كوابيس الكهف ووجه الظل

استيقظ أريس على صوت أنفاس متقطعة وصدى خافت يتردد داخل الكهف، كأن أحدًا يبكي من مكان بعيد. فتح عينيه بتثاقل، فوجد يوكي تجلس عند مدخل الكهف، يلفها الظلام، ووجهها نصف غارق في ظل القمر، وعيناها شاردتان نحو الفراغ.

اقترب منها بهدوء وهمس: "ما بكِ؟ لم تنامي؟"

ردّت بصوتٍ مرتجف: "كلما أغمضت عيني... أرى قريتنا تحترق. أمي تصرخ، وأنا عاجزة. أراك تسقط أمامي، والظلال تجرّك بعيدًا... وأنا لا أستطيع الحركة."

ساد الصمت لوهلة، ثم جلس بجوارها. لم يجد أريس الكلمات الكافية ليخفف عنها، فكل ما رأته... رآه هو أيضًا. كل لحظة، كل صرخة، كل جسد ممزق لا يزال محفورًا في عقله كأنها حدثت الآن.

قال وهو ينظر نحو السماء الملبدة بالغيوم: "أحيانًا أشعر أن الموت كان أهون مما عشناه."

أجابت بصوت خافت: "لكننا أحياء... وهذا ما يكرهه الظل، أليس كذلك؟"

لم يجب، بل أدار وجهه نحو الداخل وعاد إلى النار التي أوشكت على الانطفاء. كانت جمراتها الحمراء كأنها عيون تراقبه في صمت. ألقى بعض الأخشاب التي جمعها أمس، فاشتعلت من جديد، وانتشر الدفء في المكان، لكن بردًا خفيًا ظل ينهش داخله.

فجأة، همس صوت في أذنه. صوت يعرفه، لكنه لا يستطيع تحديد مصدره: "أنت السبب... أنت من تركهم يموتون."

تسارعت أنفاسه، وجحظت عيناه، وفجأة وجد نفسه في ظلامٍ دامس. لا يوكي، لا كهف، لا نار. فقط صدى صوته الداخلي يتردد: "أنت السبب... أنت السبب..."

ثم خرج من الظلام وجه... كان وجهه هو، لكن بعينين سوداوتين وفمٍ مشوه يبتسم بسخرية. قال له الوجه: "أنا أنت... عندما تفقد إنسانيتك."

صرخ أريس، فاستفاق فجأة ليجد يوكي تهزه برعب: "أريس! كنت تصرخ! ما بك؟!"

تنفس بصعوبة، وأخذ ينظر حوله ليتأكد أنه في الكهف. قطرات العرق تغطي وجهه، وقلبه ينبض كطبل حرب.

قالت يوكي وهي تمسك بيده: "أظن أن هذا الكهف ليس عاديًا... إنه يهاجم عقولنا."

لم يجب. اكتفى بالنظر إلى النار. لكنها لم تشعره بالأمان. شيء ما في هذا المكان... يختبرهم.

ثم فجأة، سمعا صوت خُطى بالخارج. شدّ أريس سكينه، وشدت يوكي سيفها. توقف الصوت عند مدخل الكهف، ثم ظهر ظل طويل يحمل قوسًا على ظهره.

كان هو... المقنّع.

وقف بلا حركة للحظة، ثم رفع يده ببطء كأنما يقول: "أنا لست عدوا."

دخل بهدوء، جلس على الأرض دون أن ينطق، ثم مدّ يده وأشعل نارًا صغيرة بأدواته الخاصة.

قال بصوت أجش، لكنه غير مهدد: "رأيتكما تقاتلان. كان يجب أن أتأكد أنكما على قيد الحياة."

سأله أريس بنبرة حذرة: "من أنت؟ ولماذا تساعدنا؟ وكيف دخلت إلى هذا المكان؟"

أجاب وهو يرمق النار: "أنا... مثلكما. فقدت كل شيء. لكني كنت هنا قبلكما بكثير."

ثم صمت لثوانٍ قبل أن يضيف: "هذا العالم لا يقتلك بسيف أو مخلب... بل بالوهم. يدخل إلى رأسك، يزرع الخوف، ويجعل منك واحدًا من الظلال... دون أن تشعر."

نظرا إليه بدهشة وخوف، لكنه أكمل: "الكوابيس التي رأيتماها؟ مجرد بداية. هذا الكهف يُعرف باسم كهف العيون الميتة. كل من دخله، رأى أسوأ ما بداخله... ومات أو تحوَّل."

ارتجفت يوكي، وقالت: "ولماذا تساعدنا إذًا؟ ما مصلحتك؟"

ابتسم المقنع بسخرية، وقال: "ربما تظنونني ملاكًا، لكنني لست كذلك. فقط... رأيت فيكما ما كنت عليه يومًا. لم أستطع أن أترككما."

ثم وقف، وقال بصوت أكثر جدية: "غدًا ستبدأ الرحلة الحقيقية. استعدا. هذا المكان ليس سوى البداية. هناك... ما هو أسوأ."

ولوّح بيده، ثم خرج من الكهف، واختفى كما جاء. كأن الأرض ابتلعته.

سأل أريس نفسه بصوت خافت: "هل هو بشري حقًا؟ ولماذا ساعدنا؟ وما الذي يعنيه بأنه كان هنا قبلاً؟"

لم تجب يوكي، بل اكتفت بالنظر إلى النار، وعيناها ممتلئتان بالدموع. ثم همست: "أنا خائفة يا أريس... لا أريد أن أفقدك."

ضمّها إليه وقال: "لن أفقدك أيضًا. ما دمنا نقاتل، سنبقى بشرًا."

في اليوم التالي، جمعا أغراضهما القليلة، وخرجا من الكهف الذي لم يعد يشعرهما بالأمان. سارا في الغابة السوداء، كان كل شيء ساكنًا بشكل مريب، كأن الحياة اختبأت.

وبينما كانا يمشيان، رأيا في الأفق كهفًا آخر، لكنه كان مضاءً من الداخل، كأن فيه نارًا أو شيئًا يتحرك.

ترددا، لكن التعب والجوع لم يتركا لهما خيارًا.

قال أريس: "إن كان هناك خطر، سنواجهه. وإن كانت فرصة... فقد ننجو."

دخلا ببطء، وكل خطوة داخلهما توترًا أكبر. الكهف كان دافئًا، وجدرانه منقوشة بعلامات غريبة. وفجأة... سمعا صوتًا يأتي من الداخل:

"أخيرًا... وصلتما."

نظر أريس إلى يوكي، ثم تشددا بأسلحتهما. من قال هذه الجملة... لم يكن إنسانًا.

ولأول مرة، لم يكونا متأكدين إن كانا سيخرجان أحياء.

نهاية الفصل الثالث.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon