الفصل الثاني

نظرت إليه أليانا باستغراب بعد إجابته الغامضة. “ليس لديك منزل؟ أين تعيش إذًا؟”

ظل صامتًا للحظة، ثم أشاح بوجهه بعيدًا، كأنه لا يريد الإجابة. لم تعرف إن كان يتجاهل سؤالها عن عمد أم أنه لا يرغب في مشاركة تفاصيل حياته معها، لكن شيئًا ما في تصرفاته جعلها تشعر أن وراء هذا الغموض قصة لم يُرِد كشفها.

“هل لديك مكان تذهب إليه؟” سألت مجددًا، وهذه المرة بدا وكأنها انتزعت منه تنهيدة ثقيلة.

“لا يهم.” أجاب أخيرًا، نبرته كانت باردة لكن متعبة، كأن مجرد الوقوف يستهلك منه طاقة لا يملكها.

عضّت أليانا على شفتها بتردد، ثم استجمعت شجاعتها وقالت: “يمكنك المجيء معي… على الأقل حتى تستعيد قوتك.”

عند سماعها، رفع عينيه إليها بسرعة. نظر إليها نظرة لم تستطع تفسيرها—مزيج من الدهشة والرفض والريبة. “أنتِ لا تعرفينني.” قال ذلك وكأنها ارتكبت خطأ فادحًا بطرح هذا العرض.

“وأنت لا تبدو شخصًا سيئًا.” أجابته ببساطة، رغم أن عقلها كان يخبرها أنها تتصرف بتهور.

تلاقت أعينهما للحظة، كانت نظرته ثاقبة، كأنه يحاول قراءتها ومعرفة دوافعها. لكن أليانا لم تشح بنظرها، وكأنها تحاول إثبات أنها تعني ما تقول.

أخيرًا، زفر بضيق وأدار وجهه. “افعلِ ما تريدين، لكن لا تندمي لاحقًا.”

لم يكن يعلم أن هذه الليلة… لن تكون مجرد ليلة عادية، بل بداية لشيء لن يستطيع أحد إيقافه. سارت أليانا بجانبه بخطوات حذرة، ولاحظت أنه رغم ضعفه إلا أن مشيته كانت ثابتة، كأنه يرفض أن يبدو هشًا أمامها. لم تستطع كبح فضولها، فمن يكون هذا الرجل حقًا؟ ولماذا كان في ذلك الزقاق المهجور بحالة أقرب إلى الموت؟

“ما اسمك؟” سألته وهي تراقبه من طرف عينيها.

لم يرد فورًا، بل بدا وكأنه يفكر فيما إذا كان عليها أن تعرف أم لا. وأخيرًا، قال بصوت منخفض: “كايل.”

رددت الاسم في عقلها، بدا غريبًا عليها، لكنه ناسب غموضه.

“وأنتِ؟” سألها دون أن ينظر إليها.

“أليانا.” أجابته ببساطة.

توقف فجأة، مما جعلها تتوقف بدورها وتنظر إليه باستغراب. كان يحدق بها بعمق، كأنه يحاول تذكر شيء مهم. ثم، وبلا مقدمات، تمتم: “اسم مألوف…”

شعرت بقشعريرة خفيفة تسري في جسدها، لكن قبل أن تتمكن من سؤاله عما يعنيه، تابع سيره وكأن شيئًا لم يحدث.

شعرت بأن هناك لغزًا يحيط به، لغزًا مظلمًا وعميقًا… ولسبب ما، شعرت واصلت أليانا السير بجانبه، تحاول تجاهل الشعور الغريب الذي بدأ يتسلل إليها بعد كلماته الأخيرة. لم تكن تفهم ما الذي قصده بأن اسمها مألوف، لكن قررت ألا تسأله الآن. ربما كان مجرد وهم… أو ربما لا.

عندما وصلا إلى شقتها، ترددت للحظة قبل أن تفتح الباب. لم يسبق لها أن أدخلت شخصًا غريبًا إلى منزلها، لكن كايل لم يكن يبدو كأي شخص آخر. شيء ما فيه كان مختلفًا، خطيرًا، لكنها رغم ذلك لم تستطع تركه في الشارع.

“تفضل.” قالت وهي تدفع الباب برفق.

وقف كايل عند العتبة، ولم يتحرك. عبس قليلًا كأنه متردد، ثم رفع نظره إليها وقال بصوت خافت لكنه حاد: “أليانا… هل أنتِ متأكدة من هذا؟”

شعرت بقلبها ينبض بقوة، لم تفهم سبب توترها من نبرته، لكنها أخفت ذلك وهزت رأسها بإصرار. “أنت بحاجة إلى مكان للراحة، ولن أتركك في الخارج وأنت بهذه الحالة.”

نظر إليها للحظة طويلة، ثم زفر بصمت، وخطى إلى الداخل.

بمجرد أن عبر العتبة، شعرت أليانا بقشعريرة غير مبررة. وكأن شيئًا في الهواء قد تغير. حاولت تجاهل ذلك، وأغلقت الباب خلفها.

“يمكنك الجلوس على الأريكة، سأحضر لك بعض الماء.” قالت وهي تتوجه إلى المطبخ.

عندما عادت، وجدته واقفًا قرب النافذة، يحدق في الليل بصمت. كان جسده لا يزال متوترًا، وكأنه لم يعتد أن يكون في منزل شخص آخر.

مدت له الكأس، لكنه لم يأخذها فورًا. بدلاً من ذلك، نظر إليها وقال بصوت هادئ لكنه مخيف بعض الشيء:

“أليانا… هل تعرفين ما أنا؟”

شعرت بأنفاسها تتوقف للحظة. الطريقة التي قال بها ذلك، النظرة التي في عينيه، كل شيء فيها كان ينذر بأنها على وشك سماع شيء سيغير حياتها للأبد.

ورغم ذلك، لم تستطع أن تجيب. كل ما فعلته هو التحديق به، منتظرة الحقيقة التي شعرت بأنها كانت دائمًا قريبة… لكنها لم تدركها حتى الآن.أنها على وشك الانجراف نحوه، دون أن تدرك العواقب.

مختارات
مختارات

2تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon