بين الوهم و الوجود

🌒 الفصل الخامس: بين الوهم والوجود

المتاهة ليست مكانًا يمكن الخروج منه، بل هي حالة من الانكشاف المستمر.

كلما اعتقدتُ أنني أقترب من النهاية، شعرتُ أنني عدتُ إلى البداية، ولكن بشكلٍ آخر.

أما بالنسبة لي، لم يكن هناك نهاية حقيقية.

لأن النهاية نفسها كانت معبراً إلى متاهة جديدة، وحين اعتقدتُ أنني قد فهمت كل شيء، اكتشفتُ أنني أبحث عن شيءٍ آخر كان دائمًا هنا.

ربما لم يكن لدي سوى أن أستمر في الحركة.

ربما كانت المتاهة هي الحيلة الوحيدة التي كان الكون يلعبها معي: أن أحاول أن أجد شيئًا غير موجود، بينما هو يختفي في داخلي.

لكن في تلك اللحظة، عندما اختفى كل شيء من حولي، أدركتُ أنه يجب عليَّ أن أجد بدايةً جديدة.

بداية تتجاوز الخطوط الوهمية التي رسمتها بيني وبين نفسي.

بداية تُعلمني أن كل خطوة هي العودة إلى الذات، وأن الذهاب بعيدًا هو مجرد محاولة أخرى للعودة إلى حيث بدأت.

هكذا، بدأت أسمع ذلك الصوت مرة أخرى.

لكن هذه المرة، لم يكن الصوت مجرد همساتٍ خافتة من الكون.

كان أكثر وضوحًا، أعمق، يشبه دعوة ملحّة تأتي من مكانٍ أبعد بكثير من الداخل.

كان الصوت يقول لي:

> "أنت لا تخرج، أنت تتنقل بين العوالم. ليس بين المكان والزمان، ولكن بين ذاتك وأنت."

الصوت، ذلك الصوت الذي كان يتردد في ذهنك كما في قلبك، بدا كما لو أنه كان يرقبني من الزمان والمكان، ويسحبني إلى حيث لا أستطيع الهروب.

لقد كانت النداءات تتلاشى في الداخل، على الرغم من أنني كنت قد ظننت أنني قد وصلت إلى مكانٍ جديد.

هل كانت هذه الأصداء هي الأشياء التي كنت أبحث عنها؟ أم أنني كنت أبحث في غير مكانها؟

فجأة، بدأ كل شيء في التحرك من حولي.

التشابك الذي شعرت به من قبل أصبح أكثر وضوحًا، وكانت الألوان تتماوج في نسيجٍ لا يمكن تفسيره.

كأنني دخلت إلى شاشةٍ هلامية، كانت كل صورة منها تتبدل كل ثانية، تظهر ثم تختفي، تحمل في طياتها أبعادًا غير قابلة للفهم.

كانت هناك وجوهٌ تتحرك، ولكنها لم تكن وجوهًا حقيقية.

أرواح تتجسد للحظات ثم تختفي في الهواء، تركت وراءها فقط رائحة الحنين التي لم أستطع تحديدها.

في تلك اللحظة، قررت أن أتبع ذلك الصوت.

ربما كنت أهرب، وربما كنت أواجه شيئًا لم أكن أستطيع تفسيره.

لكن كان لدي يقينٌ غريب: كل شيء سيكشف لي في الوقت المناسب.

لم تكن هناك حاجة للفهم الفوري.

كنت أؤمن أن الوجود في حد ذاته هو المفتاح، وأن كل شيء سيحدث في الوقت الذي يجب أن يحدث فيه.

خطوت خطوة أخرى، ثم نظرت خلفي.

كانت الطريق التي كنت قد سلكتها تختفي، كما لو أنني كنت أتحرك عبر عالم غير ملموس.

لكن في نفس اللحظة، شعرت بشيء غريب: شيء كان يراقبني.

لم يكن هناك أحد، ولكنني شعرت بوجودٍ غير مرئي، كأن الظلال التي تحيط بي هي جزءٌ مني، لكنني لم أكن أستطيع أن أفهمها.

