مد فيكتور العقد نحو شيري. تناولت القلم بيد مرتعشة، ووقعت اسمها بخط متصل على الأوراق، شعور بالهزيمة يشغل كاهلها. أصبح كل ما بنته، كل عملها الشاق، في يد هذا الرجل الذي لم ير فيها يوما سوى عبء.
بعد أن انتهت من التوقيع، رفعت رأسها. "ولماذا تريدني أن أعيش معك؟" سألته، محاولة أن تبدو صلبة، رغم الألم الذي يعتصر قلبها.
نظر إليها فيكتور بعينيه الزرقاوين الباردتين. للحظة، خيل لشيري أنها رأت بصيصا من الدفء في نظراته، أو ربما كان مجرد وميض خادع. سرعان ما طردت هذه الفكرة من رأسها. فيكتور ليس بالشخص الذي يمكن الوثوق به.
"هذا جزء من الترتيبات الجديدة يا شيري." أجاب بصوته الرتيب، دون أن يضيف أي تفاصيل. "جهزي أغراضك. سأرسل سيارة خاصة لنقلها في صباح الغد."
"لكنني أملك شقتي الخاصة، لا حاجة لي بالانتقال" اعترضت شيري، لكن كلماتها بدت وكأنها تائهة في فراغ مكتبه الكبير.
"هذا ليس للنقاش. عليك الانتقال. هذا يضمن حمايتك." قال فيكتور بلهجة حاسمة لا تقبل الجدل.
عضت شيري على شفتيها، تمنع سيلا من الكلمات الغاضبة من الخروج. فهمت أن النقاش عقيم. أومأت برأسها بمرارة، وشعرت بكتلة من اليأس تتشكل.
في جوفها. نهضت من مقعدها، ولم تنتظر إذنا بالانصراف، بل غادرت المكتب تاركة خلفها صمتا ثقيلا يلف المكان.
عادت شيري إلى شقتها، وعقلها يدور في دوامة من الأفكار السوداوية. شعرت بضيق لا يوصف، وكأن جدران شقتها تضيق عليها. كان عليها أن تخرج، تتنفس هواء نقيا، تحاول نسيان ما حدث. ارتدت ملابس غير رسمية، وتوجهت إلى أقرب حديقة.
كانت تسير بخطوات متثاقلة، تائهة في أفكارها، حتى اصطدمت بشاب يحمل آيس كريم. تلطخت ملابسها بالكامل باللون الوردي والأبيض، وتناثرت قطع الفراولة والشوكولاتة على قميصها. تنهدت شيري بيأس، وكأن اليوم قرر أن يضيف المزيد من النكد على كاهلها. "رائع!" تمتمت لنفسها بسخرية وهي تحاول مسح بقع الآيس كريم العنيدة.
لحسن الحظ، لم يمض وقت طويل حتى رأت صديقتها ناتالي جالسة على مقعد خشبي تحت ظل شجرة ضخمة. كانت ناتالي فتاة حيوية ذات شعر أسود وعينين واسعتين، تبتسم دائما.
"شيري! يا إلهي، ما الذي حدث لملابسك؟" قالت ناتالي بضحكة خفيفة وهي تلاحظ الفوضى على قميص شيري.
"لا تسألي، يوم سيء للغاية." ردت شيري وهي تجلس بجانبها، تشعر ببعض الارتياح لرؤية وجه مألوف.
"تبدين وكأنك مررت بإعصار. هل كل شيء بخير؟" سألت ناتالي، وقد تحولت ضحكتها إلى قلق.
"ليس تماما." تنهدت شيري. "سأنتقل للعيش مع عمي."
حدقت ناتالي بها بصدمة. "ماذا؟ متى؟ ولماذا؟"
"غدا... إنه... إنه جزء من صفقة." قالت شيري بتجنب، لا ترغب في الخوض في تفاصيل العقد البغيض.
"صفقة؟ أي صفقة؟" أصرت ناتالي، وقد لاحظت التوتر في صوت شيري.
"الأمر معقد بعض الشيء، ناتالي. لا أريد التحدث عنه الآن."
غيرت ناتالي الموضوع بذكاء، محاولة تخفيف الأجواء. "هل تذكرين ديفيد؟ صديق ذلك الرجل الذي قابلناه في الحفل الأخير؟"
عبست شيري قليلا. "ديفيد؟ لا أهتم به كثيرا."
"لكنه كان يبدو مهتما بك!" قالت ناتالي بمرح، وهي تدفع كتف شيري بلطف.
ثم عادت إلى الموضوع الأساسي الذي يشغل بالها. "بالمناسبة، أي نوع من الرجال هو عمك هذا؟"
"عمي؟" كررت شيري الكلمة بمرارة. "إنه متسلط طاغية. لا يسمح لأحد بالاقتراب منه." كانت كلماتها تخرج محملة بالأسى والغضب.
تغيرت ملامح ناتالي إلى الجدية. "أخشى عليك يا شيري. كوني حذرة."
"سأكون كذلك." أجابت شيري، وإن كانت لا تشعر بذلك في أعماقها.
بعد حديث قصير آخر، ودعت شيري صديقتها ناتالي وتوجهت إلى مطعمها المفضل لتناول العشاء. كانت تشعر بالتعب والإرهاق، وتريد فقط أن ينتهي هذا اليوم. تناولت وجبتها بسرعة، ودفعت الفاتورة، ثم خرجت من المطعم وهي تفكر في الاستعدادات ليوم الغد المشؤوم.
مشيت بضع خطوات قبل أن يتوقف قلبها فجأة. يداها تلامسان جيوبها، وتبحث في حقيبتها الصغيرة، لكن لا شيء! تذكرت أنها تركت حقيبتها على الكرسي في المطعم. "لا!" همست بذعر. ركضت عائدة بأسرع ما يمكن، لكنها وصلت لترى الأضواء قد أطفئت. الباب كان مغلقا بإحكام، وعلامة "مغلق" تضيء ببرود.
"لا، لا يمكن أن يكون!" ضربت الباب بقبضتها اليائسة. هاتفها، بطاقاتها التعريفية، بطاقاتها الائتمانية، كل شيء كان هناك. شعرت برأسها يدور، وأن العالم ينهار من حولها. لا هاتف للتواصل مع أي أحد، لا بطاقة هوية، لا نقود.
وقفت شيري أمام المطعم المغلق، تشعر ببرودة الهواء تلسع وجهها. كان اليوم قد وصل إلى ذروة فظاعته. "هذا هو أسوأ يوم في حياتي على الإطلاق!" قالت بصوت متهدج، وشعرت أن الدموع على وشك الانهيار.
Comments