الفصل 2: ظلٌّ خلف ابتسامة

رفعت حقيبتها اليدوية التي تحوي دفتر ملاحظاتها المفضل، قلمها الأزرق، وسماعات الأذن التي ترافقها في كل صباح، ألقت نظرة سريعة على الغرفة قبل أن تُغلق الباب خلفها.

اليوم… تعود إلى "رُواة"، مركز الترجمة الأدبية للكتب والروايات، حيث تعمل مترجمةً للنصوص التي تمشي على الحافة بين اللغة والإحساس.

لكنها لم تكن تعلم…

أن الرواية القادمة، لن تُترجم فقط…

بل ستُعاش.

وبينما كانت رهف تهمّ بالخروج، ارتجّ هاتفها في يدها معلنًا عن مكالمة واردة. رمشت فور أن قرأت الاسم الذي ظهر على الشاشة: ربى الهاشمي.

رفيقتها في العمل منذ خمس سنوات، وتلك الصديقة التي وُلدت بين جدران مركز الترجمة، لا في الطفولة ولا في مقاعد الدراسة. تعارفا بين الكتب، وفي قلب النصوص المترجمة، فانبثق بينهما رابط هادئ.

ضغطت على زر الإجابة فانبثق صوت ربى:

"صباح الخير رهف،كيف حالك؟"

أجابتها بأنها بخير، سألتها ربى: "أين وصلتِ؟ كدتُ أغادر المنزل الآن."

أجابت رهف بابتسامة سريعة وهي تدسّ مفتاح الباب في جيب معطفها:

"أنا في طريقي بالفعل، دقائق وأكون هناك."

ربى… لم تكن لتمرّ دون أن تُلاحَظ، لا بحضورها وحده بل بخياراتها الصارخة في الألوان، وتفاصيل مظهرها التي تتحدى رتابة الأيام.

بشرتها الحنطية تتوهّج بدفء خافت، وعيناها العسليّتان تحملان دهشة الطفولة وحدّة الملاحظة في آنٍ واحد. شعرها الأسود القصير يلامس عنقها بخفة وكأنها قصّته لتجعل روحها أسرع، وأخفّ في التنقّل.

متوسطة القامة، لكنها ذات مشية واثقة كأنها تعلو الأرض بخطواتٍ غير مرئية. في الثالثة والعشرين من عمرها.

أضافت ربى بلهجة عملية:

"سأسبقك إلى المركز لا تتأخري، لدينا اجتماع صباحي اليوم."

"لن أتأخر، انتظريني في المكتب."

أنهت المكالمة وأغلقت رهف الهاتف، وواصلت طريقها…والابتسامة ما تزال تستقرّ على شفتيها.

كان يومًا عاديًا في ظاهره…

لكنها كانت تشعر أن شيئًا مختلفًا يسير معها جنبًا إلى جنب يختبئ خلف التفاصيل.

وصلت رهف إلى مبنى مركز "رُواة" بخطواتٍ هادئة، يرافقها النسيم الصباحي، وكأن المدينة كلّها تُلقي عليها التحية.

ما إن عبرت البوابة الزجاجية حتى التقت نظراتها بوجوه مألوفة، وابتساماتٍ لطالما منحتها شعورًا بالانتماء.

ترددت التحايا من حولها:

"أهلًا بعودتك، رهف!"

"اشتقنا لكِ! كيف كانت الإجازة؟"

"العمل اشتاق لهمستك بين الأوراق!"

ردّت بابتساماتٍ ممتنة، تبادلت بعض الكلمات، ثم سارت نحو القسم المخصص لها، حيث طيفٌ ينتظرها…

ربى كانت واقفة بجانب مكتبها، تنظم بعض الملفات، وعلى وجهها تلك الابتسامة التي تحمل مزيجًا من الحيوية والمرح.

تقدّمت رهف نحوها بسرعة، واحتضنتها بشوق:

"ربى… كم افتقدتكِ!"

"وأنا أكثر، المكان كان باهتًا بدونك."

لكن رهف في لحظةٍ خاطفةٍ صامتة، وبينما تتأمل عيني صديقتها العسليّتين، شعرت بشيء لم تعرف له اسمًا…

شعور مبهم كأن ظلًّا مرّ بينهما، ربى كانت تضحك، تتحدث، ترحب بها بكل الحماسة المعتادة…

لكن في عينيها شيء لم يُترجم بالكلمات كأن هناك صفحة تطويها دومًا قبل أن تراها رهف، أو حقيقة تُبقيها خلف ستارٍ شفاف.

