الفصل 1 - قي قلب الحريق

...لم يكن الدخان أكثر ما أحرقه في تلك الليلة... بل الحقيقة التي لم يستطع قولها....

...في الخارج، وقف الناس على الرصيف بأعينٍ مذعورة، وقلوبٍ تتقلب بين الخوف والذهول....

...الأمهات يحتضن أطفالًا مرتجفين، بعضهم يبكي، بعضهم يختبئ في أثواب أمهاتهم كأنهم يريدون الانسحاب من هذا العالم....

...رجال بملابس النوم، وجوههم متجمدة تحت أضواء المصابيح الصفراء، يحدقون إلى الأعلى بصمتٍ عاجز....

...الهواء المثقل بالدخان ينهش الصدور بقلقٍ لا يُقال، والحرارة تصلهم رغم المسافة....

...صفارات الحريق تعوي... لا كتحذير، بل كنَوحٍ متقطع في ليلٍ خانق، يعبث بالأعصاب....

...ومن الطابق التاسع، نافذة واحدة فقط تشتعل....

...غرفة واحدة فقط تحترق... كأن النار اختارت ضحيتها بعناية، بنية مبيتة....

...الهاتفات تهرع لطلب المطافئ، تتصادم الأصابع المرتعشة مع الشاشات، وتتعثر الكلمات في...

...الحناجر....

...الوجوه تهمس وتحدّق:...

...> "أظنها الغرفة 913..."...

...> "هل بقي أحد هناك؟"...

...> "يا إلهي... انه يعيش وحده، أليس كذلك؟"...

...بعيدًا عنهم، في الظلال الباردة خلف عمود إنارة مطفأ، وقف شابٌ بملامح جامدة، إلى جانبه امرأة بمعطف أسود طويل....

...عيونهما لم تعكس اللهب... بل استمتعت به....

...لم ينطقا، لكن ضحكتهما وحدها تكفّلت بتدنيس رهبة المشهد....

...ضحكة لا تشبه البشر....

...ضحكة لا تُقال في حضرة احتراق....

...---...

...الداخل - الطابق التاسع - الشقة 913....

...كل شيء ينهار....

...الجدران تتشقّق كأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، والسقف يئن فوق رأسه....

...الأثاث احترق حتى لم يعد يُعرف اسمه....

...الهواء مسموم ككذبة خبيثة، والدخان لا يغزو المكان فحسب... بل يلتفّ حول الروح كعناقٍ سام....

...في وسط الجحيم، كان "هان يو" يزحف....

...جسده الهزيل يجرّه الألم، والدم ينزف من خاصرته بثباتٍ مخيف، وكأن الجرح قرر ألا يتوقف حتى ينهار كل شيء....

...حرارة الأرضية تحت صدره تكوي جلده، والسخام على وجهه يجعل تنفسه أشبه بابتلاع رماد....

...نصف وجهه تفحّمه السخام، عيناه تدمعان... لا خوفًا، بل لأن الدخان يخنق كل تفسير....

...رائحة الخشب المحترق، البلاستيك المنصهر، لحم الجلد المشوي... كلها تختلط في صدره كخليط من الكوابيس....

...ورغم ذلك، لم يصرخ....

...لم يتوسل....

...بل تمسك بالحياة كما يتمسك الغريق بخشبة وسط عاصفة....

...زحف......

...حتى بلغ العتبة....

...خلفه، النيران تبتلع الغرفة بلا رحمة....

...أمامه... باب لا يُفتح....

...شهق....

...شهيق مثقل باليأس....

...ثم... بصوتٍ مجروح، خرجت الكلمات وكأنها تنزف من حلقه:...

...> "لا... ليس هنا... ليس هكذا..."...

...سعل بشدة -...

..."كح... كح... كح!"...

...وصدره يهتز كأنه سينفجر من الداخل، من ضيق التنفس أم من الكلمات العالقة في داخله؟...

...> "لن أموت وسط الحريق... دون أن أعرف الحقيقة..."...

...اختنق صوته، وسعل مجددًا:...

..."كح... كح...!"...

...حتى خُيّل له أن الهواء الذي يطلبه... هو من يقتله....

...لكن أي حقيقة؟ منذ شهرٍ مضى، كانت حياته هادئة... أو هكذا خُيّل له....

...ثم بدأت الأمور تتساقط، كأوراق خريفٍ باغته الشتاء قبل أوانه....

...خيانة... من أقرب الناس إليه....

...لم يخطر بباله يومًا أن تأتي الطعنة من حيث الأمان....

...لم يتخيل أن من وثق بهم، سيتركونه يحترق... حرفيًا....

...لم يفكر حتى في احتمال كهذا....

...لأن الطعنة التي لا تتوقعها... دائمًا تؤلم أكثر....

...عيناه الزرقاوان تلمعان بوميضٍ مختنق... كأن النار تستقر فيهما، لا حولهما فقط....

...> "هل يسمعني أحد...؟"...

...زحف أكثر... يده ترتجف، وكل عظمة في جسده تصرخ....

...> "أيّ أحد... بحق السماء... ساعدوني..."...

...سقط وجهه على الأرضية المتفحمة....

...رائحة جلده المحترق تملأ صدره....

...كل نفس يسرقه الزمن من رئتيه كمن يقتطع أيامًا من عمره....

...> "لا أريد أن أنتهي هنا... قبل أن أعرف من كان خلف كل هذا."...

...ثم صرخ - لا طلبًا للنجاة، بل إعلانًا:...

...> "أنا... أريد أن أعيش!!"...

...لا يمكنني السقوط الآن......

..."جونهو" ما زال ينتظرني....

...قال لي ذات ليلة، وعيناه لا تعرفان المزاح:...

...> "عدني... إن حصل شيء، تهرب. لا تتظاهر بالقوة."...

...ووعدته....

...وها أنا الآن... أتشبث بالحياة وسط الجحيم، فقط لأن وعدي له لا يزال يحترق في صدري....

...يحترق... أقوى من اللهب الذي يلتهم جسدي....

...صرخةٌ ممزقة، شوهها في نهايتها سعال عنيف:...

..."كـح!! كحخخ...!"...

...كأن صدره لم يعد يقوى على احتواء ما يريد قوله....

...---...

...بدأت الرؤية تتشوّش....

...صوت الحريق تراجع... لم يختفِ، لكن بدا بعيدًا، كأنه من عالمٍ آخر....

...عيناه نصف مغلقتين، ونبضه يتباطأ... لكنه لم يغفُ....

...بل ظهرت في ذهنه صور بعيدة، واضحة، كأن ذاكرته تمسك به من حافة الجحيم......

...وتعيده إلى البداية....

...إلى حيث بدأ كل شيء....

...إلى تلك اللحظة التي لم يكن فيها دخان......

...بل أكاذيب....

...[يتبع...]...

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon