مرّت الليلة الأولى في قصر كوروساوا دون صوت، لكن داخل القلبين…
كانت العاصفة قد بدأت.
استيقظت يوكيكو مع أولى خيوط الشمس التي تسلّلت عبر ستائرها المخملية الثقيلة.
جلست على السرير بثبات، حدّقت بالجدار أمامها للحظات، ثم نهضت بقوة.
نظرت إلى انعكاسها في المرآة، وقالت:
— "لن أكون دمية بيضاء في هذا القصر الأسود. إن أرادها معركة صامتة… فليتوقع أنني أجيد الصراخ بلا صوت."
ارتدت ثيابًا رسمية سوداء، بدت واثقة، كتفيها مرفوعان، خطواتها ثابتة كأنها تنتمي لهذا المكان.
---
في غرفة الطعام الرئيسية...
كان تاكاشي يجلس على رأس الطاولة، يقرأ الصحيفة الورقية، كما يفعل كل صباح.
لم يرفع رأسه حين دخلت.
لكنها هي… لم تتصرف كضيفة.
سارت نحوه بثقة، سحبت الكرسي وجلسَت. أمسكت كوب القهوة، وارتشفت منه دون تردد.
ثم قالت بنبرة واضحة، دون أن تنظر إليه:
— "هل كل صباح في هذا القصر... بهذا الصمت الجنائزي؟"
أنزل الصحيفة ببطء، ونظر إليها.
— "هل هناك ما تفضلينه؟ الطبول؟"
ابتسمت بسخرية وهي تضع الكوب:
— "لا. فقط أُفضّل أن أعيش… لا أن أُدفن وأنا ما زلت أتنفّس."
صمت لحظة، ثم قال ببرود:
— "إذن، لا تُثقلي الهواء بحضورك إن كنتِ ترفضين قوانين القصر."
اقتربت بنصف جسدها، وحدّقت فيه مباشرة بعينيها السوداوين:
— "إن كان القصر لك، فالزواج يجمعنا. وأنت لست ديكتاتورًا على روحي. بل... مجرد رجل وافق على زواج لم يرده."
رفع حاجبيه، كانت هذه أول مرة يشعر أن هذه الفتاة ليست كما بدت ليلة أمس.
فيها نار… كان يظنها خجولة فقط.
قال بخفة:
— "اللسان سلاح حاد، آنسة يوكيكو. لكنه ليس بالضرورة وسيلة للنجاة."
أجابت فورًا:
— "ولن أستخدمه للنجاة، بل للدفاع. فأنا لا أعيش لأُعجبك، ولا لتُعجبني."
ووقفت فجأة، رفعت رأسها وقالت قبل أن تغادر:
— "سأخرج هذا الصباح. إن كان عندك اعتراض… فلتقله الآن، أو اصمت للأبد."
لم يرد.
خرجت بخطوات هادئة... لكنه، حين عاد للنظر إلى الجريدة، لم يستطع أن يقرأ سطرًا واحدًا.
---
في شوارع طوكيو…
كانت يوكيكو تسير وحدها، شعرها الأسود يتمايل مع الرياح، ووجهها صلب.
دلفت إلى أحد المقاهي القديمة، حيث كانت تعود أيام دراستها.
جلست بجوار النافذة، طلبت كوبًا من القهوة الساخنة، وحدّقت في الخارج.
تمتمت:
— "هل أنا تائهة... أم أنني بدأت أجد نفسي؟"
رنّ هاتفها فجأة. رقم غريب. أجابت.
— "آه، السيدة كوروساوا؟ معذرة، نحن من مجلس إدارة شركة والدك. تلقّينا بلاغًا أن استقالة الوالد قد قُدّمت باسمك."
عقدت حاجبيها:
— "باسمي؟! أنا لم أوقّع شيئًا."
— "التوقيع مطابق لاسمك… لكن يبدو أن هناك خطأ ما."
أغلقت الهاتف وهي تغلي من الداخل.
— "تاكاشي... ماذا فعلت؟"
---
بعد ساعة… داخل القصر مجددًا
دخلت القصر كالرياح. لم تنتظر الخدم، لم تخلع حذاءها.
طرقت باب مكتبه بقوة، ثم دخلت دون إذن.
كان يجلس أمام مكتبه، يوقع أوراقًا.
رفعت الأوراق من أمامه فجأة، ورمتها على الأرض، وقالت بصوتٍ مرتفع:
— "من أعطاك الحق أن توقّع بالنيابة عني؟! من سمح لك بأن تتصرف وكأنك اشتريتني؟!"
رفع نظره بهدوء، ونظر في عينيها الغاضبتين:
— "لست أوقع عنك، بل بالنيابة عن شركتك، والتي أصبحت تحت اسمي قانونًا."
اقتربت منه، وضربت المكتب بيدها:
— "بل قل إنها أصبحت ضمن مجموعتك... دون حتى أن تسألني! أهذا هو احترامك للزواج؟"
وقف بهدوء، ثم قال بنبرة باردة لكنها مختلفة:
— "هذا هو حماية ما يخصني."
ارتبكت لوهلة.
— "أنا لست شيئًا من ممتلكاتك…"
اقترب منها أكثر، وهمس:
— "بل أصبحتِ كذلك، منذ لحظة وقّعتِ على عقد الزواج."
لكنها لم تتراجع.
رفعت نظرها إليه وقالت بشجاعة:
— "إذن اسمع جيدًا، تاكاشي كوروساوا… إن كنتَ تعتقد أنني سأرضخ لك فقط لأنك تملك المال والسلطة، فأنت لم تعرفني بعد. أنا لست واحدة من أولئك الفتيات اللواتي يسقطن تحت هيبة اسمك."
اقترب منها أكثر، حتى باتت المسافة بين وجهيهما لا تتعدى أنفاسًا:
— "وهذا ما يجعلني... أراكِ مختلفة."
نظرت إليه بذهول.
لكن قبل أن تجيب، استدار وخرج من المكتب، تاركًا قلبها ينبض بشراسة.
Comments