تنهدت أليسا بهدوء، نظرت إلى ابنها أدونيس ثم إلى فيوليت التي كانت تنظر إلى أدونيس بتوجس. كانت تعرف جيدًا أن ابنها لا يرحب بالغرباء بسهولة، ونظرة أدونيس الصارمة كانت خير دليل على ذلك.
شعرت فيوليت بقلبها ينبض بسرعة، فالنظرة الباردة التي وجهها أدونيس لها جعلتها تشعر بأنها غير مرغوب بها.
نظر أدونيس إلى والدته متجاهلاً فيوليت تمامًا وسألها بصوت هادئ: "من هذه؟"
ابتسمت أليسا ابتسامة هادئة وقالت: "أوه عزيزي، إنها فتاة وحيدة وجدتها فاقدة للوعي في الغابة، لذا أحضرتها معي".
رد أدونيس بهدوء: "إذًا متى ستذهب؟"
"من المستحيل أن أتركها تذهب وحدها الآن، إنها مصابة وتحتاج للرعاية" أجابت أليسا.
بدا الانزعاج واضحًا على وجه أدونيس، وقال بسخرية: "آها... هذا يعني أن هذه الغبية ستبقى هنا؟"
في تلك اللحظة، وقفت أليسا وغضبها واضحًا في عينيها. "أنت تعلم جيدًا أن ليس لك دخل، أنا حرة بمن أحضره إلى هنا. ولماذا أنت منزعج أساسًا؟"
نظر أدونيس إلى والدته وقال بهدوء: "أمي، أعلم أنك حرة، ولكنها تبقى غريبة ولا نعرف عنها شيئًا".
بينما كان الجدال بين الأم وابنها محتدمًا، بقيت فيوليت صامتة وهي تخفض رأسها، شعرت بمرارة أن وجودها قد سبب خلافًا بين الأم وابنها.
على اي حال لقد أنهيت العمل الذي كلفتيني به، يا أمي.
قال أدونيس ذلك بهدوء، ثم توجه نحو الباب. أمسك المقبض، لكنه توقف والتفت نحو فيوليت. نظر إليها بصرامة، ثم قال ببرود: "غبية". بعدها، خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه
في تلك اللحظة، جلست أليسا على السرير والغضب يرتسم على وجهها. بينما كانت فيوليت تخفض رأسها، تقول بصوت خافت: "أنا آسفة... كل هذا بسببي".
وضعت أليسا يدها على كتف فيوليت بلطف، وقالت: "لا تعتذري. أنتِ لا شأن لكِ بما حدث".
ردت فيوليت بصوت هادئ: "لكنني غريبة عنكم. أعتقد أنه يجب عليّ الذهاب".
ردت أليسا: "نحن الآن في وسط الغابة والمدينة بعيدة عنا. لا يمكنكِ العودة إلى المنزل، وعلاوة على ذلك، فإن الشمس ستغرب قريبًا".
أجابت فيوليت بصوت خافت، يكاد يكون همسًا: "أنا يتيمة... وليس لديّ مكان أذهب إليه".
تغيرت نبرة أليسا فجأة لتصبح أكثر جدية. "آها... تريدين المغادرة وأنتِ لا تملكين مكانًا تذهبين إليه؟ اسمعي جيدًا: ستبقين هنا، وهذا قرار نهائي".
تنهدت فيوليت وقالت بصوت خافت: "ولكن... إلى متى سأبقى هنا؟"
تغير تعبير وجه أليسا، وذابت نبرتها الجدية إلى رقة وحنان. قالت بينما لمعت عيناها بمشاعر دافئة: "ستعيشين هنا. سأعتني بكِ جيدًا، ستكونين مثل ابنتي".
صدمت فيوليت من كلام أليسا، وشعرت بقلبها ينبض بقوة. كررت الكلمات في نفسها وكأنها لا تصدقها: "مثل ابنتكِ؟"
اقتربت أليسا منها، واحتضنتها بقوة، وربتت على رأسها بحنان بالغ. "سأعتني بكِ جيدًا."
في تلك اللحظة، لم تستطع فيوليت تمالك نفسها. عانقت أليسا بقوة، وبدأت دموعها بالانهمار بينما نطقت بصوت متقطع: "أمي..."
بدأت فيوليت تروي قصتها بصوت متقطع، بينما كانت لا تزال تحتضن أليسا.
"عندما بلغت السادسة من عمري، توفي والداي في حريق مروع حدث في منزلنا.وكان لدي اخ يكررني بسنتين اخر مرة رأيته فيها كان عمري حينها سنتين ..."
صمتت للحظة، ثم تابعت: "أصبحت وحيدة، وبدأت أجوب الشوارع لأنه لم يكن لديّ مكان أذهب إليه. بعدها، قامت عائلة ثرية بأخذي لأعمل عندهم كخادمة. بعد مرور السنين، لم أستطع تحمل قسوتهم، فقررت الهرب".
توقفت للحظة لتأخذ نفسًا عميقًا، ثم قالت: "لذا، قمت بسرقة حجر الظلال الفيروزي، الذي هو إرث عائلتي، لكن تلك العائلة كانت قد أخذته مني. هربت من منزلهم، وعندما وصلت إلى بداية الغابة، لاحظت أن الحراس كانوا يلاحقونني. ركضت بسرعة في طرق عشوائية، حتى وصلت إلى حافة منحدر، وعندما حاولت التراجع، انهارت الأرض من تحت قدميّ وسقطت من الحافة..."
بعد أن أنهت فيوليت قصتها، كان الصمت هو سيد الموقف. لم تستطع أليسا تمالك دموعها التي بدأت تتجمع في عينيها. مدت يدها واحتضنت فيوليت بقوة، هذه المرة لم يكن الاحتضان بغرض المواساة، بل كان احتضانًا يضم بين طياته كل مشاعر الحب والأمان.
همست أليسا بصوت هادئ ومؤثر: "لا تخافي يا عزيزتي، لن تعاني من الوحدة أو القسوة مجددًا. أنتِ الآن في أمان."
شعرت فيوليت وكأنها تجد في حضن أليسا كل الحنان الذي حرمت منه. رفعت رأسها ونظرت في عيني أليسا لتجد فيهما لمعة صادقة من الحب.
تلاحظ أليسا أن ضوء الشمس بدأ يختفي من النافذة، تتنهد بهدوء وتنظر إلى فيوليت.
"المهم، ستعيشين هنا. سأحرص أيضًا على تعليمك بعض الأشياء." قالت ذلك وهي تقف بجانب الباب. "الآن، يجب عليّ تحضير العشاء."
على الفور، تسأل فيوليت بصوت هادئ وابتسامة لطيفة: "هل يمكنني مساعدتك في تحضير العشاء؟"
"لا، أنتِ مصابة بجروح ولم تشفَ تمامًا بعد،" تجيب أليسا بجدية.
"أرجوكِ... أرجوكِ دعيني أساعدكِ،" تتوسل فيوليت.
تتنهد أليسا باستسلام وتغير رأيها: "حسنًا، ولكن لا تضغطي على نفسكِ كثيرًا."
فرحت فيوليت، ونهضت من السرير ثم خرجت مع أليسا من الغرفة.
Comments