حب تحت الظلال

حب تحت الظلال

الظلال

كان الليل قد غطّى المدينة بظلامه، تتخلله أضواء خافتة من أعمدة الإنارة القديمة. المطر تساقط بخفة، يلمع فوق الإسفلت المبلل، وصوت خطوات إليانا كان يتردد بصمت الأزقة المهجورة.

لم يكن هذا الطريق هو المعتاد لها، لكنها اختصرته لتصل إلى منزلها بسرعة. غير أن الرياح الباردة حملت معها إحساسًا غريبًا، إحساس بأن هناك من يراقبها.

عندما استدارت نحو أحد الأزقة الجانبية، رأت جسدًا ممددًا على الأرض. لم تستطع أن تتجاهل الأمر، فاقتربت بحذر.

كان شابًا، ثيابه ممزقة، وجهه شاحب كأنه فقد كل نقطة دم في جسده، لكنه كان وسيمًا رغم حالته المزرية. لم يكن يبدو كرجل عادي… كان هناك شيء غير طبيعي فيه، شيء جعل قلبها ينبض بقوة.

انحنت بجانبه ولمست كتفه برفق: “هل أنت بخير؟”

تأوه بصوت خافت، وفتح عينيه. للحظة، شعرت وكأنها غُرِفت في بحر من الظلام، عيناه كانتا حادتين، متوهجتين بلون أحمر قاتم. حاول النهوض لكنه لم يستطع، وكأنه منهك تمامًا.

همس بصوت بالكاد يُسمع: “ابتعدي… قبل أن…”

لكنها لم تتحرك، بل سحبت من حقيبتها منديلاً ومسحت الدم الجاف على شفتيه. لم تدرك أن فعلها هذا سيغير مصيرها إلى الأبد.⸻

كانت أليانا تحدق في يده التي أمسكت بمعصمها، لم تكن القبضة قوية بما يكفي لتؤذيها، لكنها كانت باردة، بطريقة جعلت قشعريرة خفيفة تسري في جسدها. رفعت نظرها إلى وجهه، ولاحظت كيف كانت عيناه تومضان بشيء غير مفهوم، مزيج من الألم، الجوع، وربما شيء آخر لم تستطع تفسيره.

“أنت…” ترددت قليلًا قبل أن تكمل، “أنت بحاجة إلى مساعدة، أليس كذلك؟”

زم شفتيه، وكأنه يكافح بين الاعتراف بالحقيقة أو طردها من المكان قبل أن تكتشف أكثر مما ينبغي. لكن ضعفه كان واضحًا، لا يمكنه خداعها حتى لو أراد ذلك.

“يجب أن تذهبي.” قال بصوت منخفض، لكنه كان يحمل أمرًا أكثر من كونه رجاء.

بدلًا من الابتعاد، عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بنبرة عنيدة: “أنت على وشك فقدان وعيك، لن أتركك هنا.”

نظر إليها بدهشة خفيفة، وكأنها كانت أول شخص في حياته يتجاهل تحذيراته. بعد لحظة، زفر بصوت مسموع، واستند إلى الجدار خلفه، وكأن الاستسلام لفكرة وجودها أسهل من محاولة إبعادها.

“فعلًا لا تعرفين مع من تتعاملين…” تمتم بصوت بالكاد سمعته، ثم أغمض عينيه للحظة، كأنه يحاول جمع ما تبقى من قوته.

راقبته أليانا بحذر. كان هناك شيء غريب بشأنه، ليس فقط شحوبه أو التعب في ملامحه، بل شيء أعمق من ذلك، شيء جعل الغريزة بداخلها تخبرها بأن هذا الرجل ليس طبيعيًا. لكنها لم تشعر بالخوف… بل بالفضول.

“هل تستطيع المشي؟” سألته، نبرتها كانت مليئة بالقلق رغم محاولتها إخفاءه.

فتح عينيه وحدق بها للحظات، قبل أن يجيب بجفاف: “ربما، إذا توقفتِ عن إزعاجي بأسئلتك.”

رفعت حاجبها، لكنها لم ترد عليه. بدلًا من ذلك، مدت يدها إليه، محاولة مساعدته على النهوض. بدا مترددًا لوهلة، ثم أمسك بيدها بحذر، مما جعلها تشعر بتلك البرودة مجددًا، لكنها تجاهلتها وساعدته على الوقوف.

بمجرد أن أصبح واقفًا، لاحظت أنه أطول منها بقليل، رغم أنه لم يكن يبدو بكامل قوته. تمايل قليلًا، لكنها أمسكت بذراعه بثبات.

“حسنًا، أين منزلك؟” سألته، لكنها لم تتوقع أن تكون الإجابة بالصمت التام.

عندما نظرت إليه، وجدت أنه يحدق بها بنظرة باردة وغامضة. للحظة، شعرت وكأنها ارتكبت خطأً بطرح ذلك السؤال.

“ليس لدي منزل.” كان صوته خافتًا، لكنه يحمل شيئًا جعل قلبها ينبض أسرع قليلًا.

لسبب ما، شعرت أن هذه الليلة ستكون بداية لشيء لم تتوقعه أبدًا..

مختارات
مختارات

2تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon