الظلام في منزل آل مورغان لم يكن عاديًا. كان حيًا، نابضًا بأنفاس الماضي وآهات الضحايا. بعد الليلة الأولى التي قضتها آنا في المنزل، لم تستطع النوم. كلما أغمضت عينيها، كانت ترى وجوهًا غريبة تحدق بها من خلف المرآة المكسورة في القبو. ظلالٌ تتلوى في العتمة، وعيونٌ تُراقبها من خلف الشقوق في الجدران.
عندما بزغ الفجر خافتًا خلف غيوم الشتاء الرمادية، جلست آنا على الأرضية الباردة بجوار المدفأة القديمة. كانت نيرانها خامدة، لكنها شعرت بدفء خافت ينبعث منها، كأنها لا تزال تحتفظ بحرارة أرواح من رحلوا منذ زمن بعيد. في حجرها، استقرت صفحات الدفتر القديم. كانت عينها مثبتة على رمز غريب نُقش بدقة في منتصف الصفحة. كان أشبه بدائرة من العظام، تتخللها خطوطٌ من الدماء الجافة.
لم تكن الرموز مألوفة. حاولت آنا أن تُقنع نفسها أنها مجرد أوهام، لكن عقلها كان يخبرها بشيء آخر. والدتها كانت تعرف هذا الرمز. لقد رأته على معصمها عندما كانت طفلة، محفورًا على جلدها كما لو كان جزءًا من هويتها.
رفعت آنا بصرها عندما سمعت صوت خشخشة خافتة في الممر. نهضت ببطء، قلبها ينبض بسرعة تحت ضلوعها. تقدمت بخطوات حذرة إلى خارج الغرفة، حيث امتد الممر الطويل أمامها. الجدران المتهالكة كانت تزفر برائحة العفن والرطوبة.
"من هناك؟" سألت بصوتٍ متحشرج.
لم يُجبها أحد. لكن الخطوات استمرت، بطيئة، كأن شخصًا يجرّ قدميه فوق الأرضية الخشبية. تابعت الصوت، حتى وصلت إلى باب القبو.
ترددت للحظة. ثم وضعت يدها على مقبض الباب البارد. شعرت بشيء ينبض تحته، كأن الدم يسري في جسده. فتحت الباب بحذر، لتكشف عن السلم الحجري الذي غمره الضباب الخافت.
"آنا..."
كان الصوت واضحًا هذه المرة. همسٌ عميق، يحمل نبرة مألوفة.
نزلت الدرج ببطء، كل خطوة تُصدر صريرًا مكتومًا. عندما وصلت إلى أسفل الدرج، رأت المرآة الكبيرة المكسورة في الزاوية. كانت شظاياها تعكس ظلالًا مشوهة. على الجدار المقابل، رأتها...
يدٌ مغطاة بالدماء. ثم وجهٌ مشوه يظهر خلفها. ملامحه لم تكن واضحة، لكن عيناه كانتا سوداوتين تمامًا.
"مَن هناك؟" سألت آنا، صوتها يرتجف.
"لقد عدتِ."
التفتت آنا بسرعة، لتجد رجلاً يقف أمامها. كان طويلًا، ذو شعر داكن يتدلى على عينيه. ابتسامته باردة، كأنها شق في وجه ميت.
"مَن أنت؟" سألت بصوت مرتعش.
"أنا جزءٌ من هذا المكان... وجزءٌ منكِ."
تراجعت آنا للخلف. "أنت... لستَ حقيقيًا."
تقدم الرجل خطوة. "وما هو الحقيقي في هذا المكان، آنا؟"
أدركت أنها لا تستطيع التراجع أكثر. كان الجدار خلفها.
"لقد كانت والدتكِ تعرفني. كانت جزءًا من كل شيء."
شعرت آنا بدمائها تتجمد. "ماذا تعني؟"
مد الرجل يده، مشيرًا إلى الجدران. "ألا تشعرين بذلك؟ العظام... إنها تتحرك."
تسارعت أنفاس آنا عندما سمعت صوت طقطقة خافتة. نظرت إلى الجدران، فرأت الشقوق تمتد ببطء. عظامٌ بيضاء بدت تحت الطلاء المتهالك، تتحرك كأنها تستيقظ من سباتٍ عميق.
"ما هذا؟" همست آنا.
"إنه صوت الطقوس القديمة. كان يجب أن تُدفني هنا منذ ولادتكِ. لكن والدتكِ حمتكِ."
"أمي؟"
"لقد أخبرتها الطائفة أن عليكِ أن تُقدَّمي كقربان. لكنها خالفت القوانين. لذلك قتلوها."
تراجعت آنا، دموعها تترقرق في عينيها. "أنت تكذب."
ضحك الرجل ببرود. "هل أنا؟ إذًا كيف تفسرين العلامة على معصمكِ؟"
نظرت آنا إلى يدها. العلامة التي كانت تُعتقد أنها وحمة، بدت الآن أوضح. دائرة من العظام، تتخللها خطوطٌ داكنة. تمامًا كما في الدفتر.
"لقد وُلدتِ لتكوني جزءًا من الطائفة. الطقوس لم تكتمل لأن والدتكِ هربت بكِ. لكنها لم تنقذكِ. لقد أجّلت المصير فقط."
ارتجفت آنا. "لا... هذا مستحيل."
اقترب الرجل منها. "إنه مقدرٌ لكِ أن تعيدي ترتيب العظام. عليكِ أن تُكملي الطقوس."
"لماذا أنا؟"
ابتسم الرجل. "لأنكِ النسل الأخير للطائفة."
بدأت الجدران تهتز. سقطت قطعٌ من الطلاء، كاشفةً عن عظامٍ مدفونة تحتها. الأصوات تعالت.
"آنا..."
سمعت صوت والدتها.
"أمي؟"
"إنه فخ!"
عندها، شعرت بيدٍ تُمسك بمعصمها. كان الرجل يقبض عليها بقوة.
"أطلقي سراحي!" صرخت آنا.
"لقد اخترتِ هذا الطريق، آنا. الآن، لن تعودي."
تراجعت آنا بقوة، ثم أمسكت بقطعة من الزجاج المكسور على الأرض. طعنت يد الرجل، لكنه لم يتألم.
"لا يمكنكِ قتلي. أنا جزءٌ من هذا المكان."
لكن الدم بدأ يسيل من يده. تراجع ببطء، وبدأ وجهه بالتشوه.
"لقد... خنتِ الطائفة."
انفتح الجدار خلفه، كاشفًا عن فراغٍ مظلم.
"سأعود..."
تراجع الرجل، ثم سُحب إلى الظلام. أُغلق الجدار خلفه.
سقطت آنا على ركبتيها، أنفاسها متقطعة. كانت يداها مغطاة بالدماء. نظرت إلى الجدران. العظام توقفت عن الحركة.
لكنها سمعت همسًا خافتًا.
"لقد بدأت الطقوس..."
نهضت آنا، عيناها تشتعلان بالخوف. ثم سمعت صوتًا آخر.
"آنا... الدور التالي سيكون لكِ."
وقفت في الظلام، تتساءل إن كانت قد انتهت من هذا الكابوس... أم أنه قد بدأ لتوه.
أحداث أكثر و أسرار أكثر راح تنكشف شيء فشيء خلوكم معنا 🖤🖤🖤🖤
Comments