...- ⚝ - ...
...بزوغُ الأملِ من رحمِ الألم ...
...___________...
...بعد أن غادرَ جين الشقة، وقفَ تاي هيونغ أمامَ المرآةِ يتأملُ وجهَهُ الشاحبَ، وعينيهِ المُثقلتينِ بالهمومِ. تنهيدةٌ عميقةٌ خرجتْ من صدرِهِ، كأنها محاولةٌ لطردِ الأحزانِ المتراكمةِ. أخذَ نفسًا عميقًا، ثم توجهَ إلى المغسلةِ، يغسلُ وجهَهُ بالماءِ الباردِ، علَّهُ يُنعشُ روحهُ المُتعبةَ....
...ارتدى ملابسَهُ بعنايةٍ، واختارَ قميصًا بلونِ السماءِ الصافيةِ، كأنهُ يبحثُ عن بصيصِ أملٍ في يومِهِ. رشَّ على نفسِهِ عطرًا خفيفًا، ثم خرجَ من الشقةِ، يغلقُ البابَ خلفَهُ بهدوءٍ....
...في الطريقِ إلى المقهى الذي اعتادوا الاجتماعَ فيهِ، كانت خطواتُهُ متثاقلةً، لكنَّ قلبَهُ ينبضُ بشيءٍ من الحنينِ. عندما وصلَ، وجدَ جين وجونغ كوك يجلسانِ على الطاولةِ المعتادةِ، يضحكانِ ويتبادلانِ الأحاديثَ....
...ابتسمَ تاي هيونغ، وتوجهَ نحوهما، قائلاً:...
..."مساءُ الخيرِ، أيها الرفاقُ."...
...رفعَ جين رأسَهُ، وابتسمَ قائلاً:...
..."ها قد أتى تاي هيونغ، نجمُ الأمسيةِ."...
...ضحكَ جونغ كوك، وأضافَ:...
..."كنا نظنُّ أنكَ ستتأخرُ أكثرَ."...
...جلسَ تاي هيونغ معهم، وبدأوا يتبادلونَ الأحاديثَ والذكرياتِ، وكأنَّ الزمنَ عادَ بهم إلى أيامِ الشبابِ الأولى....
...كانت الضحكاتُ تتعالى، والقلوبُ تتقاربُ، والهمومُ تتلاشى شيئًا فشيئًا....
...بعدَ ساعاتٍ من الحديثِ والمرحِ، اقترحَ جين أن يذهبوا في نزهةٍ قصيرةٍ على ضفافِ النهرِ. ...
...وافقَ الجميعُ، وخرجوا معًا، يسيرونَ تحتَ ضوءِ القمرِ، يتبادلونَ الأحاديثَ والضحكاتِ....
...عندما وصلوا إلى النهرِ، جلسوا على العشبِ، ينظرونَ إلى المياهِ المتدفقةِ، وصوتُها يُضفي سكينةً على الأرواحِ....
...يَجلِسونَ معًا ، وَسطَ هِدوءِهم صَمتِهم شَعر أخِيهم بإنتِزاع روحهِ بوَخزٍ في مَعدته ، تَجاهلهُ لَكنهُ تَفاقم كَاد يَفقدُ وَعيهُ ، إستَقام لِيغسِل وجهَهُ بماءِ النهر الجارِية لَكن قِواه خَآرت و خانَتهُ أسنَداه إخوَتهُ ، وعَادوا لِمحاوَرتهِ بكلامٍ عميقٍ ...
...لكنَّ مع كلِّ كلمةٍ، كان هناك جدارٌ جديدٌ ينشأُ بينه وبينهم. وكان تاي هيونغ يعيد التفكير في تلك الكلمات التي خرجت منه، في كل مرةٍ كان يقولُ فيها إنَّ الموت أهونُ عليه من الخضوعِ لهذا العلاجِ، وإنَّ الطريق الذي اختاره هو وحده ما يراه مناسبًا لحياته التي اختارها بنفسه....
...في اليومِ التالي، استيقظَ تاي هيونغ بشعورٍ مختلفٍ، كأنَّ شيئًا ما قد تغيَّرَ في داخلِهِ يَشعر وكأن حُزنه باتَ أشد جُموحًا ....
...نظرَ إلى المرآةِ، ورأى في عينيهِ بريقًا خافتًا، لكنهُ موجودٌ...
...صَمت وَهلةً أمام لنفسِهِ، وقالَ:...
