الفصل الرابع

...كان ألكسندر غارقًا في أفكاره، كأن ثقلاً كبيرًا يضغط على صدره. تنهد مرارًا حتى اقترب منه هنري بقلق:...

...— ما بالك يا صديقي؟ أراك شاغل الذهن، تتنهد بلا توقف....

...نظر إليه ألكسندر بعينين مثقلتين وقال:...

...— هل تدرك قسوة هذا العالم المتوحش؟ يريق الدماء ويحرم الفقير حتى من رغيف خبز، بينما نحن نعيش في رفاهية، نتذوق ألذ المأكولات....

...ربت هنري على كتف ألكسندر، بصوت مفعم بالمرارة:...

...— هذا العالم حقًا قاسٍ. إن تمردت من أجل رغيف خبز، فمصيرك الموت بالرصاص. كوننا جنود الملك يجعلنا مكروهين من عامة الشعب. كم أشعر بالمرارة والألم، حيث تُباع النساء والأطفال مقابل المال، والفقراء يحرمون أبسط حقوقهم....

...التفت ألكسندر وقال بجدية:...

...— أراك تتحدث عن بائعات الهوى....

...أطرق هنري برأسه وجلس بهدوء، ثم أضاف بصوت حزين:...

...— ألهمني الشوق وأذاني الألم في كل مرة أقترب فيها من إيزابيل. يعتصر قلبي حزناً حين أتذكر أنني نبيل، وهي مجرد فتاة بيعت من قبل عائلتها لتأمن لنفسها رغيف خبز....

...قال ألكسندر بحزم:...

...— يجب أن تنسى أمرها، هنري....

...التفت إليه هنري بنظرة حادة:...

...— وكيف ينسى العاشق محبوبته؟ سيأتي اليوم الذي تشعر فيه بذلك، ويمتلئ قلبك بالحزن....

...اقبل جندي على عجل ليقاطع الحديث قائلاً:...

...— سيدي، لقد أرسلنا بعض الجنود كجواسيس كما أمرتم....

...ابتسم ألكسندر وأومأ:...

...— أحسنتَ العمل....

...خرج الجندي، واقترب هنري من ألكسندر قائلاً بقلق:...

...— ألا نظغط على الشعب أكثر حتى يثور وينهار النظام؟...

...تمتم ألكسندر وهو ينظر بعيدًا:...

...— ليتني أستطيع أن أوقف كل هذا......

...خيمت أجواء الفقر والطبقية على باريس، وعلى فرنسا بأكملها....

...كان النبلاء يعفون من الضرائب، بينما تتضاعف الأعباء على كاهل عامة الشعب، الذين وجدوا في التسول ملاذًا يقيهم جوعهم....

...قامت العائلات الفقيرة إلى بيع بناتهم مقابل حفنة من المال، في حين كان الملك وزوجته يعيشون في ترفٍ لا يُصدق، مرفهين عن هموم الشعب البائس....

...ازداد قهر الفقراء مع استقواء النبلاء وتضييقهم سبل العيش أكثر فأكثر، حتى بدأ بعض الأحرار بالتجمع في الحانات والمقاهي. لكن بعد أن زرع الملك وأعوانه جواسيسهم في كل مكان، اضطر هؤلاء الثوار إلى الاجتماع سرًا في أماكن بعيدة عن أعين المراقبين....

...بسبب نقص السلاح والبارود، كانت الخيارات محدودة، إلى أن عقد اجتماع مغلق حيث وقف أحد الرجال وقال بصوت حازم:...

...ــــ سجن الباستيل ممتلئ بالبارود والأسلحة، إنه خيارنا الوحيد إذا أردنا حياة كريمة لنا ولعائلاتنا. يجب أن نضحي بأنفسنا من أجل الحرية....

...ارتفعت الأصوات، تعالت صيحات الغضب والثورة، يشتعل الحماس في قلوبهم، متعطشين للحياة الكريمة والكرامة وسط الذل الذي طال الشعب....

...انتشرت أفكار التنوير التي تدعو إلى الحرية والمساواة بين عامة الشعب، كالنار في الهشيم، تغذي روح الثورة في قلوب الشباب والرجال....

...اقترب أحد الجنود من ألكسندر قائلاً بجدية:...

...— سيدي، هناك حركات تمرد تتصاعد في الأرجاء، البعض يدعو إلى المساواة ورفض الطبقية....

...القائد العام أمرنا بالتحرك وتفتيش الحانات والمقاهي، فهي أماكن تجمع المتمردين....

...أطرق ألكسندر رأسه بتفكير عميق، وقال:...

...— سأتولى الأمر بنفسي....

...خرج ألكسندر مع جنوده في جولة تفتيشية على الحانات، ليطّلع على الوضع عن قرب....

...دخل ألكسندر الحانة برفقة جنوده، واستقبله مدير الحانة بحفاوة:...

...— أراك بخير، سيدي. ما سبب تواجد حضرتك هنا؟...

...التفت ألكسندر إليه بحزم:...

...— سمعت أن المتمردين يجتمعون هنا كل يوم....

...اندفع المدير مندهشًا:...

...— سألعن نفسي إن سمعت بمتمردين يأتون إلى حانتي!...

...وفي تلك اللحظة دخلت إيزابيل الحانة، فتوجه إليها ألكسندر وقال بهدوء:...

...— أعتذر على الإزعاج، هل لي بسؤالك؟...

...ابتسمت إيزابيل وتوددت إليه:...

...— أنا أسمعك، سيدي....

...سألها ألكسندر:...

...— سمعت أن الناس يجتمعون هنا كل يوم، هل لي أن أعرف السبب؟...

...ابتسمت إيزابيل وقالت:...

...— سيدي النبيل، الرجال هنا يجتمعون للشرب والراحة، لا أكثر. أخشى أن أمراً يضيق صدر سيدي النبيل....

...أجابها ألكسندر بلطف:...

...— لا شيء، أشكرك....

...بعدها، انصرف ألكسندر وجنوده من الحانة، بينما بقيت إيزابيل تحدق في المكان، وتمتمت في نفسها:...

...— لا أضاقكم الله الراحة أبدًا....

...بعد أن خيم الهدوء على المكان، اقتربت إيزابيل تحمل بيدها شعلة نار متقدة. دخلت زقاقًا ضيقًا يقود إلى منزل قديم مهجور، خافت الأضواء وصدى خطواتها تملأ المكان....

...استقبلها رجل بلهفة، وقال:...

...— أراكِ بخير يا آنسة....

...دخلت إيزابيل إلى الداخل، حيث كان يجتمع عدد من الرجال والنساء في غرفة صغيرة، ملؤها التوتر والتصميم. تقدمت بخطوات ثابتة وقالت بصوت منخفض لكن واضح:...

...— يا رفاق، حاشية الملك بدأت تتفقد الأماكن، وأخشى عليكم من الأذى....

...اقتربت امرأة من إيزابيل، أمسكت يدها بحزم وقالت:...

...— يا آنسة، لقد نذرنا أنفسنا للموت منذ اليوم الذي قررنا فيه الخروج والتمرد، نحن وعائلاتنا....

...لم تستطع إيزابيل إلا أن تمسك يد المرأة، وقالت بصدق:...

...— أنا أخاف عليكم من الأذى، والله، كلنا نعاني من بطش هذا الحكم وظلمه....

...تصاعدت الأصوات، وبدأت حدة التمرد ترتفع بين الحضور، حتى نهض أحدهم وقال بحزم:...

...— في الرابع عشر من يوليو، سنقتحم سجن الباستيل. هناك البارود والسلاح، ورفاقنا من كل مكان سيقدمون لنا الدعم....

...تعالت أصوات الهتاف:...

...— الحرية! لفرنسا!...

...وقفت إيزابيل وسطهم، عيناها تلمعان بالفخر والاعتزاز، تشعر برغبة قوية في نبذ الظلم وإشعال شعلة الحرية التي طالما انتظروها....

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon