مرّت سنوات أخرى، وبدأ العالم الجديد يتأقلم مع الخيال المشترك. المدن العائمة استقرت في السماء، الغابات المضيئة صارت جزءًا من الحياة اليومية، والمخلوقات الأسطورية أصبحت رفقاء للبشر أكثر من كونها غرائب. بدا أن كل شيء يتجه نحو التوازن… لكن خلف هذا الانسجام، كانت علامات غريبة تلوح في الأفق.
لاحظ الحالمون أن بعض الأحلام لا تذوب عند الاستيقاظ، بل تظل عالقة في الهواء مثل شظايا ضوء صلبة. الأطفال كانوا يلمسونها أحيانًا، فتتحول إلى أشكال غير مكتملة: أبواب بلا جدران، أنهار بلا ضفاف، أو أصوات تأتي من العدم.
ليان، التي اعتادت التجوال بين الخيالات، شعرت بقلق متزايد. ذات ليلة، وهي تحلق فوق مدينة "السديم"، شاهدت صدعًا ضوئيًا في السماء، يشبه جرحًا مفتوحًا يلمع مع كل ومضة حلم. أرسلت نداءها إلى رؤوف، فجاء صوته عبر الخيوط:
> "هذا ليس مجرد خلل… هذا أثر لتجاوز حدود الخيال."
منذ ذلك اليوم، بدأت الأحداث تتسارع. مدن كاملة تذبذبت، كأنها بين الوجود والغياب. مخلوقات فقدت ألوانها فجأة، وصارت شفافة كالأطياف. حتى الحالمون أنفسهم شعروا بتشويش في رؤاهم، كأن الخيال لم يعد يستجيب بالسهولة التي اعتادوا عليها.
اجتمع الحالمون الكبار مع مرشديهم الخفيين، رؤوف وليان. النقاش كان حادًا:
بعضهم قال إن الخيال المشترك صار قويًا لدرجة أنه يخلق عوالم موازية، وأن هذه "الشقوق" ما هي إلا نوافذ إليها.
آخرون حذروا من أن هذه النوافذ ليست آمنة، وأن وراءها كيانات لا يمكن السيطرة عليها.
في خضم هذا الجدل، ظهرت جماعات "نسّاجي الوهم الجدد" من جديد، لكنهم لم يكتفوا هذه المرة بالتلاعب بالأحلام. بل بدأوا يبحثون عن طريقة لاستخدام الشقوق كجسور للهيمنة على الخيال الجماعي.
وفي إحدى الليالي المقمرة، حدث ما لم يكن في الحسبان: أحد الشقوق اتسع فجأة فوق "جبل السراج"، وأطلق شعاعًا هائلًا من الضوء اخترق السماء. ارتجّت الأرض تحت أقدام الحالمين، وسقطت شظايا مضيئة كالنجوم المكسورة في كل مكان. من داخل الصدع، سُمعت أصوات لا تشبه أي لغة معروفة، أصوات مزيج من حلم ونداء غامض.
ليان تمتمت بدهشة:
> "إنهم… ينادوننا."
أما رؤوف، فكان أكثر حذرًا:
> "أو يحذروننا."
في تلك اللحظة، أدرك الجميع أن عصر الخيال المشترك كان مجرد بداية، وأن ما ينتظرهم وراء هذه الشقوق سيغير مصيرهم إلى الأبد.
لم يكن عصر الخيال المشترك سوى الخطوة الأولى. بعد عقود من سقوط العرش، امتلأ العالم بالمدن المضيئة والغابات الناطقة، وأصبحت الحكايات واقعًا يُعاش، لا يُروى فقط. لكن مع هذا التدفق الهائل من الخيال، بدأت الحدود بين الممكن والمستحيل تتشوش، وكأن الأرض لم تعد تكفي لحمل كل تلك الأحلام.
في إحدى الليالي الصافية، اجتمع الحالمون الكبار على قمة جبل «السراج»، حيث كان يقال إن السماء فيه أقرب إلى الأرض. هناك، ظهر شقّ هائل في الأفق، كأنه باب من نور يهتز مع كل فكرة عظيمة يطلقها أحدهم. بعض الحالمين قالوا إنه مجرد انعكاس لقوة الخيال المتراكمة، لكن رؤوف وليان، اللذين ما زالا يزوران العقول في هيئة خيوط مضيئة، عرفا الحقيقة:
> "إنه ليس انعكاسًا… إنه ممر."
الممر لم يؤدِّ إلى فراغ، بل إلى عوالم أخرى، موازية، تُصنع وتتشكل في اللحظة نفسها التي يُحلم بها. ومن خلاله، تسللت أولى المخلوقات الغريبة: طيور بعيون كالكواكب، وأسماك تسبح في الهواء، وأشجار تمشي على جذور طويلة. لم تكن عدوانية، بل كانت تبحث عن الحالمين كما يبحث الحالمون عنها.
لكن مع الممر، عاد الخطر القديم بثوب جديد. جماعات "نسّاجي الوهم الجدد" رأت في هذه الأبواب فرصة للسيطرة، فحاولت اختطاف الخيال الجماعي ودفعه نحو عوالم مظلمة تخدم مصالحهم. وبدأت معارك غير مأ
Comments