"حين دلتني الطريق"

^^^لم يكن اليوم مختلفًا عن غيره من الأيام… رائحة الكتب تملأ المكان، صوت الأطفال يهمسون حولها، وضوء الشمس يتسلل من زجاج المكتبة. كانت أرينا ترتّب رفوف القصص عندما دخلت فتاة جديدة، ملامحها هادئة، عيناها تحملان سلامًا غريبًا.^^^

^^^جلست الفتاة على الطاولة القريبة من أرينا، وضعت كتابًا بعنوان “لماذا نعود إلى الله؟” وبدأت تقرأ. لفت انتباه أرينا العنوان، ولم تستطع مقاومة الفضول… سألتها بلطف:^^^

^^^– “هل أعجبك الكتاب؟”^^^

^^^رفعت الفتاة عينيها وابتسمت:^^^

^^^– “لم ينتهِ بعد… لكني أظن أنه سَيُغيّر شيئًا بداخلي.”^^^

^^^جلست أرينا بجوارها، وكأن شيئًا خفيًا دفعها لذلك. تبادلتا الحديث، ثم الأسرار الصغيرة. اسمها كان رُبى. فتاة مرّت بخسارات كثيرة، لكنها اختارت النجاة لا الغرق.^^^

^^^قالت أرينا يوماً:^^^

^^^– “أشعر أني أتلاشى… أن كل شيء بي ينكسر ببطء، ولا أحد يلاحظ.”^^^

^^^نظرت رُبى إليها، وقالت كلماتٍ لن تنساها أبدًا:^^^

^^^– “أحيانًا، الله لا يرسل من يعيدك كما كنتِ… بل من يدلّك عليه، لتصيري أقوى مما كنتِ.”^^^

^^^في أيام قليلة، أصبحت رُبى كرفيقة درب، تُرسل لها رسائل صباحية بأذكار، وتدعوها لحلقات الذكر، وتذكرها دومًا بأن لكل حزن نهاية، ولكل وجع دواء.^^^

^^^تغيّرت أرينا… شيئًا فشيئًا، حتى صارت تحب الفجر، وتبكي في قيام الليل، وتكتب في دفاترها:^^^

^^^“ليته يعلم… أنني عدت إلى الله بعدما رحل، وأن غيابه كان بداية نجاتي.”^^^

^^^بدأت تحفظ القرآن مع رُبى، وتذهب معها إلى حلقات العلم، وتوقفت عن تصفّح الرسائل القديمة. لم تعد تبحث عن صورٍ تجمعها مع آدم، بل صارت تبحث عن آيات تُطفئ قلبها.^^^

^^^كلما مرّت أيام، كانت أرينا تشكر الله على هذا اللقاء… لم يكن مجرّد صداقة، بل بداية حياة.^^^

^^^وفي نهاية هذا الفصل، كتبت في مذكّرتها:^^^

^^^“كنت أظن أن الحب وحده يحييني… حتى عرفت أن القرب من الله، هو النجاة الوحيدة التي لا تُخيف، ولا تُخيب.^^^

✨✨✨✨

...----------------...

... "ما بين الحلم والدعاء"✨...

^^^كانت الليلة ساكنة، إلا من صوت الرياح المتسلّلة من نافذتها، وصوت قلبها الذي لا يكفّ عن الارتجاف. كانت أرينا جالسة على سجادتها، نفس المكان الذي كانت تفرش فيه قلبها منذ شهور، تبكي، تدعو، وتُخبّئ ألمها في كل سجدة.^^^

^^^وضعت رأسها على الأرض، وبكت كأنها لم تبكِ من قبل، بكت على والدَيها…^^^

^^^– “اللهم بلّغهم سلامي، طمّن قلوبهم عني، واجعل قبورهم نورًا ورحمة.”^^^

^^^ثم بكت على أخاها…^^^

^^^– “يا رب، اغفر له، لخطئه، لضعفه، لصراخه حين خاف من نفسه. لم يكن سيئًا… كان فقط تائهًا.”^^^

