...في الخارج......
...كان "هان يو" يمشي بهدوء....
...كل خطوة بدت كأنها اختبار....
...كأن الأرض تعيد تقييمه قبل أن تمنحه القبول من جديد....
...توقف فجأة....
...رفع وجهه إلى السماء الرمادية....
...لامس الهواء البارد جلده، فتقلصت ملامحه للحظة،...
...لكنه لم يتراجع....
...بل... ابتسم....
...ابتسامة لا تحمل سخرية،...
...ولا حنينًا،...
...بل شيءٌ يشبه من عاش الموت مؤقتًا، فعاد دون أن يخبر أحدًا....
...لكن اللحظة لم تكتمل....
...(صوت خطوات راكضة... تتسارع.)...
...ثم فجأة—...
...ضربة عنيفة في ظهره....
...جسده تدحرج على الرصيف، كتلة صامتة تنهار دون مقاومة....
...ذقنه ارتطم بالأرض، وارتفعت ذرات الغبار في الهواء....
...صرخة شقّت السكون:...
...> "ها أنت ذا، السجين 0219؟!"...
...رفع رأسه ببطء، وقطرة دم سالت من فمه،...
...لكن عينيه ظلّتا جافتين....
...لم تكن تلك أول مرة يُضرب فيها....
...لكنه كان يعرف الصوت....
...كوان....
...مدير سجن "داركفيل"....
...الرجل الذي يشبه قفلًا صدئًا، لا يُفتح إلا بالمال... أو بالاحتقار....
...تمتم هان يو، بصوت مخنوق:...
...> "ألم يُطلق سراحي... للتو؟ ما الذي يجري؟"...
...لكن كوان أجابه بسوطٍ من الكلمات:...
...> "اقبضوا عليه."...
...أيدٍ خشنة أمسكت به....
...أراد أن يقاوم، لكنه لم يملك سوى ذهولٍ ثقيل....
...> "ماذا تفعلون؟! لقد انتهت محكوميتي! لماذا تعيدونني؟!"...
...اقترب مدير السجن أكثر....
...انحنى قليلاً، وقال بصوت منخفض... بارد... كأنه يُجرّح لا يتكلّم:...
...> "ظننت أن الحرية تُمنح بالمجّان؟"...
...ضحك، ضحكة قصيرة خاوية:...
...> "لو كان لك اسم، أو عائلة، أو نقود... لما بقيت هنا أصلًا....
...لكنك لا تملك شيئًا. ولا أحد سألك يومًا."...
...هان يو شهق....
...لم تكن الضربة تؤلمه......
...بل الكلمة....
...> "أنت تكذب..."...
...لكن كوان ردّ بنبرة حاسمة:...
...> "أنا لا أكذب... لأني لا أحتاج لذلك مع من لا يُحسب."...
...تراجع خطوة، وأدار وجهه للحراس:...
...> "خذوه. هذا الكلب لا يُترك طليقًا."...
...هان يو تلفّت حوله....
...نظرات الحراس كانت حادة،...
...لا شفقة فيها......
...لا تردد....
...كانت عيونًا تعلّمت الطاعة......
...وربما نسيت كيف تشعر....
...خفض صوته، وتمتم بمرارة:...
...> "سُجنت لجريمة لم أرتكبها... وأنتم تعرفون ذلك."...
...ضحك كوان مجددًا:...
...> "نفس ما يقوله كل قاتل. كفاك تمثيلاً. النهاية هنا."...
...بدأوا بسحبه....
...لكن "هان يو" لم يكن يُسحب فقط......
...كان يتمزق....
...فكّر في تلك اللحظة:...
...ظننت أنني سأُعدم وأرتاح......
...لكنهم أعطوني أملًا، فقط ليُروني كيف يُكسر الأمل... بهدوء قاتل....
...هذا ليس عدلًا....
...هذا موت آخر... لكن أبطأ....
...---...
...فجأة—...
...اهتزت الأرض....
...صرخ أحد الحراس:...
...> "الأرض... تتحرك!"...
...تشقّق الإسفلت أمام بوابة السجن....
...ضوءٌ أخضر غريب تسرّب من التصدع......
...بوابة تشبه الجرح......
...لكنها لا تنزف دمًا، بل احتمالًا....
...همس أحدهم، متجمّدًا:...
...> "بوابة... كريستالية؟!"...
...العيون اتّسعت....
...الأنفاس تجمّدت....
...شيء ما خرج من باطن الأرض... يرفض الصمت....
...في تلك اللحظة—...
...تحرّك "هان يو"....
