إختفاء بلا أثر
...⠀⠀ ⠀⠀⠀✧ تنويه بسيط من الكاتبة ✧...
...أكتبُ بدافع الشغف، وأمشي بخطى متعثرة نحو الحلم، وأعلم أن الطريق لا يُمهَّد إلا بالتجربة والخطأ....
...أتقبل النقد الإيجابي بكل امتنان، فهو الوقود الذي يدفعني للأمام ويزرع في قلبي بذور الحماس....
...كما أرحب بالنقد السلبي ما دام بنّاءً لأنه مرآتي التي أتعلم منها،...
...وأُصحح بها عيوبي، وأصقل بها قلمي....
...لذا لا تترددوا في مشاركتي رأيكم، فكل كلمة تهمّني... وكل ملاحظة تُعلّمني....
...✦...
...────── • ──────✦✦────── • ────── • ──────✦✦────── •...
...──────✦...
كان الممر طويلاً... أطول مما ينبغي، بلا نهاية واضحة، تتلوى جدرانه كما لو كانت تتنفس. كانت رهف تسير فيه حافية، قدماها تلامسان أرضًا ناعمة باردة كأنها من حجرٍ صُقِل خصيصًا لليالٍ كهذه. لم تكن تعرف إلى أين تقودها خطواتها، لكنها لم تكن خائفة. العتمة التي تلف المكان لم تكن مخيفة، بل كانت تشبه حضنًا قديمًا نسيته الذاكرة وتذكّره القلب.
على جانبي الممر أبواب خشبية عالية، بعضها موارب، بعضها مغلق بإحكام، وبعضها بدا وكأن أحدهم قد غادره للتو. وكان هناك شيء في الجو... رائحة الورق العتيق، ممزوجة بندى الفجر، وكأن الزمان قد توقف هنا منذ قرنٍ أو أكثر.
ت
وقفت.
صوت خافت تسلل من مكانٍ ما، ليس كالصوت الذي يُسمع بالأذن، بل كأنّه ينبت في القلب مباشرة. كان همسًا دافئًا يحمل اسمها...
"رهف..."
ارتعشت يدها. التفتت سريعًا فلم تجد أحدًا. لكن الممر تغيّر فجأة... الأرض باتت كأنها مبللة بندى الحنين، والجدران اقتربت قليلاً وكأنها تُصغي لما يجري في داخلها. ثم في طرف الرؤية لمحته.
كان هناك، واقفًا تحت ضوءٍ باهت، بالكاد يُرى.
وجهه غير واضح لكنه ليس غريبًا. فيه شيء منها أو ربما شيء فقدته ذات عمر. أرادت أن تناديه، لكن صوتها انحبس، فركضت. خطواتها أسرعت، لكنها كلما اقتربت كان هو يبتعد ببطء متعمد، كمن يريد أن تُدركه ولا تُدركه في آن.
قالت في سرّها:
"لا تذهب... لا تبتعد عني... انتظرني..."
لكن الممر تمدد أكثر، وضوءه خفت، وضباب خفيف بدأ يتكثف كأن الليل نفسه بدأ ينسحب من السماء وينزل إلى الأرض ليغمر كل شيء.
وفجأة... توقفت هي قبل أن تتوقف قدماها.
كلمات تناثرت في الهواء، كأن أحدهم كتبها بحبرٍ أبيض على صفحة الليل، وكانت تتلاشى قبل أن تفهمها. شعرت بشيء يضغط على صدرها، ليس ألمًا بل انقباضًا ناعمًا يشبه لحظة البكاء الصامت. رفعت يدها لتلمس قلبها، لكنه لم يكن في مكانه، أو ربما... لم يكن كما هو.
ثم كأن الكون كله انقلب فجأة، دوى صوت الهاتف في أذنيها، عنيفًا، حادًا، غريبًا على هذا الهدوء الذي كانت تسبح فيه.
فتحت عينيها...
كان ضوء الصباح قد بدأ ينساب من النافذة، خفيفًا كابتسامةٍ مترددة. نظرت إلى الساعة: السابعة إلا عشر دقائق. رفّت بجفنيها ببطء كأنها لم تستيقظ تمامًا بعد. بقي شيء من الحلم يلتف حول عنقها، شيء لم تستطع خلعه بسهولة.
جلست في سريرها، لم تتحرك. فقط جلست، وعيناها معلّقتان بالسقف. قلبها ينبض على إيقاع مختلف كأنها استيقظت بجزءٍ ناقص منها، أو ربما بجزء جديد لم تعهده من قبل.
همست:
"من كان ذلك؟"
ولم تُجبها إلا سكينةٌ غريبة كما لو أن الحلم لم ينتهِ، بل غادر الغرفة قبيل استيقاظها بلحظة.
تحركت ببطء وكأنها تتحاشى أن تُوقظ شيئًا نائمًا في قلبها. وقفت أمام المرآة بوجهٍ لم يكن مرهقًا، لكنه لم يكن عاديًا أيضًا. كانت عيناها أعمق من العادة، كأنها رأت شيئًا لا يُحكى.
أمسكت خصلة من شعرها البرتقالي، تأملت لونها المائل إلى ضوء الغروب ثم تركتها تسقط.
دخلت الحمّام بهدوء، كأنها تدخل عالماً صغيراً من السكينة وأغلقت الباب وراءها برفق. دفقات الماء كانت تتساقط على جسدها كوشوشة ناعمة من الغيم، تغسل عنها بقايا الحلم وبقايا تعبٍ لا يُرى.
حين خرجت كان البخار قد عانق المرايا، ودفء الماء ما زال يلامس بشرتها. لفت جسدها بمنشفة بيضاء نقية، ثم بدأت تتهيّأ ليومٍ بدا وكأنه يحمل نغمةً مختلفة في قلبه.
اختارت فستانًا من قماش الشيفون بلون الورود الهادئة، ينسدل بنعومة على جسدها الرياضي المتناسق، الذي يحمل في توازنه بين القوة والأنوثة توازناً رقيقًا لا يخلو من الجاذبية. الفستان طويل يلامس كاحليها برقة، وأكمامه شفافة تمتد حتى معصميها مطرزة بخيوط دقيقة تشبه ندى الصباح على بتلات الورود. كل حركة من حركاتها كانت تعكس انسياب الفستان كأنه جزء من أنفاسها.
صففت شعرها البرتقالي الطويل بعناية، تركته منسدلًا بحرية على كتفيها تتخلله خصلات متمردة تميل إلى لون الشمس لحظة الغروب. لونه الغريب كان دائمًا يثير الانتباه، لكنه على وجهها بدا طبيعيًا وكأنه صُنع لها خصيصًا.
عيناها، تلك العينان البرتقاليتان الواسعتان تشعان كأنهما جمرة مضيئة في بحرٍ من النور، تحملان بين ألوانهما لمعةً نادرة كما لو أن الطبيعة أرادت أن تحفظ سرًا صغيرًا في عينيها تضفي عليهما سحرًا خفيًا وجاذبية لا تُقاوم.
بشرتها ناعمة كحريرتحمل دفئًا طبيعيًا لا يخلو من إشراقة شبابية مع لمسة توازن بين بياض ودفء يدعو إلى الهدوء والراحة للناظر.
وضعت لمسة خفيفة من عطرها المفضل الذي يشبهها... ليس صاخبًا لكنه يترك أثرًا ناعمًا في الذاكرة، ثم نظرت إلى انعكاسها في المرآة.
كانت كأنها نسمة تمشي على الأرض، خجولة لكنها تعرف أنها جميلة.
...────── • ──────✦✦────── • ────── • ──────...
...هذا الفصل جاء قصيرًا كنسمة رقيقة تمرّ برقة على صفحات بداية الحكاية ليكون مقدمة متأنية تسمح لكم بالتأمل والتهيؤ، الفصول القادمة ابتداءً من الفصل السادس ستتسع أفقها وتغدو أعمق وأغنى بتفاصيل تتنفس الحياة بين سطورها...
30تم تحديث
Comments