...فكرت سيان وهي تتخيل الموقف تقريبًا....
...مهما كانت مكانة التنين المرافق عظيمة، فلن تكون أغلى من حياته. كان الأمير سيلقى حتفه وهو يحاول حماية إيديلين....
...لو أنه استدعى إيديلين رغم علمه بأنها لن تصمد، لما تمكن من الفوز، لكنه أيضًا لم يكن ليصاب بجراح خطيرة إلى هذا الحد....
...أهو غبي أم أنه رومانسي؟...
...هزت سيان رأسها نافيًا....
...“إذًا من هاجم الأمير كانت بريتا، أليس كذلك؟”...
...“……ولمَ تسألين؟ هل ستنتقمين منها مثلًا؟”...
...سأل الأمير مجددًا....
...“ماذا؟ وبأي قدرةٍ سأفعل ذلك؟……لا، قبل ذلك، لماذا عليّ أن أفعل هذا أصلاً؟”...
...اتسعت عينا سيان بدهشة وهي ترد بالسؤال. ...
...لم يكن بمقدورها رؤية تعابير وجه الأمير المغطى بالمنشفة. ومع ذلك، شعرت وكأنها رأت بعينيها نظرات الأمير الزرقاوين المخضرتين، يرمقها بخيبة أمل....
...“……إذًا لماذا تُصرّين على طرح تلك الأسئلة؟”...
...“لأني بحاجة إلى المعلومات، أليس من حقي أن أسأل؟ ولماذا تحاول استغلالي مجانًا؟ لا تملك ذرة ضميرٍ على ما يبدو.”...
...لم تكن سيان تتوقع ذلك، لكن الأمير خلف المنشفة عضّ على شفتيه بقوة من وقع كلماتها الوقحة. فلم يسبق له أن تعرّض لإهانة كهذه في حياته. ...
...وقاحة، وبلا ضمير أيضًا……...
...“هل تتذكر كيف أو بماذا طُعنت؟ أظن أن هذه المعلومة مهمةٌ أيضًا.”...
...“إن لم تكوني تنوين مساعدتي، فلن أجيب على أي سؤال بعد الآن.”...
...قرر الأمير أن لا جدوى من الحديث معها، فغطى وجهه بالمنشفة مجددًا بهدوء....
...“……ما هذا؟ هل تشعر بالاستياء؟”...
...سألت سيان بعدما حدّقت فيه بصمت للحظة....
...فجأة، أزاح الأمير المنشفة بعنف. كان على وشك أن يقول شيئًا على عجالة، لكنه لم يفتح فمه حتى، وأطلق أنينًا مؤلمًا وهو ينكمش من الألم....
...نقرت سيان بلسانها بضيق....
...“لو كان لديكَ ما تقوله، فخذ وقتكَ. من الواضح أنك من سلالةٍ راقية، لكنك مستعجلٌ أكثر من اللازم. ألم أخبرك أن التعافي أولًا أهم؟”...
...قالت سيان ذلك وهي تجمع المنشفة المبللة....
...'ذلك الفم…..'...
...ارتجف الأمير وهو يقبض يده بشدة. لم يكن واضحًا ما إذا كانت الرعشة بسبب الغضب أم الألم....
...“آنسة.”...
...“نعم؟”...
...ابتسمت سيان بخفة. كان ذلك رد فعل تلقائي. فوجه الأمير كان قريبًا منها للغاية بعدما أزاح المنشفة ورفع رأسه....
...صحيح أن وجهه بدا شاحبًا كمن خضع لتعذيبٍ بالماء لعدة أيام، وشفتيه متشققتان في حالٍ يُرثى لها، لكن رغم ذلك، كانت ملامحه المرتبة والمميزة تفرض حضورًا قويًا يثير الدهشة كل مرة....
...كانت عيناه الزرقاوان المخضرتان الحادتان قريبتين جدًا من أنفها. ...
...سيان كانت تعلم جيدًا أن أكثر من ثمانين بالمئة من المشاعر في تلك العينين كانت مجرد انزعاج، ومع ذلك، لم تستطع كبح إعجابها. حتى الكلمات الجارحة التي كانت على وشك قولها، انكمشت في صدرها دون أن تخرج....
