...الفصل الثالث — الإمبراطور فاليريوس...
...سكنت القاعة الكبرى تحت قوس الرخام الأسود، المكان الذي يعكس قوة المملكة وهيبة الإمبراطور. الشموع توهجت بصمت، ترسل ظلالها على الجدران، لكن الضوء لم يكن كافيًا ليخفف من صرامة الجو. أمامي، زنزانة الخونة، حيث أُحتجز آستر وكل من خان المملكة....
...جلست على عرشي، جسدي متمدد بثقة، ويدي على مسند العرش، أراقب كل حركة داخل القاعة. كان هناك ترتيب في كل شيء، حتى الصمت يبدو خاضعًا لإرادتي. لم أكن مضطرًا للحديث، لكني أريد أن أشعر بخطرهم، أن أسمع كيف يهابونني....
...اقترب قائد الحرس، صوته متوترًا:...
...«سيدي… الخونة ينتظرون حكمك.»...
...«انتظروا الحكم ، سيصدر حين يحين الوقت. لا أحد يتحرك دون إذني!.»...
...هذه الاثناء ...
...آستر جلست في الزنزانة، وجهها نصفه مخفي في الظل، عيناها تحدقان فيّ دون خوف. شيء في وقفتها أثار اهتمامي، لكنه لم يضعف هيبتي. جلست أراقبها بهدوء كامل، كأنني أوزن كل كلمة، كل حركة، كل نبضة قلب....
...«انتِ… أيتها الفتاة المتمردة. اعرفي أن كل فعل لك تحت مراقبتي. لا أحد يتهرب من حكم الإمبراطور، لا أحد.»...
...ابتسمت ابتسامة سخرية، لكن صوتها خافت وهو يخرج من بين أسنانها:...
... «حتى أنت، فاليريوس… لن تستطيع كسر كل شيء.»...
...رمقتُها بشيءٍ من البرود و الاستخفاف فهي الان مجرد سجينة هنا...
...«كسر؟ ليس كسرًا… إنه القضاء على الضعف. وأنت جزء من الضعف الذي يجب أن يُزال.»...
...تقدمت نحو الزنزانة، خطواتي ثقيلة وثابتة، كل خطوة تصدر صدى الرخام كأنها إعلان عن قوة لا تُقاوم. فتحت باب الزنزانة ببطء، ونظرت إليها مباشرة، دون أن أدع أي شعور يخرج من عينيّ....
...«من أجل المملكة، ومن أجل النظام… سيتم الفصل بين من يستحق الحياة ومن لا يستحق. وأنت، ايتها الصغيرة… ستعرفين مكانك.»...
...آستر لم تحرك ساكنًا، لكن كل كلمة منها كانت مدفوعة بتحدٍ واضح:...
...آستر: «سأفضل قطع رأسي على ركوعي لك.» ...
...صَمتت لبرهة ثم أجابت بنبرة يتخللها السخرية...
...«جلالتك....»...
...أسودت عينا الإمبراطور غيظًا من طُغيانها فصدح صوته ...
...الغليظ مزمجرًا...
...«لن يُسمح بالعصيان أو التحدي. كل من يفكر بالمواجهة… سيجد أن نهايته حتمية.»...
...التفت إلى الوزير، كأنني أُعيد ترتيب رقعة شطرنج ضخمة:...
...«القرار النهائي؟ أعدام جميع الخونة بساحة المملكة ليكونوا عبرةً لكل من تراوده نفسه للطاحة بحكم امبراطوره ! لكن هذه أبقها حبيسة الزنازين حتى اجدها متعفنة هنا وأي حركة صغيرة… ستكلف حياتها.»...
...الوزير: «نعم، سموك!.»...
...تقدمت آستر خطوة إلى الوراء، لكن لم تكن رهبة، بل تقييم لكل كلمة، لكل تصرف. شعرت أنها تحاول قراءة قوتي، لكنها لم تدرك أن القوة ليست في الحركة أو الصمت… إنها في الهيبة، في القدرة على إصدار الحكم من دون ارتعاش....
...فاليريوس (بصوت حازم): «استمعي جيدًا، يا انتِ. ليس هناك مجال للمراوغة أو للغموض. كل شيء تحت مراقبتي، وكل كلمة لك ستسجل. أي تحرك خاطئ… النهاية قريبة.»...
...هدأ الجميع، والجو مشحون بالصمت. الحراس يراقبون عن كثب، كل عين على كل خائن، وكل خيانة محتملة. شعرت بالقوة تتدفق في كل جزء مني، كل عضلة، كل نبضة قلب، كل حركة، وكأن المملكة نفسها كانت تتنفس من خلالي....
...همستُ لذاتي :...
...«أفكارهم، غضبهم، كل تحدٍ… سيكون تحت قدمي. لا مكان للضعف هنا. لا مكان لأي شيء سوى إرادة الإمبراطور.»...
...آستر جلست مرة أخرى في الزنزانة، عينيها لا تفارقني، لكنها لم تعد مبتسمة. الآن يبدو الغضب مصحوبًا بالترقب. كان واضحًا أنها تفهمت أن الهيبة ليست مجرد كلمات، بل أفعال، وأن كل شيء في هذا القصر يتوقف على إرادتي وحدي....
