اكره ان احبك
"كنتُ أعود كل ليلة بحثًا عن حضن،
فوجدتُ أبوابًا تُغلق في وجهي...
وصوتًا يذكرني أنني لست كما تمنّوا"
كانت الساعة تقترب من العاشرة ليلًا، والمدينة خارج النافذة تلمع بأضواء خافتة كأنها تخجل من الليل.
فتحت الباب بهدوء، وخلعت حذاءها كما تفعل كل مساء.
كالعادة ، لم يكن بانتظارها إلا الغضب الخام.
"أخيرًا قرّرتِ العودة، آنسة النكران؟"
صوت والدها شقّ سكون البيت مثل شفرة.
كان واقفًا في منتصف غرفة الجلوس، يلوّح بورقة ما في يده، ملامحه مشدودة، عينيه تغليان.
وضعت حقيبتها جانبًا، تنفست... ثم تقدّمت خطوة.
"بابا، كنتُ في العمل... تأخّرت الحافلة."
"العمل؟ تسمي هذا عملًا؟ تقديم قهوة وحمل صحون انسة جيون جومانا؟
أهذا ما خرجنا به بعد أربع سنوات من دراسة القانون؟ شهادة بلا فائدة، وابنة بلا كرامة؟"
ظهرت أمها من المطبخ، بشعر مربوط بعشوائية ووجه شاحب.
"ما الفائدة من الدراسة إن كنتِ ستبقين عبئًا؟ حتى مظهركِ... كئيب. كأنكِ تلعبين دور الضحية في مسرحية رديئة!"
جومانا أغمضت عينيها لحظة.
لم تكن تملك طاقة للرد، لكنها لم ترد السكوت تمامًا.
"أنا... أبحث، كل يوم. أرسلت سيرتي الذاتية لعشرات الأماكن."
"وهل طلبكِ وظيفة يُعد إنجازًا؟"
قال والدها بسخرية.
"أنا أقول للناس إن ابنتي محامية، لا مهرّجة تقدّم المثلجات للأطفال."
أمها تابعت كأنها في سباق:
"أنتِ حتى لا تجيدين التحدث. شخصيتكِ ضعيفة. مترددة. تبكين بسرعة، تتوترين من نظرة.
هكذا تريدين العمل في المحاماة؟ مع من؟ مع من سيأخذكِ على محمل الجد؟"
رفعت عينيها بينهما
- "كفى... أرجوكم... أنا أحاول ."
أمها انفجرت:
"تحاولين؟ منذ سنتين وأنتِ في المحاولة. وكل يوم نعود إلى النقطة نفسها: لا وظيفة، لا تقدم، لا أمل!"
اقترب والدها أكثر، صوته صار هادئًا... ومؤذٍ:
"فيلِكس الآن في أوائل دفعته. الناس يمدحونه. وأنتِ؟.... نخجل أن نذكرك.
لا عقل، لا طموح، ولا حتى أنوثة."
شعرت بحرارة في صدرها، كأن كل شيء يشتعل.
لم يكن غضبًا، بل خجلًا، وجرحًا لا دم له.
همست:
"أنا ابنتكم... لماذا تكرهاني هكذا؟"
ضحكت والدتها ، ضحكة خالية من الرحمة:
"نحن لا نكرهكِ، نحن نكره ما صرتِ إليه."
"لو أنكِ فقط... مختلفة قليلاً."
"لو أنكِ فقط لستِ أنتِ."
الكلمات سقطت على جومانا كحجارة.
لم تردّ.
ذهبت إلى باب المنزل.
فتحت القفل.
خرجت.
لم تكن تعرف إلى أين ستذهب.
ولا كم ستبقى.
لكنها عرفت شيئًا واحدًا:
إن بقيت دقيقة إضافية، سينهار شيء لا يمكن إصلاحه.
خلفها، عاد البيت إلى سكونه.
لم يصرخ احدا.
لم يكسر احدا.
تمشي في الشارع...
والدموع على وجنتيها
ديسمبر قد دخل بثقله،
الرياح التي ضربت وجهها عند أول زاوية جعلتها ترفع ياقة معطفها وتحضن جسدها المرتجف.
شعرها البني المموّج تراقص مع الرياح، كأنه يحاول تخفيف وطأة البرودة عن روحها.
