ابرة في الظل

ابرة في الظل

الوقت ينفذ

 

الفصل الأول: الوقت لا ينتظر

كان صباحًا رماديًا، لا هو بارد تمامًا ولا دافئ، لكنه يحمل ذلك الصمت الثقيل الذي يسبق شيئًا لا نعرف كنهه. وصلتُ إلى الثانوية قبل الجميع، كعادتي، ووقفت للحظات أمام البوابة الحديدية التي بدأت تتقشر أطرافها، وكأنها تئنّ من عمر مضى. تنفستُ بعمق. الهواء كان يحمل رائحة التراب المبلل بندى الليل، واختلطت في صدري مشاعر متناقضة: خوف، وفضول، وربما بعض الندم.

في الساحة، كانت أريج تجلس وحدها على طرف أحد المقاعد، تمسك دفتراً صغيرًا وتكتب شيئًا بعناية. اقتربت منها بهدوء.

"صباح الخير، أريج."

رفعت رأسها وابتسمت، ابتسامة صغيرة لكنها صادقة. "وداد… أخيرًا حد ما مثلي اتى مبكرا."

لم تمضِ سوى دقائق حتى وصلت شهد وندى، وكل منهما تحمل في عينيها شيئًا من التعب. بدا اليوم ثقيلًا منذ بدايته. جلسنا معًا في الزاوية المعتادة خلف القسم الداخلي، حيث الجدار المشقق يغطيه بعض العشب البري الذي كنا ننتزع منه أوراقًا ونحن نتحدث، بلا وعي.

"هل تشعرن بأن الوقت يجري؟" قالت ندى، وهي تنظر إلى ساعتها اليدوية، كأنها تخشى أن تتحرك عقاربها أكثر.

أريج أغلقت دفترها وقالت: نعم. كل ما أجلس واحاسب وافكر ، أحس إنه ليس هناك وقت، وأني متأخرة مهما عملت."

كنت أستمع إليهنّ، أراقب أصواتهن وتقاطيع وجوههن، وأشعر بأن شيئًا فينا تغير. لم نعد نضحك مثل قبل، لم نعد نثرثر عن المسلسلات أو نرسم على هوامش الدفاتر. كل شيء صار يدور حول التوجيه، حول الأسئلة التي لا جواب لها:

هل هذا التخصص مناسب لي؟ هل سأندم بعد سنة؟ هل سأفشل؟

شهد كانت تمسك كوب قهوة ورقية، تحاول أن تدفئ يديها أكثر من أن تشرب. "أمي حلمها أن أكون مهندسة. لكن أنا؟ أحس روحي ليست في ذلك مكان … أحس إني سأختفي لو دخلت المجال الذي تريدني ان اكون فيه."

نظرت إليهن، شعرت بأننا نعيش في سباق لا نعرف متى بدأ ولا متى سينتهي.

قلتُ: "أنا عندي حلم… لكن كل ما أقرب منه، أحس كأن الحياة تسحبني لمكان ثاني، ما اخترته."

أريج وضعت يدها على كتفي، وقالت: "وداد، نحن لازلنا في البداية. لكن المشكلة إن الوقت… الوقت ما يعطينا فرصة نستوعب."

ساد الصمت بيننا. أصوات الطلاب بدأت تعلو في الخلفية، خطوات متسارعة، ضحكات متفرقة، أصوات الأساتذة وهم يدخلون الأقسام. لكن نحن؟ كأننا كنا في عالم مختلف، حيث الساعة تدق بشدة، وكل دقة تحمل معها سؤالًا آخر.

قمتُ من مكاني، نفضت الغبار عن التنورة المدرسية، وقلت:

"تعالوا، نمشي للقسم. حتى لو كنا تايهين، نمشي… يمكن نجد الطريق وإحنا ماشين."

مشينا سويًا، أنا، وشهد، وأريج، وندى. خطواتنا الأربعة تشق طريقها في فناء المدرسة، كأننا نواجه الحياة نفسها، لكن هذه المرة… بقلوب خائفة، وأمل صغير لا نريد أن نخسره.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon