...[قبل يومين – القصر الإمبراطوري]...
...رائحة الموت تزحف عبر أروقة القصر الرخامية، تختلط بعبق العطور الفاخرة ودخان البخور، لتخنق الهواء بثقلٍ يذكّر الجميع بأن الفقد أقرب مما يظنون....
...الصمت يلف المكان، حتى وقع الخطوات صار بطيئًا، وكأن الجدران نفسها تترقب النهاية....
...على سريرها العريض، كانت الأميرة، الوردة المدللة الوحيدة للإمبراطور، تتلوى كشمعة على وشك الانطفاء....
...جبينها يلمع بعرق بارد، أنفاسها متقطعة، وعيناها نصف مغمضتين، كل شهيق ينتزع من جسدها ما تبقى من حياة....
...جلس زوجها بجانبها، أصابعه ترتجف وهو يمسك يدها الصغيرة، ووجهه المبلل بالدموع بدا غريبًا على ملامحه القوية التي عرفها الجميع....
...أما الإمبراطور، الرجل الذي أرهبت باسمه الجيوش، فقد انحنى على ركبتيه في الجهة الأخرى، يقبض على يد ابنته بقوة، كأنه يحاول تثبيتها في هذه الحياة....
...كانت أفكارها متشتتة، تتساءل إن كانت هذه هي النهاية، وتأسف على كلمات لم تُقل، لكنها تخشى أن موتها قد يسحب معها شخصًا آخر إلى المصير نفسه....
...> الأميرة، بصوت مرتجف:...
..."أبي… أنا خائفة… خائفة من أن أموت."...
...ابتسم الإمبراطور ابتسامة حزينة، ولأول مرة منذ طفولتها ناداها باسم دلع:...
...> الإمبراطور، بحنان خافت:...
..."إيلي الصغيرة… لن تموتي. سأقلب الدنيا لأجلك."...
...اقترب الزوج أكثر، صوته مختنق، يحاول أن يشدها للحياة بكلماته:...
...> الزوج، يهمس:...
..."إيلي… لن أتركك تذهبي. سنقاتل سويًا."...
...لكن في عيونهما، كان هناك رعب آخر…...
...رعب من أن يأخذها الموت ويخسروا روحين في ليلة واحدة....
...كان كاهن البلاط في الغرفة، يحمل صولجانًا ذهبيًا صغيرًا نقش عليه ختم الإمبراطورية، ويردد أدعية بلسان قديم، محاولة استجلاب الطمأنينة وسط الوجوم....
...أما مستشار الإمبراطور، فوقف مترددًا في الزاوية، يداه ترتجفان خلف ظهره، عاجزًا عن تقديم أكثر من حضوره الصامت....
...بينما كان الطبيب الملكي إلى جانب السرير، يراقب نبض الأميرة بقلق، وصبّ جرعة علاجية على شفتيها المرتجفتين، لكنها لم تتحرك....
...رفع رأسه ببطء، وصوته ينكسر:...
...> الطبيب: "جلالتك… جربنا كل شيء. ليست سمومًا معروفة، ولا أمراضًا من هذا العالم… حتى السحر لم يترك أثرًا."...
...صوت الإمبراطور جاء ثقيلًا، مثقلًا بالرجاء:...
..."إذن… ماذا يحدث لها؟"...
...أطرق الطبيب رأسه، كأنه يخشى قول الحقيقة:...
...> الطبيب، بخفوت:...
..."كأن حياتها تُستنزف من الداخل… لا تفسير آخر."...
...ارتجف جسد إيليانورا فجأة، ووضعت يدها المرتعشة على بطنها، كأنها تحمي شيئًا ثمينًا....
...عينا الإمبراطور والزوج التقتا بسرعة، وفي عيونهما ومضة فهم، لكنها انطفأت قبل أن تتحول إلى كلمات....
...ومرت ساعات بطيئة حتى جاء الغروب… وانقطع النفس الأخير....
...خيم الصمت، وكأن القصر توقف عن التنفس....
...رفع الطبيب رأسه ببطء، وصوته ينكسر وهو يعلن:...