...فاليريوس: «دعوها تحت الرقابة المشددة. لا تراخٍ. لا أخطاء. كل من يفكر في العصيان… سيكتشف أن الإمبراطور لا يُهزم.»...
...خرجت من الزنزانة، كل خطوة تصدح بالسلطة، والجميع في صمت، يعرف أن كل كلمة أو حركة ستكون تحت تقديري، وكل خطأ… سيكون نهايته....
...جلست على عرشي مرة أخرى، أراقب الليل يسقط على القصر، والنجوم تلمع فوق الأسوار. شعرت بأن كل شيء مضبوط، كل شيء تحت السيطرة… لكن هناك هذا التحدي المستمر، هذه الفتاة التي لم تنكسر بعد، والتي تحمل في عينيها غضبًا وماضيًا لم يكشف بعد....
...فاليريوس (بصوت حاد): «تلك المتمردة… العالم لا يُهزم بالكلمات أو بالخيانات الصغيرة. إنه يُهزم بالقوة، بالسيطرة، وبالهيبة. وتذكري… لا أحد يمكن أن يتحدى الإمبراطور ويظل حيًا.»...
...في صمت الليل، شعرت أن المملكة بأكملها تتنفس معي، كل حجر وكل قصر وكل جندي… وكل شيء تحت إرادة الإمبراطور....
...آستر لم تعرف بعد ما ينتظرها، لكنها شعرت بوجوده… الهيبة، الصرامة، السلطة. كانت تعلم أن كل خطوة خاطئة ستكلف حياتها، وكل تحدٍ… لن يكون إلا تحت ناظري....
...---...
...جلست على العرش بعد أن عاد الجميع إلى مواقعهم، والزنزانة تحوي آستر والخونة الآخرين تحت المراقبة المشددة بانتظار الغد لتنفيذ حكم الاعدام. القاعة الكبيرة صامتة، والشموع تتراقص مع النسيم البارد، لكنها لم تخفف من حضور الإمبراطور، ولا من صرامة قراراته....
...رغم هيبتي الظاهرة، شعرت بوخزة غريبة في قلبي، شعور لم أعتده منذ سنوات. نظرة تلك الفتاة لم تفارقني، ذلك التحدي في عينيها، الذي بدا وكأنه يقرأ كل شيء عني، وكأنه يتجاوز القوة ويصل إلى شيء أعمق، شيء لم أرغب فيه ولا أفهمه....
...فاليريوس (همسًا لنفسه):...
...«ما هذا الشعور…؟ هذه الفتاة… لا تهزني كأي خائن آخر… بل…»...
...توقف لثانية، أخذت يدي على مسند العرش بإحكام، محاولًا استعادة رباطة جأشي، لكن شعورًا غامضًا يضغط على عقلي. ليس خوفًا من سلطتها، بل من فضولها، ومن حقيقة ماضيها المظلم الذي لم يكشف بعد....
...فاليريوس (بصوت منخفض صارم):...
...«لا… لن يكون هناك أي مجال للضعف. كل شيء تحت سيطرتي. كل خطوة، كل كلمة… تحت إرادتي. هي مجرد لغز… لغز يجب أن أحله بدون أن أضعف.»...
...أدركت أن التحدي الذي تمثله آستر ليس فقط سياسيًا أو خائنًا، بل شخصيًا، شعور يربطني بها بطريقة غامضة، لكنها لم تكن تعرف أنني لاحظت كل شيء، وأن كل حركة منها تجعلني أقيس قوتي الداخلية وصمتي الحازم....
...قمت من على العرش، ووقفت في منتصف القاعة، كل خطوة تصدح بالسيطرة المطلقة، كل حركة توضح أن الإمبراطور هو من يقرر كل شيء. الغرفة صمتت تمامًا، وكأن الجميع يشعر بأن القوة التي تمثلها حاضرة أكثر من أي وقت مضى، وأن أي خطأ… سيكون له ثمن لا يغتفر....
...فاليريوس (بهمس):...
...« ربما لم تعرف بعد، لكن كل شيء بيننا لم يبدأ بعد. وستكون كل خطوة، كل كلمة، تحت ناظري… وكل شيء ستفعله سيحدد مصيرك… ومصيري أيضًا.»...
...في هذا الصمت الثقيل، شعرت أن الليل أصبح حارسًا لنا، والنجوم فوق القصر تراقب كل شيء. آستر لم تعرف بعد أن القوة ليست فقط في الصرامة أو الخوف، بل في السيطرة المطلقة على كل ما حولها، وفي القدرة على فرض الهيبة، حتى لو كان الصراع داخليًا....
...وبهذا، غادر فاليريوس القاعة، تاركًا آستر تحت المراقبة المشددة، لكنه حاملاً في داخله شعورًا متناقضًا: سيطرة لا تُقهر، لكنها مختلطة بفضول غامض حول هذه الفتاة التي لم تكشف بعد كل أسرارها، والتي، بلا شك، سافكك احجيتها قطعة قطعة...
...---...
...النهاية...
Comments