^^^ثم همست باسم آدم، وكأنها تحاول أن تمحوه من ذاكرتها بالصوت نفسه الذي كان يردده في قلبها…^^^

^^^– “اللهم إن كان خيرًا لي فقرّبه، وإن كان غير ذلك… فأنسني إيّاه يا الله، وانزع تعلّقي به دون ألم.”^^^

^^^استمرّت في الدعاء حتى بلّلت الدموع سجادتها، ونامت مكانها من التعب. كانت الليلة طويلة… وقلقها أعمق من أن يحتويه قلب واحد.^^^

^^^وفي منامها… رأت والدتها.^^^

^^^كانت مبتسمة، ملامحها كما هي، لكنها أكثر نورًا. اقتربت منها، ووضعت يدها على شعرها كما كانت تفعل دائمًا حين تخاف.^^^

^^^– “أنا بخير يا أرينا، ووالدك أيضًا… لا تبكي. أنتِ قوية كما كنت دائمًا، والله يراكِ.”^^^

^^^ثم قالت بهدوء:^^^

^^^– “ما تفقدينه، سيعوّضك الله به، فقط اثبتي، لا تترددي، لا تخافي، ولا تنسي أن تدعي لنا كما تفعلين دائمًا.”^^^

^^^استيقظت أرينا على صوت الأذان…^^^

^^^“الله أكبر… الله أكبر.”^^^

^^^كان الفجر قد أذن، والسماء بدأت تنير قليلاً. مسحت دموعها، وابتسمت وهي تهمس:^^^

^^^– “يا رب، اجعل هذا اليوم بداية جديدة، وطمأنينة لا تزول.”^^^

^^^لبست وشاحها، توضأت، وصلت، ثم جلست تكتب في دفاترها:^^^

^^^“أمي، لقد جئتِ في الحلم… وحين استيقظت، شعرت أنني لست وحيدة.^^^

✨✨✨✨

...----------------...

... "طرق لا تعود كما كانت"✨...

^^^لم يكن شيء قد تغيّر في المدينة… لكن شيئًا كبيرًا قد تغيّر في أرينا.^^^

^^^الوجع الذي اعتاد أن يسكن ملامحها خفّ، والنظر الذي كان يبحث عن وجهٍ بين الحشود هدأ.^^^

^^^صارت تمشي بنفس الطرق، لكنها لا تعود بذات الأحاسيس. كانت تُدرك الآن أن بعض الطرق لا تعود كما كانت… وبعض القلوب لا تُشفى تمامًا، لكنها تتعلّم أن تنبض من جديد.^^^

^^^بدأت أرينا تنظيم حياتها كما لو كانت تبني بيتًا على أنقاض حكاية قديمة.^^^

^^^في المكتبة، كانت تبتسم كثيرًا، تساعد الأطفال في اختيار الكتب، وتقرأ لهم كل يوم قصة جديدة.^^^

^^^صوت ضحكاتهم كان يطفئ في قلبها شيئًا لا اسم له… وكأنهم يرمّمون ما تركه الفقد.^^^

^^^أما ليْن، فكانت أكثر قربًا من أي وقت مضى، لا تفارقها، تُذكّرها دائمًا أن لا بأس… أن النجاة ليست في النسيان، بل في التعوّد^^^

💕💕💕

^^^وفي زاوية من حياتها، كانت تلك الفتاة الجديدة – رُبى – تضيء الطريق من جهة أخرى.^^^

^^^فتاة بسيطة، لكنها مفعمة بالإيمان. كلما جلست معها، شعرت أرينا براحة لا تشبه أي حديث سابق.^^^

^^^كانت رُبى تحدّثها عن الصبر، عن الدعاء، عن قصص الذين عبروا الخسارات ووجدوا السلام، ليس لأنهم استعادوا ما فُقد، بل لأنهم عرفوا الله بعد كل وجع.^^^

^^^قالت لها يومًا:^^^

^^^– “أحيانًا، يُحبّنا الله بطريقة لا نفهمها… فيأخذ منّا كل ما نظنّه حياة، لنمنحه قلوبًا أنقى، وأرواحًا أقوى.”^^^

^^^هزّت أرينا رأسها، وابتسمت:^^^

^^^– “ما أجمل هذا الحب… وما أصعب دروسه.”^^^

✨✨✨✨

...----------------...

