في النهار، كانت الأكاديمية بين الجبال أشبه بمعسكر عسكري ضخم؛ آلاف الطلاب يتحركون بانضباط، وجوههم صارمة، لا مجال للمزاح أو التهاون.
لكن حين يسدل الليل ستاره وتعود الجموع إلى السكن الجماعي، يتبدّل المشهد كليًا: الضحكات تتعالى، القصص تُروى، وتتصاعد أصوات المزاح كأنهم إخوة تحت سقف واحد.
وسط هذا الانقسام العجيب بين الصرامة والمرح، كانت هناك جماعتان بارزتان يهابها الجميع:
---
🔥 شلة عبد العزيز
عشرون طالبًا يتحركون بانسجام، كأنهم قطعة واحدة.
يلبسون دائمًا ألوانًا داكنة تزيد من هيبتهم، وجوههم تحمل ملامح الجد حتى حين يضحكون.
داخل السكن، يتحولون إلى شباب عاديين؛ نكاتهم لا تنتهي، ولعب الورق والجدال حول الطعام يملأ الجو.
لكن خارج السكن، تراهم مصطفين ككتائب مدربة.
أما قائدهم عبد العزيز، فكان أطولهم قامة (186 سم)، عريض الكتفين، عيناه سوداوان عميقتان كأنها بحر غامض. حاجباه الكثيفان يرسمان فوق ملامحه الحادة صورة قائد لا يُناقش. صوته منخفض، لكنه يحمل ثقلًا يجبر الآخرين على الطاعة.
---
⚡ شلة هيّار
خمسة عشر طالبًا أقل عددًا، لكن لا يقلّون خطورة.
مظهرهم غير منظم؛ كل واحد يرتدي ما يعكس شخصيته، مما يمنحهم هالة من التمرّد.
في السكن، يبدون كعاصفة صغيرة: صاخبون، يتجادلون، يضحكون بصوت عالٍ، كأن الفوضى غذاؤهم.
أما في الخارج، فيتجمعون كذئاب تبحث عن فريسة، يقودهم غضب قائدهم.
القائد هيّار، أقصر من عبد العزيز (178 سم)، نحيل لكنه رياضي، عيناه ضيقتان تلمعان كشرر متطاير، وصوته يسبق فعله. شعره الفوضوي يزيد من انطباعه الناري؛ عنيد، انفعالي، لا ينسى الإساءة ولو كانت صغيرة.
---
✨ راكان الغريب
منذ دخوله الأكاديمية، بدا مختلفًا.
طويل القامة (185 سم)، جسده قوي بعضلات مشدودة، لكن أكثر ما يلفت فيه ملامحه: حادة كالسكين، حاجبان كثيفان، عينان سوداوان مليئتان بأسرار لا يعرفها أحد.
يتحرك ببرود، لا ينفعل بسهولة، ولا يتأثر باستفزازات الآخرين.
---
في إحدى ليالي السكن، وبينما كان الطلاب يتبادلون الضحكات والقصص، همس أحدهم وهو يحدّق براكان:
– "يا جماعة… ما تحسون يشبه عبد العزيز؟"
التفت الجميع نحو الغريب الجديد، ثم إلى قائدهم.
الصدمة انتشرت بين الوجوه: نفس الملامح القاسية، نفس النظرة السوداء، نفس الحاجبين الكثيفين.
همس آخر بدهشة:
– "لو قلتوا توأم… أصدّق!"
حتى عبد العزيز نفسه رفع عينيه ببطء نحو راكان.
للحظةٍ صامتة، التقت النظرات.
لم يقل أي منهما كلمة، لكن الصمت كان أثقل من أي صوت.
هيّار، الذي لم يفوّت الفرصة، ضحك بسخرية:
– "شكل الأكاديمية لقت نسخة ثانية من عبد العزيز."
لكن راكان لم يتحرك، اكتفى برفع حاجبه، ثم استلقى على سريره ببرود، كأن الموضوع لا يهمه.
غير أن الطلاب كلهم شعروا بأن شيئًا غير عادي بدأ يتشكل…
فالأكاديمية التي جمعت الأضداد، قد تكون على وشك كشف سر أكبر مما يتخيلون.
---
لم يكد الصمت الذي سبّبه تشابه الملامح بين عبد العزيز وراكان يهدأ، حتى قرر هيّار أن يكسر الأجواء.
تقدّم بخطوات ثابتة نحو راكان، وابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه.
قال بصوت مرتفع ليسمع الجميع:
– "الغريب الجديد… شكل وجهك ما عجبني. أنت داخل الأكاديمية ولا داخل بيتك؟"
رفع راكان رأسه ببطء، عيناه السوداوان تلمعان تحت الضوء الخافت، وصوته جاء هادئًا بشكل غريب:
– "وإذا ما عجبك وجهي، وش المطلوب بالضبط؟"
ضحك بعض الطلاب، لكن هيّار لم يتراجع.
اقترب أكثر، حاجباه يشتعلان غضبًا:
– "المطلوب إنك تعرف إن الأكاديمية مو مكان للنوم والبرود. من أول يوم، لازم تثبت نفسك، وإلا ما حتلقى غير الذل."
راكان لم يتحرك، حتى أن أنفاسه ظلت متزنة.
أجاب بهدوء أشبه بالسخرية:
– "أنا ما جيت أصنع مشاكل… وأنت لو تبغى تلعب دور الزعيم، عندك شلة كاملة ورجال يتبعوك. ما تحتاج تضيع وقتك معي."
كلمات بسيطة، لكنها كانت كالسهم.
هيّار تجمّد لحظة، وكأنه لم يتوقع ردًا بهذا البرود.
ثم حاول أن يضحك ليتدارك الموقف:
– "ها… شكلك دمك بارد زيادة. طيب، نشوف كم يوم تقدر تصمد."
تراجع خطوة، لكن عينيه ظلّتا مشدودتين نحو راكان، كذئب لم ينسَ فريسته.
أما راكان، فقد مدد جسده على السرير مجددًا، وأغلق عينيه كأن الموقف كله مجرد هواء عابر.
الطلاب تبادلوا النظرات المندهشة.
البعض شعر أن راكان ضعيف لأنه لم يدخل في عراك، لكن آخرين أدركوا أن الهدوء الذي يغلفه أخطر بكثير من أي غضب.
ووسط ذلك، جلس عبد العزيز صامتًا، يراقب الاثنين…
وجهه بلا تعبير، لكن عينيه كانتا تقولان شيئًا آخر:
هذا الغريب… ليس عاديًا.
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، والأكاديمية غارقة في الصمت.
لكن في إحدى الغرف، كان راكان ممددًا على السرير، عيناه مفتوحتان تتحديان النوم.
الأرق صار صديقه الدائم؛ كلما حاول أن يغمض عينيه، اجتاحت رأسه صور الماضي وصوت أبيه وأسراره المظلمة.
نهض بتثاقل، التقط علبة السجائر من جيبه، وخرج بهدوء إلى ساحة الأكاديمية التي يغطيها ضباب الجبال البارد.
جلس على مقعد حجري قرب النافورة، أشعل سيجارته، وأخذ نفسًا عميقًا، كأن الدخان وحده قادر أن يسكّن عاصفة صدره.
تمتم بخفوت:
– "هذه الأكاديمية… مكان غريب. كل شيء فيها مرتبك… قوانين صارمة نهارًا، وضحكات متصنعة ليلًا. كأنهم يربون ذئابًا بملابس طلاب."
بينما كان شاردًا في أفكاره، سمع وقع أقدام يقترب.
رفع رأسه ليجد هيّار بخطواته السريعة، وخلفه عبد العزيز الذي بدا أكثر هدوءًا.
ابتسم هيّار بسخرية ما إن رأى الدخان يتصاعد من يد راكان:
– "هاه! الغريب الجديد ما ينام؟ شكلك جاي تضيع وقتك في الأكاديمية مثل ما تضيع وقتك في التدخين."
أطلق راكان زفيرًا طويلًا من الدخان، ولم يلتفت حتى وهو يرد ببرود:
– "على الأقل الدخان يسكت… وأنت صوتك عالي على الفاضي."
ضحك عبد العزيز ضحكة قصيرة، بينما انقبض وجه هيّار غيظًا.
– "تتجاهلني؟!" صرخ وهو يقترب خطوة.
لكن راكان ظل جالسًا، نظراته ثابتة على السماء:
– "أنا ما أتجاهلك، بس ما أشوف داعي أضيّع وقتي في جدال ما له قيمة."
عمّ الصمت لحظة.
عبد العزيز وضع يديه في جيبيه وقال ببرود:
– "هيّار، اتركه. الغريب هذا عنده طبع غير عنّا… شكله ما يجيبه إلا وقت الجد."
تراجع هيّار، لكن عينيه ظلّتا متوقدتين غضبًا، وهو يتمتم:
– "يومًا ما… بخليك تدفع ثمن برودك."
أما راكان، فأطفأ سيجارته، ونهض متجهًا إلى غرفته من غير كلمة إضافية.
ترك خلفه هواءً باردًا وصمتًا ثقيلاً، كأن وجوده وحده كافٍ لإرباك التوازن بين القوتين الأكبر في الأكاديمية.
Comments