الأول من ديسمبر.
بقي على عيد ميلادها أربعة عشر يومًا.
هل ستحتفل به وحدها... مجددًا؟
أجابت نفسها بسخرية صامتة وهي تواصل السير:
"وهل احتفلتُ به يومًا؟"
خطواتها تقودها دون وعي،
حتى وجدت نفسها تقف أمام باب مكتبة صغيرة، ليست بعيدة... ولا قديمة.
فتحت الباب بهدوء.
رنّ الجرس فوقها بصوت خافت، واستقبلها دفء داخلي لم يشبه دفء البيوت.
رجل عجوز كان جالسًا خلف المنضدة، يقرأ كتابًا بإمعان.
رفع نظره إليها، وابتسم.
ابتسمت له بالمثل، رغم أنها بالكاد قادرة على رفع زوايا فمها.
ثم توجهت بصمت إلى قسم الروايات.
تعرف هذا المكان.
ملاذها في الأيام المكسورة.
مرّت يدها على عناوين الكتب كما لو كانت تلمس أكتاف أصدقاء قدامى.
اختارت روايةً بلا تفكير، وجثت أرضًا، جلست أمام الرف مباشرة، ضامة ركبتيها إلى صدرها.
لا أحد في المكان سواها.
ولا أحد في الدنيا يشعر بثقل ما تحمل.
الدموع جاءت بهدوء.
لم تبكِ بصوت.
وجنتيها امتلأتا بحرارة تسيل بلا مقاومة.
لم تكن تبكي لأن والديها صرخا.
بل لأنها، رغم كل شيء... كانت تأمل أن يفرحا بها.
أن يكونا أول من يصفّق. أول من يحتضنها. أول من يرى النور الذي بذلت سنوات لتشعله.
لكن لا شيء.
هم لا يعرفون حتى أنها كاتبة.
أنها هي من كتبت تلك الرواية التي اجتاحت القوائم، وتصدّرت الترجمة، وبيعت في أكثر من بلد، ودُبلجت لأكثر من لغة.
هم لا يعرفون أن ابنتهم... صنعت مجدًا كاملًا بقلم مستعار، واسم لا يخصهم.
وكل ذلك؟
ليس لأنها تريد إخفاء فخرها،
بل لأنها تخجل من أن تُعرف... في ظل عائلة تخجل هي بها.
لم تعلم دار النشر من تكون.
لم يعلم القرّاء من تكون.
هي التي تدفع فواتير المنزل إذا تأخر والدها، وتبتسم كأن الأمر بسيط.
هي التي تُدخل المال باسم أحد آخر كي لا تُسأل.
هي التي تُرسل الهدايا لفيلِكس من دون أن تُوقّع.
لكن، ماذا بعد؟
حين احتاجت كلمة واحدة فقط...
كلمة: "أحسنتِ."
لم تجدها.
بل وجدت الصراخ.
وجدت الإهانات.
وجدت نفسها تمشي في البرد، تحمل قلبًا كُسر مرارًا... ومع ذلك، ما زال ينبض أملًا.
نظرت إلى الكتاب بين يديها.
لم تقرأ منه سطرًا.
كانت تعرف النهاية:
الذين يُحبّونك فقط حين تنجح...
هم ليسوا أهلًا للفرح معك.
أغمضت عينيها.
وللحظة قصيرة...
تمنت لو كانت تنتمي لمكان آخر.
ولو حتى قلب غريب... يؤمن بها، فقط لأنها هي.
.
.
.
.
جالسة هناك، على الأرض، بين رفوف الروايات ، ظهرها مسنودٌ إلى الخشب الدافئ، ورائحة الورق القديم تغمر أنفاسها.
المكتبة خالية... فقط صوت عقارب الساعة، وتقليب الصفحات.
ضوء خافت يسقط من مصباح معلق في الزاوية، يحيطها بهالة صفراء كأنها عالقة في حلم بعيد.
ليست هنا لتقرأ... بل لتختبئ.
البرد لا يرحم
ولا تقصد الطقس وحده، بل الأيام التي تقترب من عيد ميلادها، ذلك التاريخ الذي يمر كل عام بهدوء... مثل صفعة صامتة.