... "رُبى... الطريق إلى اللّٰه"✨...

^^^كانت أرينا قد قطعت شوطًا طويلًا في مداواة نفسها. لم تشفَ بالكامل، لكنها تعلمت كيف تمشي وجراحها ما زالت تنزف. في زوايا المكتبة حيث تعمل، كانت تضعف أحيانًا أمام ذكرى، تنهار أحيانًا خلف رفوف الكتب، لكنها تنهض.^^^

^^^أصبحت تعرف كيف تتكئ على الله، كيف تعود إليه حين تضيع.^^^

^^^وذات يوم، وبينما كانت تساعد طفلة صغيرة في اختيار كتاب، دخل المكتبة رجل شاب، بدا غريبًا في هيئته ، ونظراته التي تُشبه كثيرًا نظرة من يعرف الحزن ويقدّره.^^^

^^^كان يُدعى “مالك”. جاء يسأل عن كتاب في الفقه، ثم عن ركن الروايات، ثم لم يعد يرحل بسهولة.^^^

^^^في البداية، لم تلتفت إليه أرينا كثيرًا. كانت لا تزال تخاف القرب، لا زالت تضع أسوارًا حول قلبها. لكنه لم يقترب ليكسر شيئًا، فقط كان يمرّ بودّ، يحادثها في حدود الحلال، ويسألها كيف تمضي أيامها، كيف حال الوردة بيضاء التي كانت قد وضعتها على مكتبها .^^^

^^^وبعد مرور أسابيع، جاءت رُبى وقالت لها بوجه ممتلئ بالفرح:^^^

^^^ـ أرينا… مالك أخبرني أنه يرغب بخطبتك، وقال إنه لا يريد أن يدخل حياتك ليأخذ، بل ليعطي. لا يريد أن يكون بديلًا لأحد، فقط يريد أن يبني معك حياة قائمة على نور الله.^^^

^^^سكتت أرينا، تجمدت ملامحها لوهلة، ثم قالت:^^^

^^^ـ أنا لا زلت أخاف. لا أعلم هل أنا جاهزة، هل يمكن لقلبي أن يُفتح من جديد؟^^^

^^^قالت رُبى بهدوء:^^^

^^^ـ لا أحد يُولد جاهزًا للحب بعد الألم، لكن الله يُهيئ القلوب حين تحسن النية وتتعلق به.^^^

^^^وفي تلك الليلة، سجدت أرينا سجدة طويلة، بكت فيها كل شيء…^^^

^^^بكت آدم، بكت كيفن، بكت والديها، وبكت خوفها من السعادة.^^^

^^^وقالت في دعائها:^^^

^^^ـ يا رب، إن كان هذا العوض منك، فثبّت قلبي، واجعلني لا أظلم أحدًا ولا أؤذي نفسي من جديد.^^^

^^^مرت أيام، وقبلت الخطبة، لا لأنها نسيت، بل لأنها تعلمت أن الله لا يُعطي إلا بخير.^^^

✨✨✨

^^^لم تكن خطبتهما تقليدية، بل كانت فترة نضج ونمو.^^^

^^^في كل لقاء بينهما، كان مالك يُصغي أكثر مما يتكلم. يُمهلها، لا يُزاحم حزنها، بل يحتضنه بصبر.^^^

^^^كان يبعث لها رسائل قصيرة كل فجر:^^^

^^^“اللهم اجعل لنا في هذا اليوم نورًا، ورضى منك يملأ القلب.”^^^

^^^تعلّمت أرينا معه أن الحب لا يعلو الصوت، ولا يُطفئ نور الروح.^^^

^^^كانت تبتسم له في كل مرة يتحدث عن المستقبل، وهو يحترم كل دمعة لم تجف بعد في ماضيها ^^^

✨✨✨✨

...----------------...

... "وفي الصبرِ حياة"✨...

^^^لم تكن الحياة بين أرينا ومالك تخلو من الحب، لكنها لم تكن تخلو من الاختبار أيضًا.^^^

^^^مرّت السنة الأولى من زواجهما كحلم هادئ، لكن مع مرور الوقت، بدأ سؤال الناس يطعن دون قصد:^^^

^^^“لا يوجد اخبار جميلة؟ متى نفرح باطفالكم؟”^^^

^^^وكانت أرينا تكتفي بابتسامة خافتة وتدير وجهها، حتى لا تنكشف دمعة خبأتها عن الجميع، حتى عن مالك.^^^

^^^كل تأخر كان يسرق منها شيئًا.^^^

^^^كانت تمر على صديقاتها الحوامل وتبتلع الغصة.^^^

^^^تراها في عيون الأمهات حين يحتضن أطفالهن، وتسمعها في صدى الفراغ العالق بغرفة كانت تُجهزها على أمل.^^^

^^^لكنها لم تيأس.^^^

^^^كانت ترفع يديها في الليل، وتدعو بقلب خاشع:^^^

^^^ـ “اللهم ارزقني من حيث لا أحتسب… وأشعرني أنني لم أُخلق عبثًا.”^^^

^^^ومالك، رغم حزنه، لم يكن يُظهره.^^^

^^^كان يملأ البيت بدعاء خافت، وحنان دائم.^^^

^^^كان يؤمن أن ما تأخر، إنما تأخر لحكمة، وأن الأرزاق بيد الله وحده.^^^

^^^ذات مساء، وبينما كانت أرينا تُرتب أرفف الكتب في المكتبة، مرّت طفلة صغيرة، أمسكت بيدها فجأة وقالت:^^^

^^^ـ “أنتِ تشبهين امي، هل يممكن ان تحضنيني؟”^^^

^^^فعلت.^^^

^^^وبكت.^^^

^^^بكت وكأنها تحتضن حلمًا قديمًا خافت صوته في زحام الصبر.^^^

^^^ومع كل دمعة، كانت تُردد في داخلها:^^^

^^^“ربي لا تذرني فردًا، وأنت خير الوارثين…”^^^

✨✨✨

^^^مرت أشهر أخرى، وذات صباح العادي، أرينا شعرت بشيء غريب.^^^

^^^دوار خفيف… غثيان متكرر… لم تُفكر كثيرًا، لكن في قلبها، كان شعورٌ مختلف.^^^

^^^أمسكت بالاختبار، وجلست على أرض الحمام تنتظر…^^^

^^^لم تكن تنتظر نتيجة، بل تنتظر نبض حياة.^^^

^^^ظهرت الكلمة.^^^

^^^“إيجابي.”^^^

^^^صرخت…^^^

^^^بكت…^^^

^^^ركضت إلى مالك الذي كان يجهز فطورهما، وارتمت في حضنه:^^^

^^^ “مالك… راح نصير أم وأب…”^^^

^^^كان صمت مالك أبلغ من كل الكلمات، دموعه بللت شعرها وهو يُردد بصوت مبحوح:^^^

^^^ “الحمد لله، يا الله، الحمد لله…”^^^

^^^تغير كل شيء…^^^

^^^تغيرت نبرة دعائه، ونظرة عينيه، وتفاصيل يومهم.^^^

^^^مرت شهور الحمل كأنها وردة تُزهر كل يوم أكثر.^^^

^^^وحين جاءت لحظة الولادة، وضعت أرينا بين ذراعيها طفلتها الأولى،^^^

^^^كانت جميلة… تشبه الحلم الذي طال انتظاره.^^^

^^^شعرها أسود ناعم، وعيناها كأنهما نهرا دفئ.^^^

^^^قالت الطبيبة وهي تُسلمها لأرينا:^^^

^^^ـ “سبحان من صور الخلق… ما شاء الله، وجهها يبعث سلام.”^^^

✨✨✨✨

^^^ ^^^

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon