1

الصباح في موسكو ما يشبه أي صباح آخر؛ ضباب كثيف يغطي المباني العالية، والبرد يلسع حتى زجاج النوافذ. آناستاسيا وقفت أمام المرآة، شعرها مسدل على كتفيها، وملامحها تبدو أكثر تعبًا من الأيام الماضية. عيونها الجميلة، رغم سحرها، تخفي شيئًا أثقل من النوم: خوف قديم يتجدد كل يوم.

أخذت نفسًا عميقًا، ارتدت معطفها الطويل، وخرجت من الشقة. اليوم لم يكن عاديًا؛ فالورينا وعدتها بزيارة "أكاديمية الباليه" للقاء شخص جديد انضم مؤخرًا إلى تدريباتهم. لم تكن آنا شغوفة باللقاءات الاجتماعية، لكن ضغط فالورينا وإصرارها جعلها تستسلم.

في الطريق، كانت الشوارع مبللة بالثلج الذائب. سيارات سوداء فاخرة تتحرك بهدوء، ورجال بملابس رسمية يبدون وكأنهم في مهمة. موسكو دائمًا مزدحمة، لكن ثمة شيء في الجو يوحي بالترقب.

وصلت الفتاتان إلى قاعة التدريبات. القاعة ضخمة، جدرانها بيضاء، الأرضية ملساء، والهواء يعبق برائحة الخشب القديم. هناك، وسط مجموعة من الراقصين، وقف إيفان – الشاب الجديد.

كان أطول بقليل من معظم الراقصين، شعره بني داكن، عيناه زرقاوان لكن بريقهما غريب، ليس فيهما براءة الشباب بل لمحة من خبث مدروس. ابتسم فور أن رأى فالورينا:

"ها هي صديقتك الشهيرة، آناستاسيا."

مد يده نحوها بثقة زائدة. آنا صافحته ببرود، لم تحب الطريقة التي ينظر بها مباشرة إلى عينيها، وكأنه يريد أن يعرف أسرارها كلها في لحظة واحدة.

جلسوا جميعًا في استراحة صغيرة بعد التمرين. فالورينا تتحدث بحماس، وإيفان يجيبها بابتسامات لامعة. لكن آنا بقيت صامتة، تراقبه بحذر. شيء فيه لا يجعلها ترتاح.

"إيفان ليس مجرد راقص عادي،" قالت فالورينا وهي تضحك. "أبوه يملك سلسلة نواد ليلية شهيرة في موسكو. تخيلي! ربما نستطيع الرقص في إحداها يومًا ما."

إيفان اكتفى بابتسامة أوسع، لكنه لم ينفِ أو يؤكد. عيناه التقتا بعيني آنا مجددًا، هذه المرة بنظرة طويلة جعلتها تنسحب قليلًا إلى الوراء.

في طريق العودة، قالت آنا بصوت منخفض لفالورينا:

"لا يعجبني."

فالورينا ضحكت: "أنتِ لا يعجبك أحد أصلًا. لكنه مسلٍ، وأعتقد أنه سيكون مفيدًا لنا. لا تكوني جادة إلى هذا الحد."

لكن قلب آنا لم يطمئن.

---

بالليل، عادت إلى شقتها. الغرفة هادئة، المدينة أمامها تلمع بالأضواء. ارتدت زيها وبدأت الرقص أمام النافذة كعادتها. جسدها يتحرك بانسياب، لكنها لم تستطع أن تطرد صورة عيني إيفان من رأسها.

توقفت فجأة، وضعت يدها على الزجاج البارد، أحست بشيء غريب… كأن هناك من يراقبها. التفتت بسرعة نحو النافذة المقابلة. كل شيء مظلم. لكن شعور غامض بقي يطاردها.

الصباح التالي لم يكن أفضل حالًا. صوت طرقات حادة على باب غرفة آنا أيقظها. كان والدها، فيكتور، واقفًا هناك، عيونه تلمع بغضب مكتوم.

"آناستاسيا، لماذا غبتِ عن العشاء البارحة؟"

رفعت رأسها من الوسادة، بصوت متعب:

"كنت مرهقة… أردت النوم."

"أردتِ النوم؟" صوته ارتفع فجأة. "هل تظنين أنكِ تملكين حرية القرار في هذا البيت؟ أنا من يقرر متى تأكلين، متى تخرجين، وحتى متى ترقصين!"

تجمدت الكلمات في حلقها، لكن عينيها امتلأتا بالدموع. لم تسمح لها أن تسقط؛ وقفت بهدوء وقالت:

"أنت تكرهني منذ ولادتي… أليس كذلك؟"

توقف الزمن للحظة. فيكتور لم يتوقع منها هذه المواجهة. حدّق فيها طويلًا، ثم استدار فجأة:

"أنتِ تشبهينها كثيرًا."

ثم خرج وأغلق الباب خلفه بعنف.

انكمشت آنا على السرير، قلبها يدق بقوة. هذه أول مرة تسمع اعترافًا، ولو غير مباشر، أن سبب كرهه لها هو أمها الراحلة.

---

في المساء، جاءت فالورينا مجددًا، هذه المرة برفقة إيفان. جلسوا في الصالة الكبيرة، الشموع تضيء الطاولة، والثلج يتساقط خلف النوافذ. فالورينا تضحك وتحاول كسر الصمت، بينما إيفان يتحدث عن النوادي الليلية، عن رجال الأعمال، وعن أشياء أكبر من سنه بكثير.

"أحيانًا، تجلس شخصيات كبيرة جدًا في نادينا. سياسيون… رجال لا تراهم إلا في الأخبار. حتى المافيا الروسية تملك بعض الطاولات الخاصة."

آنا رفعت حاجبها بدهشة، لكنها لم تقل شيئًا. فالورينا صاحت:

"أنتَ تمزح!"

"لا أمزح." قال إيفان وهو يرشف قهوته ببطء. "موسكو مدينة صغيرة جدًا حين تفكرين بها."

تلك اللحظة تركت أثرًا عميقًا في آنا. لأول مرة تسمع كلمة "مافيا" تتسلل إلى حياتها بشكل مباشر.

---

بعد أن غادروا، جلست آنا أمام النافذة، تراقب المدينة. الضوء انعكس على وجهها، وعيناها غارقتان في التفكير. شعرت بظل يمر في النافذة المقابلة. لم تستطع أن تميز مَن هناك، لكن قلبها ارتجف فجأة.

وضعت يدها على الزجاج، كأنها تبحث عن دفء مفقود، وهمست لنفسها:

"من أنت…؟"

مختارات
مختارات

3تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon