وقف إلكا أمام أنقاض الأكواخ المهدمة، والريح البحرية تداعب أطراف عباءته.
ارتفعت صرخات النساء والأطفال في أرجاء الساحل، فيما كان البرابرة يجولون بين البيوت يضحكون بصوت مليء بالوحشية.
أمسك إلكا مقبض سيفه بإحكام، وارتسمت على وجهه ملامح الغضب. كان قلبه يشتعل مثل نار لا تهدأ، فهو لم يعد يرى أمامه سوى مهمة واحدة: الدفاع عن أهله وقريته .
تقدم بخطوات ثابتة نحوهم، وعندما اقترب صرخ صرخة مدوية كأنها هدير البحر نفسه، فتوقف البرابرة لحظة والتفتوا نحوه بدهشة.
لكن دهشتهم لم تدم طويلا، فقد انقض إلكا كسهم منطلق وضرب أول مهاجم بسيفه فسقط أرضًا، ثم تابع اندفاعه بلا تردد.
أخذ القتال يشتعل، أصوات السيوف تتصادم، والدماء تتناثر، وكلما زادت شدّة المعركة ازداد إلكا قوة وعزيمة، كأن الأرض كلها تهتف باسمه.
تواصلت المعركة، وبدأت جثث البرابرة تتساقط واحدة تلو الأخرى تحت سيف إلكا، لكنه رغم قوته كان يعرف أن هذه مجرد البداية.
فجأة، ارتفع صوت غليظ من بين صفوفهم، وصمت الجميع لوهلة ... خرج قائد البرابرة، رجل ضخم الجثة، يعلو كتفه فأس هائل يلمع بضوء النار المشتعلة في الأكواخ.
ابتسم ابتسامة ساخرة وهو يقول:
- " أخيراً ... ظهر من يجرؤ أن يقف بوجهي!"
شد إلكا قبضته على السيف، وعيناه تلمعان كجمرتين - "أنا لا أقاتل الأجرؤ.... بل لأحمي أهلي وأرضي."
انطلق القائد نحوه بضربة قوية اهتز لها الرمل تحت الأقدام، فتراجع إلكا بخفة، والشرر يتطاير من التصادم بين الحديدين.
تبادل الإثنان ضربات سريعة وعنيفة، كأن البحر نفسه يصطخب خلفهما مع كل صرخة وصوت معدني.
لكن إلكا لم يعتمد على قوته وحدها ... بدأ يراقب حركات خصمه، يدرس ضعف توازنه حين يرفع الفأس عالياً، ويركز على اللحظات التي ينكشف فيها صدره.
وبينما القتال يشتد سقطت قطرات الدم على الرمال.... بعضها من البرابرة، وبعضها من جرح في كتف إلكا، لكنه تجاهله واستمر.
صرخة القرويين ارتفعت من بعيد، تمنح قلبه وقوداً إضافياً ... فهو يعرف أن سقوطه يعني سقوط الجميع.
اقتربت اللحظة الحاسمة ....
رفع القائد فأسه بكل قوته ليهوي ضربة قاضية، لكن إلكا دار بخطوة سريعة كأن الريح حملته، وأطلق ضربة جانبية خاطفة شقت الهواء ....
في تلك اللحظة، كان هنالك ظل صغير يراقب من بين الصخور القريبة دون أن يشعر به أحد.
إنه ابن إلكا، عيناه اللامعتان تتابعان والده باندهاش قلبه يخفق بين الخوف والفخر، لكنه ظل صامنا كي لا يكشف أمره.
كل ضربة سيف كل شرارة تتطاير كانت تنعكس في عينيه وكأنها تحفر في ذاكرته للأبد.
لم يكن إلكا يعلم أن ابنه هناك، لكنه في داخله كان يقاتل وكأن عيون أحبته جميعًا ترعاه.
وبينما الدماء ترسم خطوطًا على الرمال، شد إلكا أنفاسه عاقدًا العزم أن لا ينهزم.... ليس من أجل نفسه فقط، بل من أجل ذلك المستقبل الذي يختبئ خلف الصخور ويراقبه بعيون بريئة .
وبينما تصادم السيف مع الفأس للمرة العاشرة، والشرر يتطاير كالنار، سمع إلكا صوتًا ضعيفًا يرتجف من بين الصخور
"...أبي"
تجمد للحظة اتسعت عيناه، وكاد الدم في عروقه أن يتوقف.
التفت سريعًا ... فإذا بابنه واقف بين الدخان واللهب، يحدق به بعيون لامعة من الدهشة والخوف، وكأن الزمن كله توقف عند تلك اللحظة.
ابتسامة خبيثة ارتسمت على وجه قائد البرابرة، وصاحبها صوت أجش:
- "هاهاها! إذن... هذا هو ضعفك!"
اندفع بخطوة ثقيلة نحو الطفل، رافعًا فأسه العملاق. صرخة إلكا دوت كالرعد
"لن تمسوا ولدي ما دام في صدري نفس!"
قفز إلكا بكل قوته ليقف بينهما، وتصادم السيف مع الفأس في ضربة هزت الأرض تحت الأقدام.
تدفقت في عروقه قوة جديدة، كأنه استمد غضب البحر وزئير الرياح، فعيونه اشتعلت كالجمر، وذراعه اشتدت كالفولاذ الصلب لا يلين ولا ينكسر.
نظر القائد بدهشة وهو يشعر أن قوة إلكا تضاعفت فجأة.
فأطلق إلكا صرخة ملؤها العزم:
"لن ينجو من دنس هذه الأرض ما دام الدم يجري في عروقي!"
وبدأ الهجوم الأعنف منذ بداية القتال....
يتبع...🔥
Comments