...“ما أنتِ بحق؟”...
...اخترق صوتٌ منخفض أذن سيان التي كانت قد شردت وهي تتأمل وجهه عن قرب....
...“عندما التقينا في الغابة، قلتِ أنك ستضعين خطةً حسب تحركات إيديلين. وكنتِ أول من لاحظ أنني أطلق قواي السحرية. كيف تعرفين كل هذا عن التنانين؟”...
...“ألا تستخف كثيرًا بالمرتزقة؟ فأساسًا، أنا فقط-”...
...“لا تتهربي من الإجابة. لو كان الجميع يعرف عن التنانين بقدر ما تعرفين، لاضطرت العائلة الإمبراطورية لتعزيز أمنها أكثر.”...
...تلألأت عينا الأمير الساكنتان ببريقٍ أكثر حدة. ...
...أغلقت سيان فمها لا لعدم امتلاكها ردًا، بل لأن هالته المتسلطة جعلتها تفعل ذلك دون وعي....
...“كوني صريحة. من يعرف عن التنانين بهذا القدر هم فقط، سادة التنانين، أو كهنة التنانين....
...ولم أسمع مؤخرًا أن تنينًا اختار سيدًا له، لذا، إما أنكِ سيدة تنينٍ اختفت منذ زمن بعيد، أو واحدةٌ من الكهنة المنبوذين. أي الجانبين تنتمين إليه؟”...
...خفض الأمير صوته وأطلق نظرةً قاتمة. فلم تستطع سيان منع نفسها من رسم ابتسامةٍ مائلة على شفتيها....
...……هل انكشفت؟...
...كأنني كنت مسحورةً بمظهره المبهر كما لو كان تمويهًا طبيعيًا، فأرخيت حذري تمامًا....
...تقول الإشاعات عنه: “إذا صفعه أحدهم على خده الأيسر فسيعرض له الأيمن”، لكنه لم يكن مغفلًا كما ظننت....
...“وما الذي ستفعله إن كنتُ سيدة تنين، أو كاهنة منبوذة؟” ...
...سألت سيان بوقاحة. فارتجف حاجب الأمير قليلًا....
...“في كلتا الحالتين، ليس من شأن سموّك التدخّل، أليس كذلك؟ ربما كان بوسعكَ فرض نفوذك حين كنتَ لوردًا لإيفاريد، لكن ألقِ نظرةً على حالكَ الآن.”...
...وبينما تتحدث، أمسكت سيان بكتف الأمير الأيسر بشدة متعمدة....
...تجهم وجهه وعضّ على أسنانه ليكتم الأنين الخارج من بين شفتيه، وكأن لمسةً واحدة من يدها كادت تفقده وعيه، إذ بدأ يتصبب عرقًا باردًا بغزارة....
...“أليس من الذوق، إن أنقذكَ أحدهم من الموت، أن تبدأ بشكره أولًا بغضّ النظر عن هويته؟”...
...قهقهت سيان بخفة وكأنها تتعمد استفزازه....
...“ثم إن العائلات ذات المكانة المحترمة تُعلّم أبناءها، سواءً كانوا ذكورًا أم إناثًا، عن التنانين. فهذا من أساسيات المعرفة التي يجب أن يتحلى بها كل رعيةٍ في إمبراطورية التنانين. لكن يبدو أن سموّكَ، الذي طُرد باكرًا من القصر كمن يُلقى في بئر، لا يعرف الكثير عمّا يجري خارج ذلك البئر.”...
...“……أتقولين أن هذه مجرد معرفةٍ عادية للنبلاء؟”...
...تمتم الأمير بامتعاض وكأن ما سمعه غير معقول، ممزوجًا بأنينٍ خافت. ...
...أما سيان، فدفعت شفتيها إلى الأمام ورفعت كتفيها ببرود....
...“صدق أو لا تصدق، هذا ما كان عليه الأمر عندما كنت آنسة من إحدى الأسر النبيلة.”...
...ارتعش حاجباه بقوة....
..."آنسة……آنسة من عائلة نبيلة."...
...وصل إلى أذني سيان صوته الخافت وهو يتمتم لنفسه....
..."أي آنسة نبيلة تلك التي تتقن إلقاء الشتائم السوقية بهذه الطلاقة……"...
...يبدو أن هذا الأمر أكثر صدمه من معرفته بأن النبلاء يتلقون تعليمًا دقيقًا عن التنانين....
...'أنا أسمع كل شيء، كل شيء بوضوح.'...
...تظاهرت سيان بتجاهل تذمر الأمير المذهول....
...“إذًا، كيف لآنسة من عائلةٍ نبيلة أن تتحول إلى مرتزقة جوالة؟”...
...على ما يبدو، كانت كلمة “آنسة” قد علقت في حلقه بعدما سمع شتائمها الصارخة، لكنه مع ذلك نطقها متقطعةً وبألم....
...لم يكن الألم من جروحه الجسدية، بل من جرحٍ في أعماق روحه....
...صحيح أنه قد طُرد من العائلة المالكة، لكنه قضى سنواته كسيدٍ لإيفاريد، محاطًا بنساء راقيات متحفظات. ...
...أن يكتشف الآن أن تلك المرأة التي تلوّح بسيفها وتقفز هنا وهناك، وتصرخ دون حرج “تبا لك!” في لحظات الذعر، بل وتقوم بتعذيبه بالماء عمدًا أو خطأ……أن تكون هي نفسها آنسة من النبلاء؟...
...لا بد أن هذا قد شكّل له صدمةً لا يُستهان بها....
...سيان، من ناحيتها، أومأت في سرّها بتفهّم. و قررت أن تتسامح معه باعتبارها الأكبر سنًا، وأفسحت له المجال....
...هكذا، يكبر فتى البئر ويصير رجلًا....
...“ليس من اللائق أن أشارككَ تفاصيل حياتي الشخصية في أول لقاءٍ بيننا، أليس كذلك؟ ألا تظن أن الوقت لا يزال مبكرًا لنعرف بعضنا إلى هذا الحد؟”...
...قطب الأمير حاجبيه ممتلئًا بالضيق. و كان في داخله الكثير مما يريد قوله، لكنه لم يجد ما يُنقض به كلام سيان....
...“حقًا، لستِ أية واحدة من الاثنتين؟”...
...“إن لم ترد التصديق، فدعكَ من الأمر.”...
...ابتسمت سيان بهدوء وهي تعقد ذراعيها بثقة. بينما لزم الأمير الصمت، وقد بدا غارقًا في الشك، لكنه لم يواصل الضغط....
...ساد الصمت بين سيان والأمير، وقد خيّم توترٌ دقيق بينهما....
...الأمير لم يستطع التخلّي عن شكوكه بسبب برود سيان وصعوبة قراءة دواخلها، أما سيان، فبدأت تتساءل إن كانت قد استهانت به أكثر من اللازم....
...“آه، نونا! كنتِ هنا إذًا.”...
...انطلقت خطواتٌ من الخارج، ثم فُتح باب الخيمة ودخل أحدهم....
...“لا، سموّك، لماذا أنتَ مستيقظ؟”...
...كان الطبيب جيفي. فتح باب الخيمة بالكاد، وعيناه تتنقلان بين سيان والأمير بشكل مفاجئ، ففتح فاه بدهشة....
...“ارجع إلى السرير فورًا. لقد أزلت الجرح العفن بالكامل، حتى وإن كنتَ صاحب تنين، فإن استمررت في التحرك هكذا سيكون الأمر خطيرًا جدًا.”...
...ثم، بتعجل، قام جيفي بإعادة الأمير إلى السرير وهو نصف جالس....
...كانت ملامح الأمير الشاحبة قد تحولت من نظرةٍ حادة إلى وجه مليء بالضعف، وكأنه سيسقط في أي لحظة، ليعود مستلقيًا على السرير....
...رفعت سيان حاجبيها بدهشة....
...……ما هذا؟ ما هذا الشعور الغريب والمزعج؟...
...“حسنًا، نونا. دعينا نترك الموضوع الآن. سموّه بحاجة للراحة، وإذا كان لديكِ شيء لتقولينه، يمكننا مناقشته في وقتٍ لاحق. يجب أن تخرجي الآن.”...
...أخذ جيفي يوجه أوامره بسرعة لسيان....
...“ماذا؟” ...
...خرج صوتٌ غريب وغير مقصود من فم سيان....
...“ماذا؟ أليس من الواضح أن هناك منشفة؟ كنت أعتني بسموّه على طريقتي……”...
...“هل تعتنين به؟ أنتِ؟”...
...سألها جيفي وكأنه سمع شيئًا غير معقول....
...“هذا ليس ما نعتبره رعايةً اجتماعية، آنسة. إذا كنتِ تقصدين التعذيب، فهذا أمرٌ آخر.”...
...استغل الأمير الفرصة وهو مختبئ وراء الطبيب ليضيف تعليقًا فجائيًا....
...فتحت سيان فمها، ثم توقفت عن الكلام في اللحظة الأخيرة، و كأنها كانت على وشك قول “اغلق فمك، سموّك”، لكنها شعرت أنه سيكون أمرًا مبالغًا فيه للغاية....
...همست سيان مع نفسها بعد أن أطلقت سعالًا قويًا لتتخلص من الكلمات التي كانت على طرف لسانها، ثم زفرت نفسًا عميقًا....
...“أتيتُ الى هنا. بالطبع لم يكن العناية الهدف الرئيسي أيضًا. ماكس قال إن الطبيب هنا، فجئت فقط لأسمع عن حالة سموّه، لما كنتَ في الخارج حتى الآن؟”...
...“ماذا؟ لم أكن بعيدًا. يجب عليّ أن أتناول الطعام أيضًا، أليس كذلك؟ خرجت قليلًا لتناول شيء.”...
...تنهّد الطبيب جيفي متأففًا، بينما ضرب الأمير شفتيه بصوت عالٍ وكأنّه يوبخ....
...هل كان ذلك يبدو وكأنّه ينتقد صاحب العمل الذي لا يهتم بتوفير الطعام والإقامة للموظفين؟ ربما كان ذلك مجرد فكرة مشوشة في رأس سيان....
...أخذت سيان لحظةً لتفكر بجدية في الأمر....
...“بخصوص حالة سموّه، كما ترين، فإن وعيه واضح والنزيف بالكاد قد أوقفته، وبالتالي لا يوجد شيء كبير يهدد حياته. طالما أنه لا يبالغ في بذل الجهد.”...
...“……نعم، يبدو أن حالته جيدةٌ جدًا، بلا فائدة.”...
...قالت سيان ذلك بابتسامةٍ ساخرة،...
...“إذًا، سموّك، هذه الفتاة المتعجرفة والمجهولة التي تمارس التعذيب من أجل استقرار صحتك النفسية ستنصرف الآن. أرجو أن تحافظ على صحتكَ حتى نلتقي مجددًا.”...
...أضافت سيان بنبرة هادئة وأنيقة، محاولةً تقليد لهجة النبلاء، وانحنت قليلاً كما يفعل الأرستقراطيون....
...بتعليقها الساخر، عبّرت سيان عن ازدراء، فيما عبس الأمير وضيق عينيه مستاءً....
...“لا أدري كيف أشكركِ على هذا القلق العظيم. حين تتحسن صحتي، سأرد لك معروفك بألف مرة.”...
...أجاب الأمير بنفس النبرة الهادئة، لكنه كان يحمل في كلماته سخريةً واضحة، وهو ما أدركه الطبيب جيفي تمامًا....
...نظر جيفي بين سيان والأمير، في حالةٍ من الذهول، وهو يتنقل بينهما بعيونٍ متسائلة....
...___________________...
...سيان كانت نبيله؟ ولا لايكون الصوت الي في راسها صوت تنين؟ ...
...حسبت الصوت الي في راسها بس كذا هلوسات مع نفسها هذا وش وش صاير ...
...المهم علاقتهم من اولها واو 😂...
...Dana...
Comments