كانت الأضواء داخل المطعم خافتة بلونٍ كهرماني دافئ، تتراقص برقة فوق الطاولات المغطاة بأقمشة بيضاء ناعمة، والشموع الطويلة تذوب ببطء كأنها تهمس للوقت ألا يمر.
في الزاوية، على طاولة بعيدة عن الجميع، جلس جاك وبيل.
هو يرتدي بدلة سوداء أنيقة، بلا ربطة عنق، قميصه الأبيض مفكوك الزر الأول كما اعتادت أن تراه، لكنه الليلة بدا مختلفًا… أقل غموضًا، وأكثر إنسانًا.
أما هي…
فكانت فاتنة.
بفستان خمري بسيط، لا مبهرج ولا مبالغ، لكن يكفي ليجعل الوقت يتوقف.
شعرها الكستنائي منسدل على كتفيها، وعيونها الخضراء تلمع تحت الضوء الناعم كزمردتين.
جلسا في صمت لثوانٍ…
لكن قلوبهما كانت تهمس منذ لحظة اللقاء.
— "شكرًا لأنكِ جئتِ."
قالها جاك، صوته منخفض، لكنه واضح… صادق.
— "وأنا… سعيدة لأنك دعوتني."
قالتها بيل، وهي تحاول ألا تنظر لعينيه أكثر من اللازم، لكنها فشلت.
ضحك بخفة:
— "كنت خائفًا أنكِ سترفضين."
— "وأنا كنت خائفة أنك تمزح."
ضحكت، ثم أضافت: — "أقصد… أنت الأستاذ، وأنا… طالبة."
جاك لم يجب فورًا.
لكنه مد يده على الطاولة، ببطء، كأنه لا يريد أن يرعب اللحظة.
ثم همس:
— "أنا جاك، اللي قاعد قدامك الليلة ليس أستاذك… بل رجل… وقع في حبك."
كلمات قليلة.
لكنها ضربت قلب بيل وكأنها سُمعت بمكبر صوت داخل صدرها.
تجمدت.
نظرت إليه، عيناه كانتا موجهتين إليها، مباشرة، بلا مراوغة، بلا تلاعب.
نظرات رجل لا يعبث… بل يحب.
— "جاك…"
همست، لكن صوتها خرج مرتعشًا.
— "بيل، أنا لا أمزح. ولا أقولها لأحصل على شيء… أنا فقط… لا أستطيع تجاهلك بعد الآن."
— "منذ أول لحظة رأيتكِ فيها، والطريقة التي نظرتِ بها إليّ… لم أعد الشخص نفسه."
— "وأنا…"
صوتها اهتز، ويدها بدأت تتحرك لا إراديًا فوق الطاولة… تبحث عن شيء.
عن دفء.
عن صدق.
وفجأة…
مد جاك يده، وأمسك بيدها.
كانت يده دافئة… قوية… ومتشابكة بأصابعها كأنها وجدت أخيرًا المكان الذي تنتمي إليه.
— "قلبي ينبض بطريقة غريبة وأنا معك، جاك."
قالتها وهي تنظر إلى يديه المتشابكتين بيدها.
— "وأنا… لا أفهمه، لكني لا أريد إيقافه."
نظر إليها نظرة رجل عرف الخطر… لكنه قرر السقوط رغم كل شيء.
— "أنا شخص معقد، بيل… وأنا لست جيدًا لكِ."
— "أنا لا أعيش حياة طبيعية، عندي أسرار، وعندي ظلال في الماضي ما زالت تطاردني."
— "لكن كل ذلك اختفى… الليلة، فقط لأنكِ هنا."
أغمضت عينيها للحظة، ثم نظرت إليه، وقالت:
— "أنا لا أبحث عن حياة كاملة، جاك… فقط عن شخص… يشعرني بالأمان حتى وأنا في وسط العاصفة."
— "وأنا لا أعرف كيف… لكنك تشعرني بذلك."
طالت النظرات.
اشتدت الأيادي المتشابكة.
واشتد الصمت، كأنه احتضن كل ما لم يُقال.
في تلك اللحظة، لم تكن بيل مجرد فتاة جامعية.
ولم يكن جاك مجرد أستاذ وسيم.
كانا رجلًا وامرأة… بينهما شيء يتخطى الكلمات.
نقطة بداية… وربما، نقطة اللاعودة.
جاك اقترب أكثر، وهمس:
— "هل يمكنني أن أراكِ مرة أخرى؟ خارج الجامعة… بيني وبينك فقط؟"
بيل نظرت في عينيه طويلًا، ثم قالت:
— "أنت الآن كل ما أراه."
[الوقت: بعد منتصف الليل – المكان: أمام شقة بيل – شارع هادئ – السماء تمطر بخفة]
خرجت بيل من السيارة ببطء، تحاول أن تبقي ابتسامتها، لكن عينيها كانت تنظر إليه كل ثانيتين،
كأنها لا تُصدّق أن الليلة حدثت فعلًا.
جاك وقف بجانب السيارة، يضع يديه في جيب معطفه، ونظره مُثبّت عليها.
— "استمتعتِ بالعشاء؟"
قالها بصوت هادئ، يشبه المطر في رقّته.
— "أكثر مما توقعت… بكثير."
قالتها بيل، وشعرها المبلل يلتصق بجبهتها، فتضحك وتبعده بخجل.
اقترب جاك خطوة.
هو لا يبتسم كثيرًا… لكنه الليلة فعل، أكثر من مرة، وكل مرة كانت بيل تشعر أن شيئًا في داخلها يُكسر بهدوء.
— "أشعر أني… كنت بحاجة لهذه الليلة."
قالها جاك، وهو ينظر مباشرة في عينيها.
— "كنت بحاجة لكِ."
بيل صمتت.
كأن كلماتها هربت منها.
لم يكن لديها دفاع. ولا منطق.
فقط قلب ينبض بقوة، ووجه ساخن رغم المطر البارد.
— "وأنا أيضًا."
همست، ثم أضافت بصوت خافت: — "كنت أظن أني وحدي من تشعر بشيء… خاص بيننا."
جاك اقترب أكثر. أصبح على بُعد خطوة منها.
نفسه كان ثقيلًا، كأن اعترافها كسَر آخر حواجزه.
— "بيل…"
نطق اسمها كما لو كان صلاة… أو ذنبًا.
مد يده ببطء، بإذنٍ صامت، ولمّا لم تتحرك، مرر أنامله على خدّها برقة…
لمستها كانت كهرباء، والمطر كان يُبارك اللحظة.
— "أنا لا أُقبّل النساء في أول موعد."
قالها، بنبرة عميقة كأنها تحمل ترددًا… وخوفًا.
— "وأنا… لا أسمح لأحد أن يلمس قلبي بسرعة."
ردت، ويدها ارتفعت ببطء، لتلامس طرف معطفه، تقبض عليه بخفة.
الصمت أصبح ثقيلاً.
عيناها كانتا تبحثان في عينيه… عن إذن، عن وعد، عن معنى.
وكانت عيناه تقول: "أنتِ ما كنت أبحث عنه… دون أن أعلم."
وفجأة…
تقاربا.
ليس اندفاعًا، ليس لهفةً فوضوية…
بل انسحاب ناعم نحو بعضهما، كما لو أن العالم يُعيد اتزانه.
شفاههما التقت…
ببطء.
بحذر أولاً… ثم بعمق… ثم بصمتٍ كلّي.
كانت القبلة دافئة رغم البرد.
ناعمة رغم العاصفة داخل صدريهما.
كأن الزمن انحنى احترامًا لها.
بيل أغمضت عينيها…
ووضعت يدها على صدره، تشعر بدقاته القوية…
بينما هو، احتضن وجهها بكلتا يديه، يلمسها كما يُمسك شيئًا يخاف أن يضيع منه.
"هذه أول مرة أشعر أني حي."
همس بها جاك، بشفاه لا تزال تلامس شفتيها.
— "وأنا… لا أريدها أن تنتهي."
قالتها بيل، وعينيها تلمعان، وقلبها ينبض كأنه سيكسر صدرها.
عاد لتقبيلها مرة أخرى، أقرب، أعمق، لكن هذه المرة دون خوف.
هذه المرة، كانت القُبلة وعدًا…
بأنه لن يتركها.
وأنهما، مهما حدث… أصبحا “نحن”.
بينما يدخل جاك سيارته ويغادر ببطء، تراقبه بيل من شرفتها.
يدها على شفتيها، وابتسامتها لا تُمحى.
لكن…
في زاوية الشارع، سيارة سوداء مركونة منذ نصف ساعة…
وفي داخلها، رجل غامض يراقبها عبر منظار… يلتقط صورة لها، ويُرسلها عبر رسالة نصية.
الرسالة:
"لقد بدأت اللعبة... والبريئة وقعت في قبضه ابنك يا زعيم "
[الزمان: ظهيرة مشمسة – المكان: ساحة الجامعة]
الجو كان خانق.
الشمس تسقط على الأرض وكأنها تختبر تحمّل البشر للحرارة.
بيل كانت تسير ببطء في الساحة، تحمل حقيبتها على كتفها، ووجهها شاحب.
العالم من حولها بدأ يضطرب…
الأصوات تتداخل، الرؤية تهتز…
والضوء… أصبح أبيض ساطع، ثم… أسود.
— "بيل!!"
— "أحدهم يتصل بالإسعاف!"
— "أبعدوا… أتركوها تتنفس!"
لكن صوتًا واحدًا اخترق الفوضى…
صوتًا منخفضًا… حاسمًا.
— "أنا سأتولى الأمر."
جاك.
استفاقت بيل على صوت أنفاسها…
كانت مستلقية على أريكة جلدية ناعمة، وغطاء خفيف فوقها.
شعرت بنسمة باردة من المكيف تُداعب وجهها وتزيل آثار الحرارة…
ويده… نعم، يده كانت تمسك بيدها.
جلست ببطء، ثم التفتت نحوه… كان جالسًا بجانبها، يحدّق فيها بعينين فيهما خوف… وشيء آخر أعمق.
— "أنتِ بخير؟"
سألها بنبرة منخفضة كأنها سُحبت من داخل قلبه مباشرة.
— "أين… أنا؟"
قالتها بيل بصوت متعب.
— "في مكتبي. لم أستطع أن أترككِ هناك وسط كل هؤلاء."
قالها، ثم رفع كوب ماء من الطاولة وقرّبه من شفتيها.
— "اشربي… بهدوء."
شربت، ثم نظرت إليه… كان قريبًا منها. أكثر مما تخيلت.
قميصه الأبيض مفتوح الزر كعادته… لكن عينيه كانتا عاريتين أكثر.
— "لقد كنتِ ترتجفين… وكان وجهك ساخنًا جدًا."
— "شغّلت المكيف… وضعت لكِ كمادات باردة… هل تشعرين بتحسن؟"
بيل أومأت برأسها.
لكنها لم تستطع التوقف عن النظر إليه.
— "كنت خائفة."
همست بها، صوتها مخنوق.
جاك لم يتحرك، لكنه شد على يدها بين كفيه، وقال:
— "وأنا كنت مرعوب."
— "عندما رأيتكِ تسقطين… شعرت أن شيئًا داخلي سينهار."
— "لا أستطيع تحمّل فكرة أن يصيبكِ أي مكروه، بيل… أنا…"
توقف.
حاول أن يبحث عن كلمة…
لكنها فعلت شيئًا لم يكن يتوقعه.
وضعت يدها على وجهه.
راحت تمسح بإبهامها على خده، وتهمس:
— "أنا هنا… بخير… بسببك."
جاك أغلق عينيه للحظة، ثم قال بصوت أجش:
— "لا تفعلي هذا بي، بيل… لا تنظري إليّ بهذه الطريقة…"
— "لأنني قد أقبّلكِ مجددًا… ولن أستطيع التوقف هذه المرة."
ابتسمت، واقتربت أكثر… كانت بينهما بضع سنتيمترات فقط.
ثم قالت:
— "فلتفعل… ولن أطلب منك أن تتوقف."
في لحظة…
الوقت توقّف.
اقترب منها، حتى صار نفسه يتسلل بأنفاسها…
وقبل أن تتلاقى شفاههما بلحظة واحدة…
همس:
— "قولي لي إنكِ تريدين هذا أيضًا، بيل… حتى لو كذبًا."
نظرت في عينيه وقالت:
— "هذا… ليس كذبًا."
ثم قبّلها.
لكنها لم تكن كقبلة الأمس…
بل قبلة الانتماء.
قبلة “أنا لك، شئت أم أبيت.”
كانت يداها تلتف حول عنقه، ويده تسند ظهرها بخفة، وقلباهما يصرخان صمتًا.
وكانت الموسيقى الهادئة من المكيف، كأنها تعزف خلفية لمشهد حب… خُلِق ليُحفظ.
بعد دقائق، انفصلا قليلًا…
جاك قال وهو يلمس جبينها:
— "الجو حار… لكنكِ أبرد من كل نسمة مرت في حياتي."
بيل ردّت بخجل:
— "وأنت… أدفأ من أي حضن عرفته "
كانت بيل خارجة من قاعة المختبر، تحمل كتبها وهي تمشي بهدوء في الممر الخلفي، حيث لا أحد يمر عادةً.
قلبها لا يزال يخفق من ابتسامة جاك الأخيرة في القاعة…
تلك النظرة التي ألقاها عليها دون أن يراهم أحد، تلك الهمسة بنبرته العميقة:
— "أراكِ لاحقًا…"
لكن فجأة…
خطوة سريعة خلفها.
صوت خافت يُغلق الباب.
استدارت بسرعة، وقبل أن تنطق…
جاك كان أمامها.
لم يقل شيئًا.
اقترب… أكثر.
بخطوات هادئة، ثابتة، تحمل شيئًا يشبه السيطرة.
— "جاك؟"
قالتها بيل بصوت خافت وهي تتراجع للخلف خطوة بخجل.
خطوة واحدة فقط… حتى اصطدم ظهرها بالجدار.
نظرت للخلف. لا مخرج.
نظرت للأمام. جاك… أقرب من أن تلتقط أنفاسها.
رفع يديه ببطء…
ووضعهما على الحائط بجانبي وجهها.
يحاصرها بجسده دون أن يلمسها… لكنه كان يلمس كل شيء فيها.
— "أتعرفين، بيل…"
همس بصوته العميق، نبرته أشبه بموسيقى داكنة.
— "لم أعد أستطيع تحمل هذا بعد الآن."
— "ماذا تقصد؟"
قالتها بيل والهواء يهرب منها، ويدها تضغط على الكتاب بين ذراعيها.
اقترب حتى أصبح بين أنفاسها.
— "هذا التظاهر بأنكِ طالبة فقط."
— "وأنني مجرد أستاذ."
— "بينما، كل مرة تمرين بجانبي… تحرقينني."
كلمات خرجت ببطء…
لكنها دخلت قلب بيل بسرعة البرق.
— "أنا لا أحاول حرقك…"
قالتها بيل بخجل، تكاد لا تنظر في عينيه.
لكن جاك ابتسم بخفة ساخرة وهمس:
— "بلى، تفعلين… كل يوم.
بنظرتك… بطريقتك في عض شفتك… بالطريقة اللي تقولين بها اسمي."
بيل لم تجد كلمات.
نفسها يضيق.
ويداه لا تزالان على الجدار، تحاصرها دون أن تمسّها.
— "قولي لي، بيل…"
اقترب أكثر، حتى أصبح بين وجهيهما سنتيمتر واحد.
— "هل أفقدكِ السيطرة… كما تفعلين بي؟"
بيل، بأنفاس مرتجفة، قالتها دون تفكير:
— "نعم… كل لحظة."
وهنا…
نزلت يد جاك ببطء من الحائط…
ولامست خصرها بخفة، ثم اقترب حتى همس بشفتيه عند أذنها:
— "لو بقينا هنا أكثر… سأقبّلكِ لدرجة تُنسيكِ اسمك."
شهقت بيل بخفة، ولم تتراجع.
بل قالت، بصوت خافت لا يكاد يُسمع:
— "وأنا… لا أمانع."
وهنا، لم يفعل شيئًا.
لم يقبّلها.
بل نظر إليها، ابتسم، ثم قال:
— "هذا هو الجنون بعينه، بيل… لكني لا أريد الهروب منه."
ثم ابتعد ببطء…
وعاد إلى طريقه، وتركها هناك، تلتقط أنفاسها، ظهرها لا يزال ملتصقًا بالجدار…
وقلبها، لأول مرة، لا يريد ان يتركه ابدا
كانت الساعة تشير إلى الخامسة وسبع وخمسين دقيقة مساءً.
السماء بلون الفحم، والشمس توشك أن تختفي خلف الأبراج المظلمة.
أصوات السيارات تختلط بصوت الموسيقى الخافتة في سماعة بيل وهي تغادر أبواب الجامعة، تمسك حقيبتها بيد واحدة، ويدها الأخرى تعبث بشعرها الأشقر المائل للذهبي.
كانت أفكارها كلها تدور حول جاك...
لماذا ابتسم بهذه الطريقة البارحة؟
لماذا لمس خدها كأنها الشيء الأخير الذي يود تذكره؟
ولماذا قلبها ينبض الآن بهذا الشكل الغريب؟ كأن جسدها يسبق عقلها في الخوف...
لم تكن تعلم أن قلبها كان يحاول تحذيرها.
فجـــــــــــــأة.
