...في قصر مورغانا…...
...كانت أروقة القصر غارقة في أضواء الشموع المتراقصة، تتسلّل ظلالها على الجدران الحجرية كأنها أطياف أرواحٍ سجينة....
...في الخارج، ساد هدوءٌ غريب؛ لا طرقَ مطر، ولا صفيرَ رياح… فقط سكون ثقيل، كأن العالم يحتبس أنفاسه....
...كان سيلاس مستلقيًا على الأريكة القريبة من النافذة، في ركنٍ معتم من الغرفة. وجهه بدا هادئًا على غير عادته، وعيناه مغمضتان كأنهما هربتا من العالم. أطرافه مسترخية، وصدره يرتفع وينخفض ببطء....
...رفعت ناري يدها بخفّة، لتظهر الشاشة من جديد، لكن هذه المرة لم تكن زرقاء… بل تحولت فجأة إلى اللون الأحمر، وانعكس وهجها على وجهها كدمٍ يقطر ببطء....
...> 🖋 {نظام قلم الكاتبة}...
...⚠️ عُطل في التنفيذ – خلل غير متوقّع في النظام....
...حاولت ناري أن تُعيد تشغيل النظام، ضغطت بسرعة على الأزرار، همست بكلمات تحاول تهدئة نفسها:...
..."ابق هادئة، أنت الوحيدة القادرة على تصحيح المسار… ركزي."...
...لكن الشاشة تومضت بشكل متقطع، وكأنها تتنفس بصعوبة، ثم ظهرت رسالة مشوشة:...
...> "خطأ في البيانات… لا يمكن تنفيذ الأمر…"...
...ارتفعت أنفاس ناري، شعرت بخفة في صدرها، وكأن شيئًا ما ينزلق بعيدًا عنها… كأن قوتها تُسرق ببطء، وهامش السيطرة يضيق شيئًا فشيئًا....
...همست، بمرارة: "لم أعد أستطيع التحكم في قصتي…"...
...منذ وصول خبر وفاة الأميرة "إيليانورا"، بدأت هذه الشاشة تظهر تلقائيًّا، دون أن تستدعيها ناري. تارةً تومض للحظات، ثم تختفي… ثم تعود، وكأنها ترفض النسيان....
...تمتمت ناري ببرودٍ مصطنع، وهي ترفع حاجبًا:...
..."فلتسِر الأمور كما تشاء… الأهم أنني أزلتها من القصة."...
...لم تُعر التحذير اهتمامًا كبيرًا. فالرواية –في نظرها– انتهت منذ زمن. وموت إيليانورا؟ لا يعدو كونه حدثًا قديمًا من قصة طُويت صفحاتها....
...ومع ذلك، راودها تساؤل عالق: لماذا يبدو النظام وكأنه يحزن الآن فقط على رحيل البطلة؟ هل يمكن لبرمجية أن تشعر… بالفقد؟...
...أقنعت نفسها أن الخلل تقني. ربما لأن القصة فقدت مركزها. لكن شعورًا خافتًا كان يُقلقها…...
...ذنبٌ غريب، يضغط على صدرها بخفة لا تُحتمل....
...فهي من كتبت تلك الفتاة… من منحتها الحياة حرفًا بحرف. ورؤية إعلان موتها… جعلها تشعر وكأنها قتلت إنسانة حقيقية....
...⋯✦⋯...
...استدارت ناري ببطء، فراحت عيناها تتأمل ما أمامها....
...بينما كانت مورغانا جالسة على الأرض الرخامية الباردة، محاطة بمخلوقيها....
...ثعبانٌ أخضر يلتفّ على ذراعها كأنه سوارٌ حيّ، وعنكبوت أسود متوسط الحجم يجلس على ركبتها، مغطى بشعرٍ كثيف، وعيناه البراقتان تلمعان في ضوء الشموع....
...كانت تضحك بخفة، تداعب رأس العنكبوت كما يُربّت أحدهم على قطّ صغير، وتهمس للثعبان كأنها تسرد له حكاية قبل النوم....
...تأملت ناري ذلك المشهد… الابتسامة المرسومة على وجه مورغانا بدت نقيّة بشكل مخيف. وكأن غمامةً داكنة أُزيحت عن روحها....
...لقد فهمت السبب… إيليانورا لم تعد موجودة....
...مورغانا كانت تكرهها، وتعرف ناري السبب....
...فمورغانا وُلدت في أسرة "سموم"، عائلة تُهمس أسماؤها في الظلام… نشأت بين الأعشاب السامّة، وبين أنظارٍ تنظر إليها بازدراء....
...أما الأميرة؟...
...محبوبة بلا سبب، فقط لأنها تبتسم…...
...الناس يحبونها لأنّ عينيها تشعّان نورًا....
...تذكرت ناري تلك الجملة التي قالتها مورغانا ذات طفولة:...
...> "أنا أبتسم أيضًا… فلماذا لا يحبني أحد؟"...
...خفضت ناري رأسها، وكأن تلك الذكرى وخزت صدرها....
...همست، بنبرة مكسورة، وكأنها تعتذر عبر الهواء:...
...> "آسفة… لأنني كتبت لكِ حياةً تعيسة، مورغانا."...
...⋯✦⋯...
...لم تحتمل الشعور بالاختناق…...
...وقفت ناري على بُعد خطوات، تراقب مورغانا من بعيد، والقلق يتسرّب من ملامحها....
...رفعت مورغانا رأسها، نادت بصوت مرِح، وهي تلوّح بيدها:...
...> "ناري، تعالي… هل جرّبتِ لمس جلد الثعبان من قبل؟ ملمسه ناعم، كأنه ماء بارد!"...
...ترددت ناري، وارتبكت، ثم هزّت رأسها سريعًا وهي تخطو للوراء:...
...> "لا، شكرًا… أفضّل مشاهدته من هنا فقط."...
...ابتسمت مورغانا بخبث خفيف، ثم، وبحركة بطيئة مقصودة…...
...رفعت يدها الأخرى، وأحضرت العنكبوت قربها، متعمّدة إثارة ردة فعل ناري....
...اتّسعت عينا ناري، تراجعت خطوة، ورفعت يديها في ذعرٍ عفوي:...
...> "مهلًا! هذا غير عادل! قلتِ الثعبان! لم أوقّع على اتفاق يشمل العنكبوت!"...
...قهقهت مورغانا بنعومة، وعادت لتداعب مخلوقيها وكأن شيئًا لم يحدث....
...أما ناري، فوضعت يدها على صدرها وهمست في نفسها:...
...> "أحبّ كلّ ما يخصّ مورغانا…...
...لكنّ خوفي منهما لا يزال أقوى من محبّتي لهما."...
...قررت ناري أن تبتعد، فهي تعرف مزاح مورغانا جيدًا… وربما، فقط ربما، هذه المرّة ستجعلها تمسك العنكبوت حقًا....
...استدارت ناري بخفة، لكن وفجأة—...
...شهقةٌ حادّة مزّقت سكون الغرفة. التفتت بسرعة، لتراها…...
...مورغانا تتألم....
...اتسعت عينا ناري، واقتربت منها ....
..."مورغانا…!" صرخت ناري، صوتها يرتجف وهي تمسك بها بخفة، محاولةً تقييد خوفها بالتصرف....
...نظرت إليها بدهشة وقلق، لترى جسد مورغانا يرتجف، وابتسامة السعادة التي كانت تعلو وجهها قبل لحظات قد تبددت، وحلت محلها ملامح الألم....
...ترددت في التنفس، وفكّرت في نفسها: ماذا يحدث هنا؟ لماذا… لم يسبق أن مرضت مورغانا من قبل؟...
...وفجأة، دوى صراخ آخر. التفتت ناري بسرعة، لترى سيلاس أيضًا يصرخ، يتلوى على الأريكة، ويداه تقبضان على الغطاء كما لو أنه يحترق....
...ناري لم تفهم… لكن قلبها فهم قبل عقلها....
..."النظام…" همست بذعر....
...وكأن أجسادهم أصبحت امتدادًا مباشرًا لقلب القصة… وحين أصيب، نزفوا معه....
...لقد كانت نادمة حين جعلت مورغانا وسيلاس الأقوى…...
...ويبدو الآن أنهم الأكثر تأثرًا بتعطّل نظام "قلم الكاتبة"....
...وفجأة—انفتح باب الغرفة بعنف!...
...اندفع أحد الخدم راكضًا، وجهه شاحب كأنما رأى الموت، وعيناه متسعتان بفزع....
...رأته ناري، فصرخت بأمرٍ حاد وهي تسند مورغانا بين ذراعيها المرتجفتين:...
...> "أحضر الطبيب حالًا!"...
...لكن نظرات الخادم لم تكن موجّهة نحو مورغانا....
...كان جسده يرتجف، والعرق يتصبب من جبينه، ثم لهث وقال بصوتٍ متقطع مرتجف:...
...> "الجيش… جيش الإمبراطور!"...
...ارتبكت ناري، حاجباها انعقدا، فتمتمت:...
...> "عن أي جيش تتحدث؟"...
...تلعثم الخادم، ثم صرخ فجأة:...
...> "القصر… مُحاصر! من جميع الجهات!"...
...خلف النوافذ البعيدة، بدأت ظلال خوذات داكنة بالظهور، ورايات حمراء تتمايل في الأفق....
...ساد صمت ثقيل، كأن الزمن توقّف. لكن أكثر من شُلّ عقلها حقًا… كانت ناري....
...جحظت عيناها، وانكمش جسدها مكانه، وكأن قلبها سقط في بئر بلا قاع....
...وفي لحظةٍ قاتمة… حين مورغانا وسيلاس في أضعف حالاتهما… تبدأ الحرب....
...[يتبع...]...
Comments