أفكارها تتجول في مكان آخر،
في والدتها التي لا تنظر إليها،
في والدها الذي يرى فيها عارًا يجب إخفاؤه،
وفي أخيها... الذي لم تعد تعرف إن كان يراها حقًا.
رغم كل شيء... كانت تساعدهم دائمًا.
تطبخ، تنظف، تتحمل، تدفع إن استطاعت، وتبتلع كل خيبة بصمت.
حتى نجاحها... أخفته عنهم.
حتى اسمها... جعلته مستعارًا.
من يدري أن "جي. جوليانا" الكاتبة التي تُترجم أعمالها إلى لغاتٍ أخرى... هي نفسها جومانا التي تُشتم كل مساء؟
قطع شرودها صوت ناعم خلف الطاولة الخشبية.
> "هل نمتِ هناك؟"
رفعت رأسها. كان "سونغ مان"، صاحب المكتبة.
رجل مسن في أواخر الستينات، ملامحه مثل الصفحات القديمة: هادئة، عميقة، مطمئنة.
ابتسم لها، وأكمل:
"المكان مريح... أعرف ذلك. لكن الأرض ليست صديقة الظهر."
ضحكت بخفة
"أنا فقط... نسيت الوقت."
أغلق دفترًا صغيرًا بين يديه
"عندما تنسين الوقت بين الكتب، فأنتِ في المكان الصحيح."
"شكرًا لأنك تتركني أختبئ هنا أحيانًا."
"لا بأس. نحن نحمي من يحتمي بالقصص."
وقفت، أرجعت الرواية لمكانها، ثم نظرت إليه.
"تصبح على خير، سيد سونغ."
"تصبحين على دفء، يا ابنتي."
.
خرجت من المكتبة.
البرد صفَع وجهها كما لو أنه ينتقم منها على لحظات الأمان.
الهواء كان ساكنًا، الشوارع فارغة.
خطت خطوات بطيئة. وجهتها؟ لا تدري.
لكن فجأة... صوت خافت شقّ سكون الليل.
شهقة.
ثم صوت متوسل، متقطع، ينهار وسط الكلام:
"توقف... أرجوك... لا أستطيع...!"
ثم ارتطام. ثم لهاث ثقيل.
تجمدت.
نظرت نحو زقاق جانبي، بالكاد مضاء.
ثم اقتربت، خطوة بخطوة.
تجمّدت من جديد.
رجل طويل يرتدي معطفًا أسود ثقيلًا، بنطال داكن، وقبعة تخفي وجهه.
يداه في قفازات جلدية، وحذاؤه يضرب جسد رجل اخر بإيقاع مرعب.
الرجل المري ارضا يئن ويتوسل بصوت مبحوح.
شعرت بجوفها يسقط.
اركضي.
لكنها لم تفعل.
التقطت عصنًا مرميًا، خطت خطوتين، وقلبها يخونها برجفة لا تحتمل.
ثم صرخت:
"توقف!!"
صوتها خرج أضعف مما أرادت... لكنه وصل.
الرجل استدار ببطء.
عينيه، المعتمتين، التقتا بها.
لحظة واحدة...
لكنها كانت كافية لتجعل الهواء يتجمد.
____________________________♡_
الفصل الاول ✓
🎀✨ كلمة من الكاتبة ✨🎀
مرحبًا بكم يا أصدقاء القراءة 🪐🌷
لقد أنهيت للتو كتابة الفصل الأول من روايتي الأولى 🥹🩷 وما زلت أرتجف بين الحماس والخوف 🫣💃🏻
لكل من وصل إلى هنا، شكرًا لك من قلبي 🤍🍡 وجودك يعني لي الكثير ✨
هذه الرواية ليست مجرد كلمات، بل مشاعر كنت أخبئها طويلًا 🙄🪐
أكتبها لأن هناك أشياء لا يمكن قولها بصوتٍ عالٍ، لكن يمكن همسها بين السطور 🎊🩷
إذا أحببت الفصل الأول، أو حتى شعرت بشيء بسيط وأنت تقرأ 🎀😭
لا تتردد بمشاركتي شعورك، رأيك، أو حتى أكثر جزء لمسك 👽🤍
آراؤكم هي النور الذي يرشدني في هذا الطريق الطويل 🛤️✨
أراك في الفصل القادم بإذن الله 💃🏻🍡
- [اسمك أو توقيعك] 🪐🩷
Comments