"بيل!"
لا أحد ناداها...
بل كان صوتًا في رأسها، صرخة غير منطوقة.
ثم سمعَت الخطوات.
ثقيلة. متسارعة.
وراءها.
التفتت بسرعة — ثلاثة رجال يرتدون السواد، أقنعة سوداء، أعينهم فقط ظاهرة… ولامعة بالشر.
ركضت.
صرخة خرجت من حنجرتها تلقائيًا،
أطلقت ساقيها كالسهم، قلبها يكاد ينهار.
— "الحقوا بها !"
صرخ أحدهم بصوت أجش.
الأرض تهتز تحت قدميها.
نفسها يقطع صدرها.
العالم ينهار حولها.
ركضت بين السيارات، عبرت الشارع وسط صرخات السائقين، سقطت مرة، وجرحت كفها، لكن الألم كان آخر اهتماماتها.
ركضت...
ثم توقفت.
زقاق ضيق.
ربما يكون مخرجًا؟
ربما يؤدي إلى الشارع الآخر؟
دخلته.
لكنها كانت غلطتها الأخيرة.
**
ذراع قوية سحبتها للخلف بعنف.
صرخة حادة خرجت منها.
ارتطم جسدها بالحائط البارد، أنفاسها اختنقت، ووجه الرجل اقترب منها.
— "أنتِ من أوقعتِ قلب ابن الزعيم."
قالها بصوت منخفض، عيونه قاتلة، وسكين في يده يلمع تحت نور النيون الأحمر.
— "جاك لا يجب أن يحب."
— "وجزاؤكِ... الموت."
— " من انتم ؟! من جاك؟! لماذا تقولون هذا ؟!"
صوتها خرج مبحوحًا، دموعها تنهمر، قلبها يصرخ: مستحيل!
— "جاك... كان قاتل قبل أن يكون انسان .
وإنتِ... بتدمريه هو مصيره زعيم وقاتل مثل والده ."
رفع السكين فوقها.
وصرخت.
**
لكن...
"بوم!!"
طلقة نارية مزقت الصمت.
ثم أخرى. ثم ثالثة.
الدم تناثر على الجدار.
الرجل سقط أمامها، عيونه مفتوحة، فمه مفتوح، لكنه ميت.
بيل جمدت.
صوت الرصاص ما زال يرن في أذنها.
ثم ظهر من آخر الزقاق... جاك.
**
لكن ليس جاك الذي تعرفه.
كان يرتدي الأسود.
عيونه ليست عاطفية… بل باردة.
في يده مسدس، وملامحه كالحجر.
الهواء من حوله تغير.
كأن الموت سار معه خطوة بخطوة.
— "بيل..."
قال اسمها بنبرة مكسورة، لكن هادئة، وهو يقترب.
— "انتي بخير؟"
بيل كانت ترتعش.
عينها على الجثث.
دم على الأرض. على حذائها. على يدها.
— "قتلتهم..."
قالتها بصوت هامس.
— "لم يكن لدي حل آخر حوريتي ."
قالها جاك بهدوء، وهو يضع المسدس جانبًا.
— "جاك… من انت ؟"
عيناها تمتلئان بالخوف والخذلان.
— "أنا جاك الذي يحبكي وانتي تعشقيه."
— "انت قاتل!"
صرخت فجأة، دموعها تتناثر.
— "لقد رأيتك بعيناي تقتل ، لست استاذي ، لست حبيبي … انت مجرم!"
— "ابتعد عني… لا تلمسني… ابتعد!!"
تراجع جاك.
كأن كلماتها أطلقت عليه رصاصة أشد من أي سلاح.
— "كدت تموتين …"
—" ليتني مت قبل أن أراك تقتل "
ثم تابعت بحزن وألم:
— "جميعكم نفس الشيء!"
صرخت، وانهارت تبكي، وهي تتراجع حتى سقطت على ركبتيها.
— "جاك... انت خنتني."
تلك الجملة... كانت نهايته.
انخفض رأسه.
أغلق عينيه.
— "ان خنتكي بدمكي … سامحيني."
قالها بنبرة لم تسمعها من قبل.
ثم التفت.
وابتعد.
صوت خطواته تلاشى في الزقاق.
الدماء ما زالت على الأرض.
الجثث بلا روح.
بيل…
بقيت وحدها،
تصرخ من الداخل،
تسأل سؤالاً لن يجيب عليه أحد:
"هل الحب يُبنى على دم ....
Comments