...سحب ذراعه من قبضة أحدهم،...
...وركض....
...ركض كما لو أن حياته تبدأ من هناك....
...نحو البوابة....
...نحو اللاشيء....
...وقف أمامها....
...الضوء الأخضر انعكس في عينيه......
...وكأنه يغرق نارًا قديمة بداخله....
...همس:...
...> "ربما أموت......
...لكن الموت هنا، أرحم من حياة لا تُطاق."...
...نظر خلفه، ثم أمامه. لم يرَ سوى الضوء. خطوة... تردّد... ثم قفز....
...صرخ أحد الحراس:...
...> "أوقفوه!"...
...لكن كوان رفع يده فجأة:...
...> "توقّفوا."...
...> "ولكن—!"...
...> "قلت لا أحد يقترب."...
...صوته كان جادًا، قاطعًا....
...> "لون البوابة... لم أرَه من قبل."...
...صمت الجميع....
...---...
...لكن بينهم......
...كان هناك رجل....
...عيناه تلمعان بجشع....
...حدّق في البوابة كما يُحدق لصّ في خزنة مفتوحة....
...> "بوابة لم تُسجَّل من قبل... ربما تؤدي إلى كنز."...
...ركض....
...وقفز....
...لكنه لم يدخل....
...ارتطم بشيء غير مرئي....
...ودُفع للخلف، كما يُطرد الغريب من بيتٍ لا يخصّه....
...ارتطم بالأرض،...
...والذهول في وجهه أكبر من الألم....
...اقترب كوان من البوابة، وتمتم:...
...> "كأنها... فُتحت له وحده."...
...---...
...✦ داخل البوابة:...
...هان يو وقف، مترددًا....
...كأن الأرض تحت قدميه ما زالت تجرّب ثقله....
...تقدّم خطوة....
...ثم أخرى....
...كان يبحث عن شيء......
...أي شيء....
...ثم—...
...صوت خلفه....
...استدار بسرعة....
...رأى مراهقين... بدا أنهما لا ينتميان لهذا المكان أكثر منه....
...حدّق فيهما بذهول:...
...> "أنتم... طلاب؟"...
...> "ماذا؟!"...
...كانت الكلمة الوحيدة التي سمعها......
...قبل أن يبدأ كل شيء....
...---...
...في عام 2002، ظهرت أولى الشقوق في السماء....
...لم يكن هناك تحذير… لا عاصفة، لا صاروخ، لا انفجار....
...فقط شقٌّ، تمزّق كالصمت عندما يعلو صراخٌ لا يُسمع....
...تبعتها بوابات، فتحت فجأة في أنحاء متفرقة من العالم،...
...كأنّ شيئًا لا يُرى يطرق أبواب البشر دون إذن....
...من داخلها… خرجت عوالم....
...عوالم منسيّة، مقلوبة، خرافية، أو قاتمة....
...وتحوّلت الأساطير التي كانت تُروى على هامش الليل…...
...إلى واقع حيّ....
...لاحقًا، أطلق العلماء على هذه المناطق الغامضة اسم:...
..." البُعد الكريستالي"....
...في داخلها... كريستالات نادرة، بعضها يحمل قوى متشابهة، لكن القليل منها يُعد مميزًا، إذ يحتوي على قوة فريدة لا تتكرر....
...من يحظى بها… يتغيّر....
...يتجاوز حدود الإنسان العادي،...
...ويُدعى من يومها:...
..."عَبّارًا."...
...لكن شيئًا ما لم يكن طبيعيًا…...
...فعدد البوابات ظلّ يتزايد،...
...وكأن هذا البُعد لا يكشف نفسه عبثًا…...
...بل يبحث عن شخصٍ ما،...
...أو ربما يسعى لتحقيق هدف لا يعلمه أحد....
...---...
...داخل البُعد...
...الضوء هنا رماديّ مائل إلى الأزرق،...
...كأن الضباب تخلّى عن السماء وقرّر السكن في الهواء....
...الأرض لا صلبة، ولا لينة....
...كل خطوة يخطوها "هان يو"... تُشعره وكأنه يسير فوق نبضٍ حيّ،...
...كأن المكان بأكمله... يتنفّس....
...لا جدران....
...لا سماء....
...لا زمن....
...الفراغ ذاته يهمس......
...بأصوات قديمة، غامضة، تتردّد كما لو أن الريح تدور في دائرة لا تنتهي....
...ورغم ذلك... لم يكن وحده....
...أمامه، وقف شاب طويل القامة، شعره فوضوي،...
