر بثقل اليوم الأول، لكنها لا تزال ممسكة بهدوئها، تكتب في دفترها بتركيز.
باب القسم يُفتح فجأة...
دخلت امرأة طويلة، أنيقة في مشيتها، ترتدي نظارة ذات إطار ذهبي، وتحمل دفترًا بيد، ومسطرات طويلة في اليد الأخرى.
الجميع وقف بتلقائية وهم يهمسون:
- "قومي... جات أستاذة ريما."
بصوت ثابت قالت:
- "اجلسوا. الحصة لن تبدأ بتقديم الورود ولا بالشاي، بل بالمسائل."
ضحك خفيف في القسم، لكنها لم تبتسم.
توجهت نحو السبورة، وبدأت تكتب بخط أنيق:
(الدرس: المعادلات ذات المجهول الواحد)
ثم التفتت وقالت:
- "أحتاج شخص يحل المعادلة التالية على السبورة... لكن مش أي أحد. أريد شخص جديد في المدرسة."
نظراتها مرّت على الوجوه... حتى توقفت عند ليان.
- "أنتِ... الفتاة الجديدة، تعالي."
وقفت ليان بهدوء، تقدّمت نحو السبورة، نظرات الجميع تتبعها، خاصة... نظرة ليلى، التي همست:
- "راح تنفضح."
كتبت ليان بخط ثابت، حلّت المعادلة في ٣ خطوات واضحة.
الأستاذة نظرت، ثم قالت:
- "جميل. واضح أنك لستِ جديدة على التفكير."
جلست ليان، وهمست سرين في أذنها:
- "أوه وي، ليلى بدأت تغلي."
ليان ابتسمت بثقة:
- "مشكلتها إنها تلعب مع الشخص الغلط."
في الخلف، كان آدم يراقب بصمت...
ابتسامة صغيرة في زاوية فمه لم ينتبه لها أحد.
> دق الجرس، وبدأ الطلاب بالخروج من الأقسام كأنهم موجة بشرية تبحث عن متنفس.
ليان خرجت مع سرين باتجاه الكافتيريا، الجو حولهما كان مليئًا بالضجيج، لكن بين ضحكاتهما، كان في راحة واضحة.
جلستا على طاولة قرب النافذة، وضعتا صينيتيهما وبدأتا بالأكل.
سرين قالت وهي تفتح علبة العصير: - "ما شاء الله، أول يوم ودخلتي جو التحدي مع ريما والرياضيات!"
ليان ابتسمت: - "توقعت أبدأ بسؤال بسيط، مو معادلة كأنها لغز من الخيال العلمي."
ضحكت سرين، وقبل أن ترد، ظهرت ليلى...
تمشي بخطى واثقة، شعرها مسدول بدقة، عيونها تمرّ على الجميع وكأنها صاحبة المكان.
توقفت عند طاولتهما وقالت بنبرة فيها سمّ خفيف: - "في ناس يحبوا يبالغوا بأول يوم عشان يبينوا مميزين... بس الشهرة عمرها ما تدوم."
ليان رفعت رأسها بهدوء، نظرت إلى ليلى نظرة ثابتة، وابتسمت بثقة خفيفة:
- "ما نحاول نكون مميزين، إحنا مميزين من يوم انخلقنا... حاولي تواكبي."
ليلى تجمّدت لثانية... صمت ثقيل غلّف الموقف.
سرين خنقت ضحكتها ومالت نحو ليان: - "أقسم بالله لساتك داخلة المدرسة ولسّع ما فهموا إنهم وقعوا بمشكلة!"
ليان رفعت كتفيها ببساطة: - "أنا لا أحب أن أقلل إحترامي لأي شخص لكن إذا وصل الامر لكرامتي فلا يهمني من هو ."
> بعد الغداء، كانت ساحة المدرسة بدأت تفرغ تدريجيًا...
ليلى جلست تحت الشجرة الكبيرة في الزاوية الخلفية، محاطة بصديقاتها: سارة، نادين، ولمى.
كانت تمسك بعلبة عصير فارغة، وتضغط عليها بأصابعها بقوة بينما تنظر باتجاه جلوس ليان من بعيد.
سارة همست:
- "شكلها ما أخذتك على محمل الجد..."
ليلى تنهدت بغيظ وقالت:
- "البنت داخلة بثقة كأنها رئيسة المدرسة، وأنا؟ واقفة أتفرج."
نادين:
- "يعني وش ناوية تسوين؟"
ليلى نظرت إليهن بنظرة مكر، ثم قالت:
- "إحنا ما راح نضرب ولا نصرخ... راح نخلّيها تغلط."
لمى:
- "كيف يعني؟"
ليلى ابتسمت ابتسامة شيطانية خفيفة:
- "راح نجهز لها سيناريو بسيط... نوقعها فيه، والنتيجة؟ تصير هي الغلطانة والكل يشوفها على حقيقتها."
سارة:
- "يعني فضيحة قدام الكل؟"
ليلى:
- "مو فضيحة... بس كسر أول نظرة، نبين إنها مش ملاك زي ما باين... وخلي آدم يشوف وجهها الثاني."
لمى ضحكت:
- "حبيت الخطة."
ليلى نهضت وهي تنفض الغبار عن تنورتها:
- "بس أهم شي... بهدوء. إحنا نغرز السم، ونخلي هي تنفجر بنفسها."
> بعد الحصة الأخيرة، الجو في القسم كان هادئًا، الطلاب بدأوا يخرجون واحدًا تلو الآخر،
بقيت ليان في مكانها تنظم دفاترها، بينما كانت حقيبتها مفتوحة على الكرسي.
ليلى دخلت بخطوات ناعمة، تمشي وكأنها ملاك
في يدها الصغيرة... علبة مخملية بلون كحلي، بداخلها عقد فخم من الذهب الأبيض، مرصّع بلمسة من الياقوت...
هدية من والدها قبل أسبوع.
نظرت حولها، القسم شبه فارغ، ليان مشغولة بترتيب دفاترها، وظهرها مواجه للباب.
ليلى اقتربت...
فتحـت الحقيبة بهدوء تام...
وضعت العلبة في الداخل، وأغلقتها بسرعة، ثم تراجعت للخلف بخفة.
لكن...
في الزاوية الأخرى، كان آدم يقف بصمت خلف الباب نصف المغلق.
عيناه متسعتان...
وبيده الهاتف، بدأ يسجل الفيديو منذ لحظة سماعه لخطتها وهي تشكلها مع صديقاتها.
لم يُصدر أي صوت... فقط حدّق في المشهد دون أن يصدق.
> ليلى خرجت بخفة، تمشي وكأنها لم تفعل شيئًا... ابتسامة خبيثة ترتسم على وجهها: - "أيامك المعدودة بدأت يا بطلة."
بعد لحظات...
خرجت ليان هي الأخرى، دون أن تشعر بما حصل.
آدم ظل واقفًا مكانه، ينظر إلى الهاتف في يده.
شهق بصوت خافت:
> - "الجنون هذا راح يجيب مصيبة."
ثم نظر من النافذة...
ليلى كانت واقفة مع صديقاتها، تضحك بثقة وكأنها ضمنت الفوز.
لكن آدم... كانت ملامحه مختلفة.
توتر، تفكير، وغموض...
هل سيُري ليان الفيديو؟
أم يحتفظ به ويختبرها؟
لم يعرف بعد... لكنه بالتأكيد ما عاد يشوف ليلى زي قبل.
Comments