..."ربما لا تكونُ الحياةُ كما نريدُ، لكنها تستحقُّ أن نعيشَها."...
...ومنذُ ذلكَ اليومِ، بدأ تاي هيونغ يخطو خطواتٍ صغيرةً نحوَ التغييرِ، نحوَ التصالحِ مع نفسِهِ، ومع الحياةِ ...
...لم تكنِ الطريقُ سهلةً، لكنَّهُ كانَ يعلمُ أنَّهُ ليسَ وحدَهُ، وأنَّ هناكَ دائمًا أملٌ ينتظرُ من يُحسنُ الظنَّ بهِ....
...لَكن هَل يَدوم .؟...
...في صباحٍ شاحبِ الضوء، كأن الشمسَ امتنعت عن البزوغِ حياءً من ثقلِ الحزن، نهضَ تاي هيونغُ من فراشه كمن يُجبرُ الجسدَ على الحياة، ويغصبُ القلبَ على النبضِ.كانت أنفاسُه ثقيلةً، وصدرُه يضيقُ، لا من المرضِ وحده، بل من ثقلِ الصراعِ الذي اشتعلَ بينه وبينَ ذاته....
...رنَّ هاتفُه، فظهرتْ على الشاشةِ صورةُ جين، الأخِ الأكبر، الراسخِ كجبلٍ، لا تميلُه العواصفُ ولا تهزُّه الأنباءُ...
...أغلقَ تاي هيونغ الاتصال، ثم أتبعه بواحدٍ آخر من جونغ كوك، الصغيرِ في السنِّ، الكبيرِ في قلبِه....
...تنهّد، ثم جلسَ على حافةِ السريرِ، وغمغم:...
..."ما بالهم يُلحّونَ عليّ كأنني متُّ سلفًا؟ أم تَراهم يرونَ الموتَ أقربَ إليّ من الحياة؟"...
...دخل جين فجأةً، دون استئذانٍ، كعادته إذا ما استشعرَ خطرًا، بعينينِ ممتلئتينِ بالعزمِ والتعبِ، وقال بصوتٍ لا يعرفُ الارتجافَ:...
..."كُفّ عن مكابرتِك يا تاي، هذا الداءُ لا يُهزمُ بالعزفِ على أوتارِ النكرانِ، بل بالمواجهةِ، بالدواءِ، بنا نحنُ!"...
...رفع تاي هيونغ عينيه ببطءٍ، كأنّ كل رمشةٍ تُرهقه، ثم تمتم:...
..."أأُخضعُ جسدي للكيماويّ وأدعُ الحياةَ تهربُ منّي في هيئةِ علاج؟ أيُّ عقلٍ هذا يا جين؟...
...لم يردَّ جين، بل تقدمَ نحوهُ، وجثا على ركبتيه، وأمسكَ بيدِه التي باتت كغصنٍ يابسٍ، وقال بصوتٍ خفيضٍ كالدعاء:...
..."أنا لا أطلبُ منك الحربَ وحدكَ، أنا أخوكَ، وسأقاتلُ معك. وإن سقطتَ، سأسندك، وإن بكيتَ، سأبكيك، وإن ضحكتَ، كنتُ ضِحكتَك. لكن لا تحرمني من القتالِ لأجلك!"...
...في تلكَ اللحظةِ، دخلَ جونغ كوك، وعلى كتفهِ سترةٌ رماديةٌ، وجهُه غضٌّ لكنهُ مشدودٌ بحزنٍ لا يليقُ بصغرِ عمرهِ....
..."أخي..." قالها بصوتٍ كاد يخونهُ، ثم أكمل: "أتعلمُ كم مرةٍ صليتُ لله أن يبدّلَ المرضَ بي؟ كم ليلةٍ نمتُ فيها على بلاطِ الحمامِ خوفًا من نحيبِكَ خلفَ الباب؟"...
...تجمدَ قلبُ تاي هيونغ، واغرورقتْ عيناهُ بما ظنَّ أنهُ جفّ، ثم انفجرتْ الدموعُ منه كالسيلِ، لا يكتمُها حياءٌ، ولا تصونها رجولةٌ....
..."أنا... أخافُ يا جين، أخافُ يا جونغ كوك، أخافُ أن يتساقطَ شعري، أن أبدو هشًا، أن تكونوا أنتم أقوى منّي."...
...فقال جين، وقد ضمّهُ إلى صدرهِ كما لو كانَ الطفلَ الذي لطالما حماهُ:...