هل كنت أستطيع الهروب منها؟ أم أنني كنت أهرب من نفسي؟

الكل كان يتحرك من حولي، لكنني كنت في مكان ثابت.

كل شيء يتداخل، ولكنني في النهاية كنت مكانًا واحدًا، مجرد نقطة في مركز الكون.

ولكن هل كانت هذه النقطة هي التي أعطتني المعنى؟ أم أنني كنت أبحث عن المعنى في شيء آخر؟

أين تكمن الحقيقة، في الحركة أم في السكون؟

على الرغم من أنني كنت محاطًا بهذا الاضطراب، شعرت بشيء عميق في داخلي:

كل هذه الأشياء هي جزءٌ مني.

كل خطوة كانت تعبيرًا عن الحركة التي لا تنتهي بين داخلي وبين الكون من حولي.

كلما تخيلت أنني قد وصلت إلى نهاية، ظهرت بداية جديدة، وكلما اعتقدت أنني قد فهمت، أدركت أنني كنت فقط أختبر ما كنت قد فهمته بالفعل.

إنها لعبة مستمرة، وليست مفاهيم ثابتة.

ولكني كنت قد اقتربت، اقتربت من نقطةٍ أدركت فيها أنني لن أكون أبداً بعيدًا عن نفسي.

كان الكون يعكس صورتي كما لو كان مرآةً كبيرة، لكنني لا أستطيع أن أرى نفسي فيها.

ربما لأنني كنت أبحث عن نفسي في مكان آخر، بينما كانت الإجابة أمامي دائمًا، في تلك اللحظة الفاصلة بين الوعي والظلال.

ثم، أخيرًا، حدث شيء جديد.

بدأت الألوان التي تحيط بي تأخذ شكلًا مختلفًا.

كانت تتحول تدريجيًا إلى ملامح، ثم إلى صور، وجوه قديمة ظهرت لي كما لو أن الزمن كان قد انفجر أمام عيني.

شخصيات لم ألتق بها أبدًا، أماكن لم أزرها من قبل، وكأن العالم قد بدأ يعيد تشكيل نفسه في عقلي.

كانت صورًا مليئة بالتفاصيل، حتى أنني شعرت أنني أعيش مع هذه الشخصيات في نفس اللحظة، ولكن من مكانٍ آخر، بعيدًا عن الزمن.

ما الذي كان يحدث هنا؟

هل كان هذا الجزء من الوعي جزءًا من تلك المتاهة التي كنت أبحث عنها طوال هذا الوقت؟

أم أنني كنت أعيش في لحظة حقيقية الآن، هي الحقيقة التي كنت أفتقدها دون أن أدرك؟

هل كنت أفهم العالم في هذه اللحظة، أم أنني كنت فقط أحاول فهم نفسي في هذا العالم؟

ثم، في لحظةٍ غريبة، توقفتُ عن التحرك.

كنت أستطيع أن أشعر بكل شيء في الداخل، ولكنني لم أكن أتحرك.

كان الوقت قد توقف، وكان كل شيء في داخلي هادئًا جدًا.

لقد شعرت أنني قد نضجت في داخلي، أنني قد اكتشفت شيئًا عميقًا حول وجودي، وأنه لا يمكنني الهروب منه، ولا من أي شيء آخر.

ولكن في نفس اللحظة، ظهرت أمامي صورة أخرى.

كانت تلك الصورة تمثل العودة.

هل كنت قد عدت إلى نقطة البداية؟

أم أنني كنت أخطو في بدايةٍ جديدة؟

لكنني في تلك اللحظة، فهمت.

كانت البداية هي النهاية، والنهاية هي البداية.

كل شيء في هذا الكون يعبر في حلقاتٍ متواصلة، لا تتوقف ولا تنتهي.

كانت الحقيقة دائمًا في الحركة، وفي الانتقال المستمر بين الأبعاد، بين الوجود واللاوجود.

كل شيء يتداخل، وكل شيء يعود.

وكان هذا هو الطريق الذي كنت أبحث عنه.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon