فتاة القمر الاحمر
💜❤💜❤💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜
الفصل الأول: القرية والسر الغامض
---
كانت قرية "أندور" صغيرة وهادئة، محاطة بحقول القمح والزهور البرية، ويغمرها نهر ضيق يلمع تحت أشعة الشمس كأنه خيط من فضة. لم يكن أحد يلتفت إلى زويا كثيرًا، فهي يتيمة منذ أن كانت طفلة رضيعة، تربّت عند العجوز "ماريا" التي اعتنت بها كابنتها. رغم ذلك، كانت زويا تشعر دائمًا بأنها مختلفة عن الآخرين، كأن روحًا غريبة تهمس في داخلها ليلًا.
في مساء ربيعي، اجتمع أهل القرية في الساحة الكبيرة للاحتفال بموسم الحصاد. الزينة كانت معلقة، والطبول تُقرع، والضحكات تملأ المكان. جلست زويا قرب النار تتأمل اللهب، وداخلها شعور غريب يضغط على صدرها.
اقتربت منها صديقتها "ليزا" وقالت بابتسامة:
"زويا، لماذا تجلسين وحدك كالعاده؟ هيا، تعالي نرقص!"
رفعت زويا عينيها إلى السماء وقالت بصوت خافت:
"ليزا… هل لاحظتِ القمر الليلة؟"
التفتت ليزا بدهشة، فرأت القمر وقد اكتسى بلون أحمر داكن لم تراه من قبل. قالت بصوت متوتر:
"هذا… غريب. لم يحدث مثل هذا من قبل."
شعرت زويا بقشعريرة تسري في جسدها. القمر الأحمر… لقد رأته في أحلامها مرارًا. في كل مرة يظهر، كانت تسمع صوتًا يهمس باسمها، لكنه يختفي قبل أن تفهم المعنى.
تقدّم رجل من الشيوخ، كان يُدعى "جاد"، وصرخ وسط الناس:
"عودوا إلى بيوتكم! القمر الأحمر نذير شؤم. منذ زمن طويل، كان ظهوره علامة على الدماء والحروب!"
ارتفعت همسات الخوف بين الناس، وبدأ الاحتفال يتفكك بسرعة.
أما زويا، فقد وقفت وسط الساحة تحدّق في السماء، غير قادرة على تحريك قدميها. كانت تسمع صوتًا داخليًا أكثر وضوحًا من أي وقت مضى:
"زويا… اقتربي. لقد حان الوقت."
اقتربت منها ماريا بسرعة وأمسكت بيدها بقوة:
"هيا بنا، يا ابنتي. هذا ليس منظرًا عاديًا."
لكن زويا التفتت إليها بعينين قلقتين وقالت:
"ماريا، لماذا أشعر أن القمر يناديني؟ لماذا أشعر أنني أعرفه؟"
تجمّدت ملامح ماريا لثوانٍ، كأن سؤال زويا أيقظ سرًا دفينًا. لكنها أخفت ارتباكها سريعًا وقالت بصرامة:
"لا تتفوهي بهذه الكلمات أمام أحد! العالم لا يرحم المختلفين يا زويا."
في تلك الليلة، لم تستطع زويا النوم. جلست عند النافذة تراقب القمر الأحمر وهو يعلو ببطء في السماء، والريح تعصف بين الأشجار. فجأة، شعرت بحرارة غريبة في ذراعها اليسرى. نظرت إليها، فرأت على بشرتها بريقًا خافتًا كأنه رمز دائري يتوهج ثم يخبو. شهقت بصوت مسموع وهمست لنفسها:
"ماذا يحدث لي؟!"
فتحت الباب وخرجت إلى الساحة الفارغة، والليل يلف القرية بصمته. وقفت تحت القمر الأحمر، والرمز على ذراعها يتوهج أكثر فأكثر. في تلك اللحظة، دوى صوت في أذنها، قوي وواضح:
"أنتِ المختارة يا زويا… ابحثي عن الحقيقة قبل فوات الأوان."
ارتجف جسدها كله، وامتلأت عيناها بالدموع. أدركت أن حياتها لن تعود كما كانت أبدًا.
-------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني: العلامة المضيئة
استيقظت زويا في صباح اليوم التالي، وذهنها ما يزال مثقلاً بما حدث الليلة الماضية. لم يكن ما رأته حلمًا؛ الرمز على ذراعها كان حقيقيًا، ما زال يلمع بخفوت تحت بشرتها. حاولت إخفاءه بكم ثوبها الطويل، لكنها لم تستطع منع الخوف الذي استقر في قلبها.
في المطبخ، جلست ماريا تُحضّر الخبز الساخن. رفعت رأسها إلى زويا ولاحظت شحوب وجهها.
"زويا، هل لم تنامي جيدًا؟"
"لا… رأيت أشياء غريبة."
ترددت لحظة، ثم دفعت كلماتها دفعة واحدة:
"ماريا، هناك علامة ظهرت على ذراعي. إنها تضيء… في الليل."
تجمدت يدا ماريا فوق العجين، وبدت عيناها مذعورتين. حاولت أن تخفي انفعالها لكنها لم تنجح.
"هل أنتِ متأكدة؟!"
"نعم… أريد أن أعرف ما الذي يحدث لي."
وضعت ماريا يديها على وجهها للحظة، ثم قالت بصوت خافت:
"كنت أخشى أن يأتي هذا اليوم."
قبل أن تشرح أكثر، طرق الباب بعنف. كان الطارق الشيخ "جاد"، الذي بدا عليه القلق الشديد.
"ماريا! أين زويا؟ عليّ أن أراها فورًا!"
تبادلت زويا وماريا نظرات مضطربة، ثم دخل الشيخ بخطوات سريعة، عيناه تفتشان الغرفة حتى وقعتا على زويا.
"لقد رأيت القمر الأحمر بنفسي… وأعلم أن العلامة ظهرت."
شهقت زويا:
"كيف تعرف؟!"
اقترب منها وقال بصوت منخفض:
"لأن هذه العلامة ليست جديدة. إنها تعود إلى سلالة قديمة… سلالة الحُرّاس."
تدخلت ماريا بسرعة:
"كفى يا جاد! إنها مجرد فتاة، لا تزرع الخوف في قلبها."
لكنه تجاهلها، وأمسك بيد زويا، كاشفًا عن ذراعها. عندما رأى الرمز المضيء، أغمض عينيه كأنه تأكد من أمر خطير.
"إذن لم يعد هناك شك. لقد بدأت النبوءة تتحقق."
تراجعت زويا خطوة إلى الوراء، قلبها يخفق بجنون:
"أي نبوءة؟ عن ماذا تتحدث؟!"
ردّ جاد بنبرة غامضة:
"عندما يشرق القمر الأحمر، ستُبعث قوى الظلام، ولن يوقفها سوى الفتاة المختارة التي تحمل العلامة. وأنتِ… يا زويا… تلك الفتاة."
لم تستطع زويا استيعاب ما تسمعه. نظرت إلى ماريا، تنتظر منها أن تكذّب كلامه. لكن ماريا ظلت صامتة، ودموعها تترقرق في عينيها.
"ماريا… قولي شيئًا!"
أطرقت ماريا رأسها ثم قالت بصوت منكسر:
"لم أرد لكِ أن تعرفي بهذه الطريقة. نعم، يا ابنتي… دمك ليس عاديًا."
شعرت زويا أن الأرض تدور بها. صوت جاد ما يزال يتردد في أذنها، والرمز على ذراعها يخفق مع نبضها. فجأة، سمعوا جميعًا صرخة مدوية من خارج البيت. خرجوا مسرعين، فوجدوا الناس يركضون في الساحة مذعورين.
كانت هناك مخلوقات غريبة تتسلل من حافة الغابة، عيونها تتوهج بالحمرة، وأنيابها تلمع تحت ضوء النهار. صرخت ليزا وهي تهرع نحو زويا:
"زويا! إنهم قادمون! الوحوش… الوحوش خرجت من الغابة!"
وقفت زويا مذهولة، لكن الرمز على ذراعها ازداد توهجًا حتى أضاء حولها. رفعت يدها بلا وعي، وإذا بطاقة دافئة تنبعث منها، لتصد أول وحش اندفع نحوها. سقط المخلوق أرضًا وهو يصرخ، فتراجع الآخرون لحظة بدهشة.
نظر الجميع إليها بعيون واسعة، بين خوف ورجاء. أدركت زويا أن حياتها تغيّرت بالفعل… وأن ما ينتظرها أكبر من كل احلامه
Comments