..."لِمَ تخافُ من السقوطِ بين أذرعِ من يحبُّك؟ نحنُ لا نطلبُ منك أن تكونَ قويًا، نطلبُ فقط أن تُقاتلَ، ونحنُ من ورائِك....
...كُلٌ منهم عاد لِمنزله ذاهِبًا لعملهِ بَعد حَديثٍ عَقيمّ في فَجرٍ يومٍ كانَ صاخِبًا غابَتِ الشَمس وأَسدلتِ السَماءُ سِتارتها ، و قد جَلسَ يُفكر بحياتهِ وما يَعيشُه و سَيعيشهُ كيفَ تتسابقُ الأيام وتَمضي الأحوالُ وتتغير وهو على وَضعهِ لا زال ، عَقيمٌ فكرهُ خائفٌ ملّ من وضعهِ ولا يُريدُ ان يُغيره ، شَعر بِحُرقةٍ في حَلقهِ وشيءٌ يَتسارع لِلخُروج من مريئهِ ، جَرىٰ مُسرعًا نحو مَغسلةِ حمامهِ مُدنيّا رأسهُ تقيئَ بعنفٍ وقد إمتَزج قيئُه بدماءهِ ، طَرق حافةَ المِرحاضِ بقسوةٍ دليلاً على تألمهِ ، أغتَسل و إستقام خارجًا ، جَلس على سَريره الساعةُ تُشير على أنه منتصف الليل ، لَكن حُزنه يَمنعهُ من الخلود للنوم ، فَهو يُجاري الليل و قَمرهُ بِجموحهِ ، لذا أخذَ عُلبه ألوانٍ و فُرشاة و جَلس في شُرفةِ يرسُم ، ...
...لا اللون الأحمرُ يُشفي غَليلهُ ولا الأزرقُ لا ألوانَ في لَوحتهِ أسودُ حالك وأبيضُ ناصِع فقط ، لا غَير يُمثلآن حياتهُ هذهِ الحقيقة المُرّة...
...بدأت الأيام تتسلسلُ واحدة تلو الأخرى، لكنَّ الزمان كان قاسيًا في حكمه على تاي هيونغ. ...
...صار الجسدُ أضعفَ، والعينُ أدمى، وكلما مرَّ الوقت كان يشدُّه الألم إلى عتبةِ الهاوية، حيث يبتسمُ في وجهه الموتُ في صمتٍ، ولكن قلبه كان على قناعةٍ بأنَّ الهروب من العلاج هو خلاصه الوحيد، وأنه سيظلُّ في تلك المعركة بمفرده، حتى آخر رمق....
...أحسَّ جين يومًا بأنَّ شيئًا في أخيه قد بدأ يتغير. ...
...كان يشاهدُه جالسًا على السرير، عيناه غارقتان في الفراغ، وكأنَّ في نظرتهِ تلك تساؤلاتٍ لا جواب لها، أو ربما تسليمٌ لقضاءٍ لا مفرَّ منه....
...اقترب جين منه بحذرٍ، وحاول أن يمسك بيدِ أخيه قائلاً بصوتٍ منخفض:...
..."تأكد يا أخي أنَّ الطريق الذي اخترته ليس هو الطريق الوحيد. الطريق الآخر مليءٌ بالأمل. لا تتركنا في هذا الظلام، نحن لا نريد أن نراك تتلاشى أمامنا."...
...لكنَّ تاي هيونغ رفع رأسه عن كتفه، وتابع النظر في الفراغ دون أن يرفع عينيه نحو جين، ثم قال بصوتٍ خافتٍ يكاد يُسمع:...
..."لا أريد أن أعيش في عالمٍ يعاملني كجثةٍ منتظرةً. العلاج هو الخضوع للعيش في أسرِ المرض، وليس العيش. كلما اقتربت من الموت، كلما شعرتُ أنني أعيش أكثر، بكامل إرادتي."...
...قفزت الدموعُ في عيني جين، لكنه حاول أن يُخفيها....
...هو يعرف جيدًا أنَّ قلبَ أخيه مليءٌ بالوجع، لكنه لم يكن قادرًا على إقناعه بالعودة إلى الحياة مرةً أخرى، مهما حاول....
...في تلك اللحظة، دخل جونغ كوك و صاحَبهُ جيمين ، وقد بدا على وجهه التعب. كان قد سمع الحديث، فاقترب بصمتٍ وقال بنبرةٍ جادةٍ : ...
..."إنك لا تعرفُ الحقيقة، تاي هيونغ. الحقيقة ليست في الهروب من الألم، بل في مواجهته. نحن هنا لنحارب معك، وليس من أجلك وحدك. أراك تتنازل عن كل شيء، ولا نعلم ما الذي سيأتي بعد ذلك."...
...أجاب تاي هيونغ بصوتٍ قوي، رغم ضعفه البدني:...
..."لقد اخترتُ أن أواجهه بمفردي. لا أريد أن أكون عبئًا على أحد، لا عليكما، ولا على أي شخص....
...أخشى أن تراهما من حولي، فيظنان أنَّ الحياة لا تستحقُّ أن نعيشها بمجرد العلاج....
...سأموت على طريقتي، وأعرف أنَّ ذلك هو الحل الوحيد."...
...صمتَ الجميعُ للحظة، وكان الألمُ يشتعلُ في صدورهم كاللهيب، ولكن لم يجدوا أملًا في مواجهةٍ أكبر من تلك التي يواجهها أخوهم. ...
...وكان كلُّ واحدٍ منهم يعرفُ أنَّ إصرارَ تاي هيونغ على هذا الطريق هو أكثر من مجرد خيارٍ، بل هو قناعةٌ راسخةٌ بداخله، قناعةٌ لا يمكن تغييرها بسهولة....
...---...
...ولكن الحياة، كما هي، لا تتركُ أحدًا على ما هو عليه. في الأيام التي تلت، بدأَ تاي هيونغ يشعرُ بشيءٍ غريب، غير الذي اعتاده. ...
...كان الألم يزداد في جسمه، ويجعل كلَّ لحظةٍ تمرُّ وكأنها دهرٌ طويلٌ، وكأنَّ جسده كان يُسحبُ منه جزءٌ بعد جزءٍ....
...حتى أتى يومٌ، في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، حينما شعرت عروقه بالانفجار، وعجز قلبه عن تلبية نداء الحياة. حينها، رُغمَ مقاومته المستمرة، انفجرتْ تلك اللحظةُ في قلبه. شعرَ بالضعف، وشعرَ بأنه لم يعد قادرًا على المقاومة....
...لم يكن هناك من أحدٍ حوله في تلك اللحظة، إلا الصمت، الذي كان يصرخ في أذنه، وكأنَّ العالم بأسره يحيطُ به، لكن لا أحد يستطيعُ إنقاذه. ...
...بدأ التفكير يتسرب إلى عقله، وكان في قلبه شيءٌ من الندم على قراره الأخير....
..."هل كان الهروب هو الجواب الصحيح؟"...
...وفي تلك اللحظة، فكر في كلام أخويه. فكر في حبهما، في محاولاتهما المتكررة، وفي الألم الذي يشعران به وهو يشاهدهما يبتعدان عنه يومًا بعد يوم....
...الظلام الذي كان يحيط بتاي هيونغ لم يكن مجرد غطاء مادي يغلفه، بل كان شيئًا أبعد من ذلك، شيئًا يتسلل إلى داخله، يُعميه ويغرقه في عمق مجهول. كان يشير إلى شيء أعمق، إلى لحظات قادمة، لكنه لم يكن يستطيع إدراك تفاصيلها بعد....
...كانت الوجوه، والأصوات، والألوان، تتداخل في ذهنه، في مزيج من الأبيض والأسود، يتراقص أمامه كما لو كان الزمان نفسه يتبدل بين يديه. هذا الشعور المزعج، ذلك الخلل الذي يحس به في فكره، لم يكن شيئًا جديدًا، بل كان له علاقة بما حدث قبل دقائق، قبل لحظات....
...جاء جين ليقف بجانبه، ورغم أن ملامح وجهه لم تُظهر شيئًا جديدًا، إلا أن وجوده كان بمثابة تمهيد لما سيتبع. كان هناك شيء في الأفق، شيء يتدفق من الزمن نفسه ليغير مجرى الأحداث القادمة....
...حين بدأ الضوء يتسلل من النوافذ، بدأ تاي هيونغ يشعر بشيء جديد. كان هذا هو التوقيت. كانت الساعة تدق، وكل ثانية تمضي، كانت تقربه خطوة إلى ما كان يخشى مواجهته....
...وبدون أن يدرك، بدأ الإحساس يتصاعد، وكأن الزمن نفسه يدفعه للأمام، حيث كل شيء سيعود للظهور من جديد ....
...- ⚝ -...
Comments