...> الطبيب، بصوت متهدج:...
..."جلالتك… الأميرة قد ماتت."...
...انحنى الإمبراطور على جسدها، يحدق في ملامحها التي هدأت بعد العذاب، ودموع لم يذرف مثلها منذ شبابه تدفقت على وجنتيه....
...أما الزوج فجلس بجانبها كطفل ضائع، يده ما زالت تمسك بيدها الباردة، كأنه يرفض أن يتركها حتى بعد موتها....
...لم يكن البكاء خافتًا… بل موجة جارفة اجتاحت الغرفة....
...الخدم الذين أحبّوها، الحرس الذين رأوا فيها الأمل، والطبيب الذي بذل المستحيل… جميعهم طأطأوا رؤوسهم والدموع تحرق أعينهم....
...كانت إيليانورا أكثر من مجرد أميرة… كانت قلب القصر النابض، وابتسامتها النور الذي يبدد ظلمته....
...والآن، برحيلها، شعر الجميع بأن شيئًا مقدسًا قد انتُزع إلى الأبد....
...وبدأ السؤال يتردّد في الصمت:...
...من سيرث العرش الآن؟...
...من سيجمع قلوب الشعب من بعدها؟...
...لقد أصبح مستقبل الإمبراطورية فجأة هشًّا… ومفتوحًا على الخوف....
...أغمض الإمبراطور عينيه، صورها وهي طفلة تركض في أروقة القصر تشتعل في ذهنه....
...انحنى الزوج وقبّل جبينها قبلة طويلة، ثم وقف فجأة، عيناه حمراوان، واقترب من الطبيب بخطوات ثقيلة، صوته بين الحزن والغضب:...
...> الزوج:...
..."أجبني… كيف حدث هذا فجأة؟ كانت بخير قبل أيام… وأنت من كان يفحصها، أليس كذلك؟"...
...تردد الطبيب قبل أن يجيب:...
...> الطبيب:...
..."كنت أفحصها يوميًا… صحتها كانت مستقرة… ثم… فجأة ظهرت الأعراض. ليست مرضًا طبيعيًا… كأن أحدهم فعل هذا عمدًا."...
...تجمد الزوج، وصدره يرتفع وينخفض بسرعة، ثم انفجر صوته:...
...> الزوج، محتدًا:...
..."من يجرؤ على فعل ذلك؟! من؟! كانت محبوبة من الجميع!"...
...وتحدث المستشار أخيرًا، صوته خافت لكنه مرعوب:...
...> المستشار:...
..."قبل أن تسوء حالتها… زارتها سيدة السموم....
...أمضت معها نصف ساعة وحدهما… وخرجت صامتة كأنها تحمل سرًا دفينًا."...
...ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن يتحول الغضب في صوته إلى كراهية واضحة:...
...> الزوج، بغضب:...
..."مورغانا… تلك الساحرة الحقيرة."...
...همس أحد الحضور:...
...> الحارس:...
..."نعم…الساحرة السوداء. كانت الوحيدة التي تكرهها منذ يوم دخلت القصر… وهي تصنع السموم."...
...رفع الإمبراطور رأسه عند سماع الاسم، عيناه كنيران تتأجج:...
...> الإمبراطور، بعزم:...
..."من غيرها يملك الجرأة لتجربة سم جديد على ابنتي؟ من غيرها تمنّى موتها منذ سنوات؟"...
...قال الزوج:...
...>"أجل، وربما اخترعت هذا السم، ولهذا لم يتعرف عليه الطبيب."...
...الإمبراطور:...
...> "ظللت أحذر منها وأهاب قوتها طوال هذه السنين."...
...شدّ قبضته، والدموع تنهمر، ثم تمتم بصوت مبحوح يملؤه العزم:...
..."هذه المرة… لن أدعها تفلت. مهما بلغت قوتها وسلطتها."...
...لم يعد الحزن وحده يسكن قلبه… بل الغضب العاصف الذي سيسقط على قصر مورغانا قريبًا....
...[يتبع...]...
Comments