تجاهلت رهف الشعور، أو هكذا حاولت. هزّت رأسها بخفة، كأنها توبّخ قلبها على وساوسه، ثم جلست على مقعدها، تتنفس بعمق.

لكن ذاك الإحساس… بقي يتردد بصمت في قلبها:

"ما الذي تُخفيه عني يا ربى؟"

✦────── • ✦────── • ✦────── • ✦────── • ✦────── • ✦────── •

...ربما نقرأ الكلمات ظنًّا منا أننا من نمسك بزمام الحكاية، لكن الحقيقة أحيانًا… أن الحكاية هي من تختارنا....

...في التفاصيل الصغيرة يكمن التحوّل، في النظرات التي لا تُفسَّر، وفي الظلال التي تمرّ خفيفة لكنها لا تُنسى…...

...هل انتبهت يومًا لتلك اللحظة التي شعرت فيها أن الواقع تهيّأ لشيء لم تفهمه بعد؟...

مختارات
1 الفصل1: بين الغفوة واليقظة
2 الفصل 2: ظلٌّ خلف ابتسامة
3 الفصل 3:حين يشتعل الصمت
4 الفصل 4: بين لطفٍ عابر... وجرحٍ مقيم
5 الفصل 5: قلبٌ لا يحتمل القسوة
6 الفصل 6: الخمسة....وسرّ الذبول
7 الفصل 7: أخافني... لأنه رآني
8 الفصل 8: كأنهم يلعبون... وأنا أجهل القواعد
9 الفصل 9: الكتمان المؤلم
10 الفصل 10: نسمات الصباح
11 الفصل 11: وميض الغيرة
12 الفصل 12: بداية التحول
13 الفصل 13: الظلّ الذي رأى كل شيء
14 الفصل 14: حين يصحو الظلام
15 الفصل 15: على حافة الانفجار
16 الفصل 16: قلوب لم تّعلن الحرب بعد
17 الفصل 17: خيط بين الرجفة واللهفة
18 الفصل 18: ألم لا يقال
19 الفصل 19: يد تمتد... وقلب يتراجع
20 الفصل 20: حين وقفت ولم أعد كما كنت
21 الفصل 21: حين يغلق القلب ببطء
22 الفصل 22: حين يبرد الوطن
23 الفصل 23: حين يبوح الصمت
24 الفصل 24: خطوات في الظل... نحو المستور
25 الفصل 25: حين سقط القناع
26 الفصل 26: حين يسقط القناع
27 الفصل 27: رسالة منتصف الليل
28 الفصل 28: خروج من الوهم
29 الفصل 29: أنا هنا... وسأبقى
30 الفصل 30: أحاديث منتصف القلب
مختارات

30تم تحديث

1
الفصل1: بين الغفوة واليقظة
2
الفصل 2: ظلٌّ خلف ابتسامة
3
الفصل 3:حين يشتعل الصمت
4
الفصل 4: بين لطفٍ عابر... وجرحٍ مقيم
5
الفصل 5: قلبٌ لا يحتمل القسوة
6
الفصل 6: الخمسة....وسرّ الذبول
7
الفصل 7: أخافني... لأنه رآني
8
الفصل 8: كأنهم يلعبون... وأنا أجهل القواعد
9
الفصل 9: الكتمان المؤلم
10
الفصل 10: نسمات الصباح
11
الفصل 11: وميض الغيرة
12
الفصل 12: بداية التحول
13
الفصل 13: الظلّ الذي رأى كل شيء
14
الفصل 14: حين يصحو الظلام
15
الفصل 15: على حافة الانفجار
16
الفصل 16: قلوب لم تّعلن الحرب بعد
17
الفصل 17: خيط بين الرجفة واللهفة
18
الفصل 18: ألم لا يقال
19
الفصل 19: يد تمتد... وقلب يتراجع
20
الفصل 20: حين وقفت ولم أعد كما كنت
21
الفصل 21: حين يغلق القلب ببطء
22
الفصل 22: حين يبرد الوطن
23
الفصل 23: حين يبوح الصمت
24
الفصل 24: خطوات في الظل... نحو المستور
25
الفصل 25: حين سقط القناع
26
الفصل 26: حين يسقط القناع
27
الفصل 27: رسالة منتصف الليل
28
الفصل 28: خروج من الوهم
29
الفصل 29: أنا هنا... وسأبقى
30
الفصل 30: أحاديث منتصف القلب

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon