---
الفصل الرابع: صدى الأرواح
أركض… أركض ولا أجرؤ على النظر خلفي.
قدماي تغوصان في الطين البارد لحديقة المنزل الخلفية، أنفاسي متقطعة، وقلبي يطرق ضلوعي بجنون. لكن… حتى في عز هروبي، كان هناك ذلك الصوت… خطوات أخرى تتبعني، بطيئة، واثقة، لا تتسارع أبدًا.
تعثرت وسقطت على الأرض، ويدي—تلك اليد الغريبة التي لم تعد يدي—ارتطمت بالطين. لم أستطع التوقف عن التحديق فيها… لونها الرمادي المائل إلى الأزرق، العروق السوداء التي تنبض ببطء، والأصابع الطويلة التي تتحرك وكأنها تملك إرادة خاصة. حاولت أن أصرخ، لكن الحنجرة ضاقت، وكأن الهواء صار أثقل من الرصاص.
رفعت بصري نحو المنزل رقم 9… كان واقفًا هناك، في صمت، نافذته العلوية المكسورة تكشف العلّية التي هربت منها، والظلام بداخلها يتلوى كما لو كان حيًا. الباب الخلفي ما زال مفتوحًا، والكيان الطويل يختفي ببطء داخله، ابتسامته البشعة آخر ما رأيته قبل أن يغلق الباب ببطء، حتى انقطع صرير المفصلات.
نهضت بصعوبة، وبدأت أركض نحو الشارع… لكن كلما ابتعدت، كل شيء حولي صار غريبًا. الأشجار التي أعرفها اختفت، واستبدلت بأخرى ملتوية الجذور، أوراقها سوداء كالفحم. الطريق لم يعد كما كان… بدا أطول، والضباب الكثيف بدأ يحيطني من كل جانب.
وقفت لالتقاط أنفاسي، لكن عندها سمعت الهمسة مرة أخرى، تأتي من الضباب هذه المرة:
"أنتِ لستِ وحدك."
استدرت في كل الاتجاهات… ولا أحد.
ثم بدأ الضباب يتحرك، كأنه يدور حولي، ومن بينه خرجت أشكال بشرية باهتة، أجساد شفافة، وجوه مشوهة، عيونهم بلا جفون، وشفاههم تتحرك في صمت وكأنهم يحاولون الكلام… لكن أصواتهم كانت صدى بعيدًا، يتكرر داخل رأسي.
ـ "أعيدي المفتاح… أعديه…"
ـ "المفتاح… هو نحن."
ـ "لن تخرجي…"
وضعت يدي على أذني، أصرخ كي أتجاهلهم، لكن الأصوات لم تأتِ من الخارج… كانت تخرج من داخلي، من عروقي، من العظام نفسها.
ركضت مرة أخرى، وفي لحظة شعرت بشيء يمسك كاحلي. نظرت للأسفل… كانت يد، خارجة من الأرض الطينية، تمسك بي بقوة، أظافرها السوداء تغرز في جلدي. صرخت وحاولت سحب رجلي، لكن الأرض بدأت تتشقق من حولي، وخرجت منها وجوه كثيرة… وجوه تشبه تلك التي كانت في الصور على جدران الممر.
كلهم كانوا يبتسمون.
مزقت نفسي من قبضتهم، ورحت أركض حتى وجدت نفسي أمام بوابة صدئة. دفعْتها بقوة، وعبرت… وفجأة، كل شيء اختفى.
لم يعد هناك ضباب، ولا أشجار سوداء، ولا أيدٍ تخرج من الأرض. كنت في شارع عادي، أنوار أعمدة الكهرباء تلمع، وأصوات سيارات بعيدة.
لكن يدي… ما زالت ليست يدي.
وقفت تحت أحد أعمدة الإنارة، أرفع كمي وأتأملها، محاولة أن أجد تفسيرًا منطقيًا… لكن قبل أن أفكر، شعرت بشيء بارد يلتف حول عنقي.
تجمدت.
ببطء، رفعت رأسي… كان هناك حبل أسود ملتف حولي، يمتد إلى أعلى العمود، وكأن شيئًا غير مرئي يحاول سحبي.
بدأت أنفاسي تختنق، ورأيت على طرف الشارع ظلًا طويلًا يتحرك نحوي. لم أكن بحاجة لأن أرى وجهه… كنت أعرف أنه هو.
أغمضت عيني، وصرخت بكل قوتي… وفجأة، الحبل اختفى.
فتحت عيني، أتنفس بجنون، والشارع كان فارغًا.
لكن، على الأسفلت أمامي، كان هناك شيء… المفتاح.
نفس المفتاح الذي أخذته في العلّية.
انحنيت لالتقاطه… وعندما لامسته، انطفأت كل الأضواء في الشارع دفعة واحدة.
لم أعد أرى شيئًا… سوى تلك الابتسامة، تطفو في الظلام، وتقترب.
--.تنبيه༺༻
---آسفة لي تاخري بي متابعة الرواية والان اعدكم بي اكمالها وشكرا استمتعو
Comments