...وعيناه البنفسجيتان تحملان بريقًا هادئًا... فيه خطرٌ لا يُقال، لكنه يُحسّ....
...ابتسم الشاب، وقال بصوت ناعم كقطرة ماء فوق نار هادئة:...
...> "مرحبًا بك... في بُعد الاختيار."...
..."هان يو" لم يردّ مباشرة....
...كان ينظر حوله، يتأمّل هذا العالم الذي لا يُشبه أيّ شيء رآه....
...ثم تمتم:...
...> "أين أنا؟... ما هذا المكان؟"...
...بجانبه، وقفت فتاة هادئة، شعرها أشقر كأشعة قمرٍ ميت،...
...وعيناها زرقاوان... باردتان، كأن لا حياة فيهما....
...كانت ترتدي السواد... لا كملابس، بل كأنها حدادٌ متحرّك....
...> "ما الذي يفعله... طالب ثانوي هنا؟"...
...سأل "هان يو"، ثم أضاف بنبرة شك:...
...> "كنتُ أول من دخل... فكيف سبقتماني؟"...
...كانت الفتاة تحدّق في "هان يو" ببرودٍ صخري،...
...أما الشاب، فتقدّم نحوه بخطى هادئة، يحمل على شفتيه ابتسامة خافتة تكاد لا تُرى:...
...> "أنت أول من دخل، نعم. ولن يدخل أحد بعدك."...
...تجمّد تعبير "هان يو"، وتجعد جبينه ببطء، وكأنه يربط خيوطًا بدأت تنكشف:...
...> "أفهم... هذه البوابة صُمّمت ليدخلها شخصٌ واحد فقط."...
...ثم رفع حاجبه بدهشة تسكنها الريبة:...
...> "لكن من أنتما بالضبط، أيها الصغيران؟ وما سبب تواجدكما هنا؟"...
...في اللحظة التالية، كان الشاب قد اقترب بخفّة، وركله برفق في صدره....
...ركلة بلا ألم... لكنها صفعت شيئًا داخله، كأنما جرحت كبرياءه في الصميم....
...> "اسمي دال... رغم مظهري... أنا أقدم بكثير مما تتخيّل."...
...تغيّرت ملامح الفتاة أخيرًا....
...تلك الصلابة الجامدة في وجهها تصدّعت، وانفجرت ضحكتها خفيفة وعميقة، كأنها خرجت من مكانٍ دُفن طويلًا....
...نهض "هان يو" ببطء، ينفض الغبار الوهمي عن ثيابه، وحدّق فيها باستفهام، ثم أشار نحوها:...
...> "وهذه؟ أكبر منك أيضًا؟"...
...> "يمكنك مناداتي بـ'إيريس'. لكن لا تُرهق نفسك بأسئلة لا تهم."...
...رفع حاجبه باستغراب:...
...> "ماذا تقصدين؟... ألا أسأل؟"...
...استدارت إليه أخيرًا، نظرتها جامدة، وصوتها بارد كأنها تتلو تعليمات محفوظة:...
...> "نحن هنا لنُعطي، لا لنشرح. تُمنح شيئًا... ثم تغادر."...
...تجمّدت عينا "هان يو"، معلّقتين بظهرها....
...عاد صدى أحاديث قديمة في رأسه......
...من أناس دخلوا هذه البوابات قبله....
...أحاديث لم يصدّقها يومًا... لأنها بدت مستحيلة....
...(لكل بوابة اختبار... أو مهمة. ومن يقرّرها؟ حارس البُعد)....
...ابتلع ريقه، وصوته خرج مرتعشًا، كمن يحاول التأكّد من نبوءة:...
...> "هل أنتما... حارسا هذا البُعد؟ سمعت أن لكل بُعد من يُحدّد مهمة من يدخله."...
...أجابه الشاب بنبرة هادئة، لكن خلفها زخمٌ صامت يشبه العاصفة قبل أن تهبّ:...
...> "أنا... سيّد الأبعاد."...
...اتّسعت عينا "هان يو"، وتوقّف تنفّسه لوهلة:...
...> "سيّد... الأبعاد؟"...
...اقترب "دال"، وكل خطوة منه تُحدث موجة هواء ثقيلة،...
...حتى لم يبقَ بينهما سوى نبضٍ من فراغٍ مشحون....
...مدّ يده ببطء... وفي الخلف، انفتحت بوابة زرقاء، يتوهّج منها الضوء كقلبٍ نابض يرفض التوقّف....
...> "أنا من صنع جميع البوابات..."...
...[يتبع...]...
Comments